الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ إلى كبر واستخفاف بالدين، لقوله: (ليضِلَّ عن سبيل الله
…
) الآية.
وأن المراد شخص معيّن لوصفه بعد ذلك بجملة أوْصاف.
(ليلةٍ مبَاركة)
، يعني ليلة القَدْرِ من رمضان.
وكيفية إنزال هذا القرآن العظيم فيها أنه أنزل إلى السماء جملة واحدة، ثم نزل به جبريل مفَرَّقاً في عشرين سنة، أَو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة، قال تعالى:(وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) .
وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة من طريق حسان بن حُريث عن سعيد بن
جبَيْر، عن ابن عباس، قال: فصِلَ القرآن من الذكر، فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم.
أسانيدها كلها صحيحة.
وأخرج الطبراني من وجْهٍ آخر عن ابن عباس، قال: أنْزِل القرآن في ليْلة
القَدْرِ في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملةً واحدة، ثم أنزل نجوماً.
إسناده لا بَأْسَ به.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدّي عن محمد
ابن أبي المجالد، عن مِقْسم، عن ابن عباس - أنه سأله ابن عطية الأسود، فقال: وقع في قلبي الشك! قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزِل فيه القرآن) وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) .
وهذا نزّل في شوّال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة
والمحرّم وصفر وشهر ربيع، فقال ابن عباس: إنه أنزل في رمضان في ليلة القَدْر جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم، رَسَلاً في الشهور والأيام.
قال أبو شامة: قوله: رسلا، أي رِفقاً، وعلى مواقع النجوم، أي على مثل
مساقطها، يريد أنزل مفَرَّقاً يَتْلو بعضه بعضاً على تؤدة ورفق.
وقيل: يعني بالليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، وذلك باطل، للآية:
(إنا أنزلناه
…
) .
وقوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .
قيل: السرّ في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا تفخيم أمره وأمر مَنْ نزل عليه.
وذلك بإعْلام سكان السماوات السبع أنَّ هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لِأشْرف الأمم.
وقد قربناه إليهم لننزله إليهم.
ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصولَه إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله باينَ بينه وبينها، فجعل له الأمْرَيْن: إنزاله جملة، ثم إنزاله مفرَّقاً، تشريفاً للمنزل عليه.
ذكر ذلك أبو شامة في المرشد الوجيز.
وقال الحكيم التِّرْمذي: أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثته كانت رحمة، فلما خرجت الرحمةُ بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حدِّ الدنيا، وؤضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
وجاء جبريل بالرسالة ثم الْوَحْي، كأنه أراد تعالى أن يسلّم هذه الرحمة التي كانت حظَّ هذه الأمة مِنَ اللهِ إلى الأمة.
وقال السخاوي في جمال القراء: في نزوله إلى السماء جملة تكريمُ بني آدم.
وتعظيمُ شأنهم عند الملائكة، وتعريفُهم عناية الله بهم ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفاً من الملائكة أن تشيِّعَ سورةَ الأنعام، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمَرَ جبريل بإملائه على السّفَرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له.
قال: وفيه أيضاً التسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى ا@ في إنزاله كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنزاله عليه منجّماً ليحفظه.
قال أبو شامة: فإن قلت فقوله تعالى: (إنَّا أنْزَلْنَاه في ليلة القَدْر) .
من جملة القرآن الذي أنزل جملة أم لا، فإن لم يكن منه فما نُزل جملة، وإن
كان منه فما وَجْهُ صحة هذه العبارة؟
قلت له وجهان:
أحدهما: أن يكون معنى الكلام إنا حكمْنَا لإنزاله في ليلة القَدْر، وقضينا به
وقدّرناه في الأزَل.
والثاني: أن لفظه لفظُ الماضي ومعناه الاستقبال، أي نزل جملة في ليلة القدر.
قال أبو شامة: الظاهر أن نزولَه جملة إلى السماء الدنيا بعد ظهورِ نبوءته صلى الله عليه وسلم.
قال: ويحتمل أن يكون قبلها.
قلت: الظاهر هو الثاني، وسياقُ الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه.
وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد أخرج أحمد والبيهقي في الشّعَب عن
واثلة بن الأسْقَع، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت التوراة لستّ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خَلَتْ منه، والزبور لثمان عشرة منه. والقرآن لأربع وعشرين خلت منه.
وفي رواية: وصحف إبراهيم لأول ليْلة، قال: وهذا الحديث
مطابق لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أُنْزِلَ فيه القرآن) .
ولقوله: (إنا أنْزَلنَاهُ في ليلة القَدْرِ) فيُحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة
كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض:(اقرأ باسم ربك) .
قلت: لكن يُشْكِلُ على هذا ما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم بُعث في شهر ربيع.
ويُجَاب عن هذا بما ذكروه أنه نُبيء أولاً بالرؤيا في شهر مولده، ثم كانت
مدتها ستة أشهر، ثم أوحي إليه في اليقظة.
ذكره البيهقي وغيره.
نعم، يشكل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن عن أبي قِلابة، قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان.
الثالث: قال أبو شامة: فإن قيل: ما السرُّ في نزوله منَجَّماً، وهلاّ نزل كسائر الكتب جملة؟
قلنا: هذا سؤالْ قد تولى الله جوابَه، فقال تعالى:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) .
يعْنُون كما أنزل على مَنْ قبْله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله:(كَذَلِكَ) - أي أنزلناه كذلك مفرّقا - (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) ، أي لنقوِّيَ به قلبك، فإن الوحْي إذا كان يتجدد في كل