الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: وهو الأظهر عندي: أن المعنى لم يكونوا لينفصلوا عن الدنيا حتى
بعث الله لهم محمداً، فقامت عليهم الحجّة، لأنهم لو انفصلت الدنيا دونَ بَعْثه لقالوا: ربنا لو أبى سلت إلينا رسولا، فلما بعثه الله لم يبق لهم عُذْر ولا حجة، فمعنى مُنْفكين على هذا كقولك لا تبرح ولا تزول حتى يكون كذا وكذا.
(ميثاق) : قد قدمنا أنه العهد حيثما وقع والوثق، مفعال من الوثيقة.
(من بعده) : الضمير لموسى، أي من بعد غيبته في مناجاته
على الطور.
(ملّةَ أبِيكم إبراهيم) :
انتصب ملّة بفعل مضمر تقديره:
أعني بالدين ملَّة إبراهيم، أو التزموا ملَّة إبراهيم.
وقال الفراء: انتصب على تقدير حذف الكاف، كأنه قال كملَّة.
وقال الزمخشري: انتصب بمضمون ما تقدم، كأنه قال: وسّع عليكم توسعة
ملَّةِ أبيكم إبراهيم، ثم حذف المضاف.
فإن قلت: لم يكن إبراهيم أباً للمسلمين كلهم.
فالجواب أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبأ لأمته، لأن أمة الرسول في حكم أولاده.
وأيضاً فإن قريشاً وأكثر العرب من ذرية إبراهيم، وهم أكثَرُ الأمة.
فاعتبرهم دون غيرهم.
وقد قدمنا في هذا الحرف أنَّ الله نسب هذه الأمةَ لإبراهيم، لأنه صلى الله عليه وسلم يشفع فيهم، والوالد يستحيي من زلّة ولده، ولم ينسبهم - لآدم، لأنه عاملهم بما لم يُعامل به آدم عند ذنوبهم.
ألا تراهم يرتكبون كلَّ ساعةْ المخالفة، وهو يسترهم
ويرزقهم ويعافيهم، وإن نادَوْه لَبَّاهُمْ، وإن استغفروه غفرِ لهم، وأعظَم من ذلك أنه نسبهم إلى الوفاء في قوله تعالى:(وإبراهيمَ الّذي وَفَّى) .
(إنَّ إبراهيمَ لَحليمٌ أوّاهٌ مُنِيب) .
وكما أحْيا اللهُ علي يديه الطيور، وأظفره بعدوّه النمرود، ولم تصل النار إلى جسده، بل أحرق قيوده
كذلك يحي الله قلوب هذه الأمة المحمدية إذا ندموا على المخالفة، ويظفرهم
بعدوهم إبليس في القيامة ويبرد عليهم النار، فلا يذوقون فيها الماء، كما صح أنهم يموتون فيها إماتة
…
الحديث بطوله في صحيح مسلم.
فهنيئاً لكم يا أمة محمد على ما خوَّلكم له من النعم لحرمة نبيكم، اللهم اجعلنا من أمته، واحْشرْنا في زمْرَتِه لا مبدِّلين ولا مغَيِّرين.
(مِسْكين) : مفعيل من السكون، وهو الذي سكنه الفقر.
أي قلل حركته، وهو أحوَج من الفقير.
وقال الأصمعي: بل المسكين أحسن حالاً من الفقير، لأن الله عز وجل
يقول: (أمَّا السفينة فكانت لِمَساكِين) ، فأخبر أنَّ المسكين له
سفينةٌ من سفن البحر، وهي تساوى قيمةً كبيرة.
والصحيح الأول، لأن الله قال في أصحاب السفينة: مَساكين، على وجه
الإشفاق عليهم، لكونهم يغصبون فيها، أو لكونهم في لجج البحر، ولا سيما على قراءة مَسَّاكين - بتشديد السين، أي يمسكون السفينة.
(مِحْرَاب) : قد قدمنا أنه مقدم المجلس وأشرفه، والمحراب أيضاً: الغرفة، وجمعه محاريب.
وأما قوله: (كلما دخلَ عليها زكريا المحرابَ) فالمراد به موضع عبادتها.
(مِثْقَال ذَرَّة) : أي وزنها، وهي النملة الصغيرة، وذلك
تمثيل بالقليل تنبيه على الكثير.
(مِنْهَاجاً) : أي ديناً، وفي هذا دليل على أن الله أمر
بالدين القيم لجميع العالم.
وأما الأحكام والفروع فقد قدمنا أن ذلك مختلف.
(مِدْراراً) : بناء تكثير من الدر.
يقال دَرّ المطر واللبن وغيره.
وفي الآية دليلٌ على أنَّ التوبةَ والاستغفار سببٌ لنزول المطر.