الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما أخبر الشارع بالتسعة والتسعين في قوله: إن للهِ تسعة وتسعين اسماً مَنْ
أحصاها دخل الجنة.
وسبب نزول الآية أن أبا جهل سمع بعض الصحابة يقرأ، فيذكر الله مرة
والرحمن أخرى، فقال: يزعم محمد أن الإله واحد، وها هو يعبد آلهة كثيرة، فنزلت الآية، مبيّنةً أن تلك الأسماء الكثيرة هي لمسمّى واحد.
والحسنى: مصدر وصف بها، وتأنيث أحسن.
وحسْن أسماءَ الله أنها صفات مَدْحٍ وتعظيم وتحميد، فمنها ما هو للتعلّق، ومنها ما هو للتخلق، فينبغي الاعتناء بتبين معانيها، وبأخذ كل واحد منها حظاً ونصيباً.
(لِلَّذينَ أحْسَنوا الحسْنى وزِيادة) :
الحسنى الجنة، والنظر
إلى وجه الله.
وقيل الحسنى جزاء الحسنة بعَشْرة أمثالها، والزيادة التضعيف فَوْق
ذلك إلى سبعمائة.
والأول أصح، لوروده في الحديث، وكثرة القائلين به.
(لولا نزلت سؤرة) ، بالهمز، من أسأرت أي أفضلت من
السؤر، وهو ما بقي من الشراب في الإناء، كأنها قطعةٌ من القرآن.
ومَنْ لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم، وسهَّل همزتها.
ومنهم من شبهها بسورة البناء، أي القطعة منه، أي منزلة بعد منزلة.
وقيل من سور المدينة لإحاطتها بآياتها
واجتماعها كاجتماع البيوت في السور.
ومنه السِّوَار لإحاطته بالساعد.
وقيل: لارتفاعها، لأنها كلام الله.
والسورة المنزلة الرفيعة، وكان المؤمنون يقولون هذا الكلام على وجه
الحِرصِ على نزول القرآن والرغبة فيه، لأنهم كانوا يفرحون ويستوحشون من إبطائه.
تنبيه:
قال الجَعْبَري: حَدّ السورة قرآن يشتمل على آي ذي فاتحة وذي خاتمة.
وأقلها ثلاث آيات.
وقال غيره: السورة الطائفة المترجمة توقيفاً، أي المسمّاةُ باسم خاصّ بتوقيف
من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبتت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية
الإطالة لبيًنْتُ ذلك.
ومما يدل لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة، قال: كان المشركون
يقولون: سورة البقرة، وسورة العنكبوت - يستهزئون بها، فنزل:(إنا كفَيْناكَ المستَهْزِئين) .
وقد كره بعضهم أن يُقال سورة كذا لما رواه الطبراني والبَيْهقي مرفوعاً، عن
أنس: لا تقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله، ولكن قولوا: السورة التي تذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها آل عمران، وكذلك القرآن كله.
وإسناده ضعيف، بل ادَّعَى ابن الجَوْزي أنه موضوع.
وقال البيهقي: إنما يُعرف موقوفاً عن ابن عمر، ثم أخرجه عنه بسند
صحيح.
وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة
البقرة.
ومن ثَمَّ لم يكرهه الجمهور.
وقد يكون للسورة اسمٌ واحد وهو كثير، وقد يكون لها اسمان فأكثر، من
ذلك: الفاتحة، وقد وقفت لها على نيِّفٍ وعشرين اسماً، وذلك يدل على شرفها، فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى.
قال بعضهم: وكما سمِّيت السورة الواحدة بأسماء سمِّيَت سورة باسم واحد.
كالسور المسماة بـ الم والر، على القول بأن فواتح السور أسماء لها.
قال الزركشي في البرهان: ينبغي البحث عن تعداد الأسماء، هل هو توقيفيّ
أو بما يظهر من المناسبات، فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة يقتضي اشتقاقها اسماً لها، وهو تعبيد.
قال: وينبغي النظر في اختصاص كل سورة بما سُمِّيَتْ به.
ولا شكَّ أنَّ العرب ترَاعِي وكثير من المسميات أخْذَ أسمائها من نادر أو
مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصه أو يكون معها أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرأي للمسمى.
ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة
بما هو أشهر فيها، وعلى ذلك جَرَتْ سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة قصة البقرة المذكورة فيها، وعجيب الحكمة فيها.
وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردَّد فيها شيء كثير من أحكام النساء.
وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وإن كان قد ورد
لفظ الأنعام في غيرها، إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى: (ومِنَ الأنْعَام
حَمُولَةً وفَرْشاً
…
) ، إلى قوله:(أمْ كنْتم شهَداءَ إذْ وَصّاكم اللة بهذا) .
لم يردْ في غيرها، كما ورد ذِكْر النساء في سور، إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة النساء، وكذا سورة
المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها، فسميت بما يخصها.
فإن قيل: في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى.
فلم خصَّتْ باسم هود وَحْدَه، مع أن قصة نوح فيها أوعب وأطول؟
قيل: تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوْعَب
مما ورد في غيرها، ولم يتكرر في واحدة من هذه السور اسم هود كتكرّره في
سورته، فإنه تكرر فيها في أربعة مواضع، والتكرار من أقْوَى الأسباب التي
ذكرنا.
فإن قيل: فقد تكرر اسم نوح فيها في ستّةِ مواضع.
قيل: لما أفْرِدت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة بِرَأسِها فلم يقع فيها غير
ذلك، كانت أوْلى بأن تسمَّى باسمه من سورة تضمّنَتْ قصتَه وقصة غيره.