الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والْمَخْر: شقّ الماء.
وقيل صَوْت جَرْي الفلك بالريح، ويترتب على هذا أن
يكون الخر من الريح.
وأن يكون من السفينة ونحوها، وهو في هذه الآية من السفن.
ويقال للسحاب بنات مَخْر تشبيهاً، إذ في جريها ذلك الصوت الذي هو
عن الريح والماء الذي في السحاب، وأمرها يشبه أمر البحر، على أن الزّجّاج قد قال: بنات الْمَخْرِ: سحائب بيضى لا ماء فيها.
وقال بعض اللغويين الْمَخْر في كلام العرب الشق، يقال مخر الماء الأرض.
قال ابن عطية: فهذا بَيِّن أن يقال فيه للفلك مَوَاخر.
وقال قوم: مَوَاخِر معناه تجيء وتذهب بريح واحدة، وهذه
الأقوال ليست تفسيرا لِلَّفْظة، وإنما أرادوا أنها مواخر بهذه الأحوال، فنصّوا
على هذه الأحوال، إذ هي موضع النعمة المعددة، إذ نفس كون الفلك ماخرة لا نعمة فيها، وإنما النعمة في مخرها بهذه الأحوال في التجارة والسفر فيها، وما يمنح الله فيها من الأرباح والمِنَن.
فإن قلت: ما فائدة تقديم المواخر في هذه الآية على آية فاطر؟
والجواب لما كان الفلك المفعول الأول لترى، ومواخرَ المفعول الثاني.
و" فيه " ظرف وحقه التأخير، والواو في ولتبتغوا للعطف على لام العلَّة في قوله:(لتأكلوا منه) - أخَّرَه ليجيء على القياس في هذه السورة.
وأما في فاطر فقدّم (فيه) لما قبله وهو قوله: (ومِنْ كلٍّ تأكلون لحما طرياً) .
فقدّم الجارّ على الفعل والفاعل والمفعول جميعاً ولم يزد الواو في (لتبتغوا) لأن اللام في (لتبتغوا) ها هنا لام العلة، وليس بعطف على شيء قبله.
وقيل في الجواب غير هذا مما يطول ذكره.
(أفَمَنْ يخْلق كمَنْ لا يَخْلق) :
تقرير يقتضي الرد على مَنْ عبد غير الله، وإنما عبَّر عنهم بمن لأن فيهم مَنْ يعقل ومَنْ لا يعقل، أو مشاكلة لقوله:(أفمن يخْلق) .
وأورد الزمخشري هنا سؤالين: أحدهما أن الأصنام لا تعقل، فهَلَاّ قيل: كما لا يخلق؟
وأجاب ابن عرفة بأنه لو عبَّر بـ (ما) لكان الإنكار عليهم بأمرين:
من حيث كونها غير عاقلة، وكونها لا تخلق، وما المقصود في
الآية إلا إنكار عبادتها من حيث كونها لا تخلق فقط.
وأجاب الزمخشري بأمرين:
أحدهما أمَّا أنهم سموها آلهة وعبدوها، فهو على نحو ما كانوا يعتقدون.
وردَّة ابن عرفة بأنه إقرار لهم على معتقدهم.
وأما أنهم عاملوها معاملة من يعقل فروعي فيه المشاكلة بينه وبين من يخلق.
ورَدَّه ابن عرفة بأن المشاكلة إنما تكون حيث التساوى، كقوله: (ومَكروا
وَمَكَرَ الله) .
وقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجِدْ لك طَبْخَه
…
قلت اطبخوا لي جُبَّةً وقَمِيصا
فالأول مثبت، والثاني منفي.
السؤال الثاني: أنه إنما أنكر عليهم تشبيههم من لا يخلق بمن يخلق، فكان
الأصل أن يُقال، أفمن لا يخلق كمن يخلق، لأن همزة الاستفهام إنما تدخل على المنكَر والمسؤول عنه.
وأجاب الزمخشري بجواب لا ينهض.
وأجاب ابن عرفة بجواب: إن عادتهم يجيبون بأن الإنكار إنما يكون بإفهام الخصم نقيض دَعْواه، أما إذا كان الإنكار بإلزامه عَيْنَ الدعوى فلا يصح.
وهنا لو قيل لهم: أفمن لا يخلق كمن يخلق لكان التشبيه راجعاً إلى نفي المساواة بينهما، وهم موافقون على ذلك، ويقولون.
(ما نعْبدهم إلَاّ ليقَرِّبونَا إلى الله زلْفَى) .
ولما قيل: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) لم يكن الإنكار راجعاً لنفي المساواة، فلم يَبْق إلا أن يراد أنَّ الله تعالى مُصِفٌ بنقيض ما اتَّصفَ به معبودهم وهو الْخَلق، فيكون المراد الإشعار بتنقيص مقصودهم، والتنقيص موجب لعدم الألوهية، فليس المراد نفي مساواة الناقص للكامل، بل إنما المراد الإشعار بتنقيص الناقص، لأنه إذا قيل لهم:(أفمن يخلق كمن لا يخلق) كان الإنكار راجعا لتشبيه الخالق بمن لم يخلق، لأن تشبيهه به
يوجب تنقيص البارئ جلّ وعلا، والتنقيص موجِبٌ لعدم الألوهية.
وقد قال: (ولئن سألْتَهمْ مَنْ خلقَهمْ لَيَقولنَّ الله) ، فيستلزم نقيض
دعواهم.
(مَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) :
الضمير في (يشعرون) للأصنام،
وفي (يُبْعَثُونَ) للكفار الذين عبدوهم، وعلى أنّه للكفّار يكون وعيداً، أي وما يشعر الكفار أيان يبعثون للعذاب.
ولو اختصر هذا المعنى لم يكن في وصفهم
بعدم الشعور فائدة، لأنَّ الملائكة والأنبياء والصالحين كذلك هم في الجهل بوقت البعث، فهو أمر استأثر الله به، كما قال:(إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) .
وإنما نفى عنهم الشعور به.
والأنبياء قد حصل لهم الشعور به، وأعلموا بإشعار الساعة وعلامتها.
(ما كنّا نَعْمَل مِنْ سوءٍ) :
قاله الكفار على حسب اعتقادهم في أنفسهم، فلم يقصدوا الكذب، ولكنه كذِبٌ في نفس الأمر، أو قصدوا الكذب اعتصاماً به، كقولهم:(واللهِ رَبنَا ما كنّا مشركين) .
(مِن أوْزَارِ الَّذِينَ يضِلونَهم بغير عِلْم) :
قيل: إنَّ (من) للتبعيض.
ورُدَّ بالحديث: من عمل حسنة فله أجرها
…
الخ.
وأجيب بأن الْمفضلين ترتّب على كفرهم وِزْرَان: أحدهما متَعَلّق بهم.
والآخر متعلق بمن أضلّهم.
ورده ابن عرفة بأنه إنما يتم هذا لو كانت التِّلَاوَة ومن أوزار إضلال من
اتبعهم، فتضاف الأوزار للضلال لا لهم.
والظاهر أن من للسبب، وثَمَّ معطَوف
مقدَّر، هو مفعول، أي ليحملوا أوزارهم ووزراً آخر بسبب أوزار الذين
يضلونهم.
وقال أبو حيان: إن " من " تكون بمعنى مثل، ولكنه شاذّ.
وكذلك قال: (بغير علم) حال من المفعول في يضلونهم.
وردّ بأنه حال من الفاعل، لأن العلم إنما يطلب ممن نصب نفسه منصب
المفيد، لا ممن نصبها منصب المستفيد.
قيل للقائل: الأصوب أن يكون متعلّقاً بـ يضلونهم، فقال: والباء حينئذ للمصاحبة، فلا بدّ من الحال.