الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَفَمَنْ وَعَدْنَاه وَعْداً حَسَناً) :
هذه الآية إيضاح لما قبلها
من البَوْنِ بين الدنيا والآخرة.
والمراد بمن وعدناه المؤمنون، وبمن متعناه الكافرون.
وقيل محمد صلى الله عليه وسلم، وأبو جهل.
وقيل حمزة، وأبو جهل.
والعموم أحسن لفظاً.
(ماذا أَجَبْتئم المرْسَلِين) :
أي هل صدقتموهم أو كذبتموهم، فلا يدرون جواباً، لما يرون من الأهوال، ولا يسأل بعضهم بعضاً لتساويهم في الحيرة.
(ما يشاء ويختار) ، أي يخلق ما يشاء من الأمور على
الإطلاق، لأنه أعلم بمصالحها، لا يسأل عما يفعل.
وقيل سببها استغراب قريش لاختصاص نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوّة.
(ما كان لهم الخِيرَة) : (ما) نافية.
والمعنى ما كان للعباد اختيار، إنما الاختيار والإرادة للهِ وحده، فالوقفِ على قوله: ويختار.
وقيل: إن (ما) مفعول لـ (يختار) .
ومعنى (الخِيَرة) على هذا الخير والمصلحة.
وهذا يجري على قول المعتزلة، وذلك ضعيف لرفع (الخِيَرة) على أنها اسم كان، ولو كانت (ما) مفعولة لكان اسمها مضمراً يعود على (ما) وكانت.
(الخِيَرة) منصوبة على أنها خبر كان.
وقد اعتذر عن هذا مَنْ قال إن (ما) مفعولة بأنْ قال: تقدير الكلام يختار ما كان لهم (الخِيَرة) فيه، ثم حذف الجار والمجرور، وهذا ضعيف.
وقال ابن عطية: يتجه أن تكون (ما) مفعولة إذا قدرت كان تامة، ويوقف
على قوله. (ما كان) ، أي يختار كل كائن، ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة، وهذا بعيد جدا.
(ما إنَّ مَفَاتِحَه) :
هي التي يفتح بها.
وقيل هي الخزائن.
والأول أظهر.
وكانت مفاتيح خزائنه حمل مائة بعير.
وفي رواية سبعين بعيراً (1) .
(1) يحتاج إلى دليل.
قال مجاهد: وكان وزن كل مفتاح درهما.
وفي رواية وزن نصف درهم.
ويفتح بكل مفتاح سبعون باباً.
فلما جمع المال ترك النوافلَ من العبادات، فأمر
الله تعالى موسى أن يطلب منه زكاةَ أمواله، فحسب مقدارَ زكاته فرآه كثيراً، فلم يؤدّه، وكان يركب عنده ألف غلام وألف جارية بسروج من ذهب، وثيابهم من ذهب (1) .
(مكانَه بالأمْسِ) :
تمنّى بنو إسرائيل مكانَ قارون لما رأوا من مركبه، وما أعطاه اللَّهُ من الزينة والحشم، فلما امتنع قارون من الزكاة
ألحَّ عليه موسى، فقال له: اجمع أهل مصر غداً، فإن غلبتني بالحجة أعطيتك
زكاة المال.
فدعا قارون امرأةً ذات حسن وجمال، وقال لها: إني أجمع بني
إسرائيل، فإن شهدت على موسى بالفسق، وقلتِ أنا حاملة منه أعطيتك ما
أغنيك، فقبلت.
ثم جمع قارون بني إسرائيل في داره، ودعا موسى، فقالت بنو إسرائيل: عِظْنَا موعظةً.
فوعظهم، وقال: من سرق مالاً قطِعت يده، ومن زنى بامرأة قتل.
فقال قارون: إن فعلتَ ما قلت فكيف الحكم عليك، فقال موسى:
إن فعلتُ وجب عليَّ الحكم.
فقال قارون: لي شاهد بأنك زنيت بهذه المرأة وهي حامل منك.
فأشار إليها وقامت، وأوقع الله الرعْبَ في قلبها، وحوَّل لسانها من
الكذب إلى الصدق، وقالت: إن موسى بريء مما يقوله قارون - وأقرَّتْ بقول قارون لها، وإني أخاف الله من ذلك، هو رسوله وكليمه.
فغضب موسى عليه وناجى واشتكى من قارون، فجاءه جبريل وقال: يا
موسى، إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: جعلت الأرض في أمرك فأي شيء تأمرها فهي مطيعة لك في إهلاك قارون.
فرجع موسى إليه وهو جالس على السرير متّكئاً على فراش من ديباج، فضرب موسى عصاه على الأرض، وقال لها: خذِيه، فأخذَتْه إلى ركبتيه، فتضرع إلى موسى فلم يلتفت إلى قوله، وهو يستغيث إليه مراراً، ويعرض عنه، فقال الله له: يا موسى، استغاث بك أربع مرات فلم تغثه، وعِزَّتي وجلالي لو استغاث بي مرةً واحدة لأغَثْته، فحينئذ قام
(1) لا يخفى ما فيه من بعد بعيد.
الذين تَمَنَّوْا مكانه بالأمس يقولون: (ويكأن الله يبْسط الرزْقَ لمن يشاء) .
وخسف الله به وبداره الأرض، لأنه لو لم يخسف بداره
لقالت بنو إسرائيل: دعا عليه موسى ليأخذ ماله، فانظر هذه الرحمة الشاملة
حيث عاتب كليمَه على عدوه وقوله لو: لو استغاث بي لأغثته، وإن لم تعمل على هذا فاقرأ قوله تعالى:(قل يا عبادي الذين أسْرَفوا على أنفسهم..) .
وإضافته إليك في قوله: (وإلهكم إله واحد) .
فما أشرفها من إضافة!
وما أحسنه من تشريف! ولذلك يقول تعالى: خلقت الأشياء كلَّها لك، وخلقتك من أجْلِي، فكلهم لك، وأنا لك، فإذا كنتَ لي فأيّ شيء يبقى لإبليس معك.
وسمّى العبد عبدا، لأنه محل العَصا، ومسلكه العيوب، ولما أضاف العبد إلى نفسه خاف أن يسلبه إبليس من الله عز وجل فقال:(وهو معكم) ، فأضافه إلى نفسه حتى لا يقدر إبليس أن يسلبه منه، وليس لك الفخر أيها العبد بنسبتك لسيدك، بل الفخر لك لأنه إلهك والإله يرزقك، وإن عملت عملاً قَبِله منك، وإن أذنبت ذنوبا غفرها لك، وأنت تشاهد العبد يسمِّي عَبْدَه باسم لا يقدر أحد أن يرفعه ما دام سيده حيًّا، وهو تعالى أضافك إليه شئت أو أبيت، ويكفيك من محبته لك ولطفه بك أنه قال:(أسرفُوا على أنفسهم) ، ولم يقل أسرفتم، لئلا يخجل العاصي، ويفتضح، وتستُّراً عليه حتى لا
يهتك ستره ما لم يشرك به، فإنْ رجع بعد الشرك قَبِله وأقبل عليه، ولذلك قال تعالى:(إنّ اللهَ يَغْفِرُ الذنوبَ جميعاً) ، ومعاصيك أيها العبد بين
اثنين، في الله وفي الرسول، فأما التي في الرسول فقد شفع الله فيك، وقال له:(فاعْفُ عنهم واستَغْفِر لهم) .
والتي في الله يأمر الرسول أن يشفع فيك إلى الله.
وذنوبك أيضاً لا تخرج من اثنين: إما صغيرة فهي مغفورة باجتناب الكبائر، قال تعالى:(إن تجْتَنِبوا كبَائِرَ مَا تُنْهَوْن عنه نُكفّرْ عنكم سيًئَاتِكم) .
وإما كبيرة فقد ادَّخر لكَ الرسولُ الشفاعة فيها، قال صلى الله عليه وسلم:"ادخرْتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
قال الحسن البصري: كنتُ مارًّا بمكة فسمعتُ امرأةً تقول لزوجها: كل إساءةٍ