الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسببُ نزول هذه الآية إبطاء جبريل بالوَحْي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قيل: إن محمداً قَلَاه ربه.
(ما أَدْرَاكَ ما لَيْلة القَدْرِ) :
هذا تعظيم لها، وحق لها أن تعظَّم، وهي من خصائص هذه الأمة، وهي تنتقل في العام كلّه.
وفي الحديث: "التمسوها في العَشْر الأوَاخر من رمضان".
وعند ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين، وأخذ ذلك من كلمات هذه السورة إلى قوله:(هي) القدر.
وقيل: إذا وافق إفراد العشر الأواخر من رمضان ليلة الجمعة فهي ليلة
القدر.
والصحيح أنهاَ من المخفيات السبع، وهي الولي في خلقه، والاسم الأعظم
في الأسماء، وغضبه في معصيته، ورضاه في طاعته، وساعة الجمعة في اليوم كلّه، والصلاة الوسطى في الصلوات.
كلّ ذلك حرصاً على اتباع الأوامر واجتناب النواهي.
(ما تَفَرَّقَ الذين أُوتوا الكتابَ إلَاّ مِنْ بَعْدِما جاءَتْهم البيِّنَة) .
أي ما اختلفوا في نبوءة نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم إلَاّ مِنْ بعد ما علموا أنه حق.
ويحتمل أنْ يريد تفرّقَهم في دينهم، كقوله:(ولقد آتينا موسى الكتاب فاخْتُلِف فيه) .
وإنما خصّ الذين أُوتوا الكتاب بالذكر هنا بعد ذكرهم
مع غيرهم في أول السورة، لأنهم كانوا يعلمون صحةَ نبوءةِ نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بما يجدون في كتبهم من ذكره.
(ما أمِرُوا) :
معناه ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بعبادة الله، ولكنهم حرّفوا وبدّلوا.
ويحتمل أن يكون المعنى ما أمروا في القرآن إلا بعبادة الله، فلأي شيء ينكرونه ويكفرون به.
(مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّة خَيْراً يرَهْ) :
المثقال: هو الوزن.
والذرة: النملة الصغيرة.
والرؤية هنا ليست برؤية بصر، وإنما هي عبارة عن الجزاء.
وذكر الله مثقال الذرة تنبيهاً على ما هو أكثر منه من طريق الأولى، كأنه
قال: مَنْ يعمَلْ قليلاً أو كئيراً.
وهذه الآية هي في المؤمنين،
لأن الكافر لا يجازَى في الآخرة على حسناته، إذ لم تقبل منه.
واستدل أهل السنة بهذه الآية على أنه لا يخلد مؤمن في النار، لأنه لو خلّد لَمْ يَرَ ثَوَاباً على إيمانه، وعلى ما عمل من الحسنات.
وروي عن عائشة أنها تصدقت بحبّة عِنب، فقيل لها في ذلك، فقالت:
كم فيها من مثقال ذرة.
وسمع رجل هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " حسبي، لا أبالي ألَاّ أَسمع غيرها ".
(مَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شرًّا يَرَه) :
هذا على عمومه في حق الكفار.
وأما المؤمنون فلا يجزون بذنوبهم إلا بستّة شروط: وهي أن تكون
ذنوبهم كبار.
وأن يموتوا قبل التوبة منها.
وألا تكون لهم حسنات أرجح في الميزان منها.
وألاّ يشفع فيهم.
وألاّ يكونوا ممن استحق المغفرة بعمل كأهلِ
بَدْر، للحديث: لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال: "اعملوا ما شئْتم فقد غفرتُ لكم".
وألاّ يعفو الله عنهم، فإن المؤمن العاصي في مشيئة الله إن شاء عذّبه وإن
شاء غفر له.
(ما في القبور. وحصِّلَ ما في الصّدُور) :
عبارة عن البعث، وجَمْع ما في الصحف.
وأظهر محَصّلا، ومُيز خيره من شرّه.
(مَنْ ثَقلَتْ موازِينُه) :
هو جمع ميزان، أو جمع موزون.
وميزان الأعمال يوم القيامة له لسانٌ وكفَّتان وعمود، وتوزَن فيه الأعمال.
والخفة والثقل متعلقة بأجسام، إما صحف الأعمال أو ما شاء الله.
وقالت المعتزلة: الميزان عبارة عن العدل في الجزاء.
فإن قلت: يفهم من قوله: (ونَضَع الموازين) - أنها جماعة لكل أحد ميزان، فإن كان فلا إشكال، وإن كان واحداً فما معنى الجمع؟
فالجواب أنه صحّ أنه ميزان واحد، وإنما جمع لما فيه من كفَّتين ولسان
وعمود.
قال الغزالي والقرطبي: ولا يكون الميزان في حق كل أحد، فالسبعون ألفاً
الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يأخذون صحفاً، ولا يرفع لهم ميزان.
وروي الترمذي - وحسّنه - حديث: "يُصاح برجل من أمتي على رؤوس
الخلائق، ويُنشْر عليه تسعة وتسعون سجلاّ، كلّ سجل مثل مَدِّ البصر، ثم يقول: أتنكر مِنْ هذا شيئاً، أظلمك كتبتي الحافظون، فيقول: لا، يا رب، فيقول: ألكَ عذْر، فيقول: لا، يا رب.
فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنك لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فيقول: احضر وزنك.
فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلاتُ في كفّة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء".
فانظر يا أخي عظيم فضل الإقرار، وقبْح الإنكار فيمن أنكر أفعاله، حتى
تشهدَ عليه جوَارِحه، اللهم إنا مقِرّون بأنا مطيعون عدوَّك إبليس الذي أبْلَسْته من عدم طاعته لأبينا آدم، ولا حيلة لنا بالفرار مع غوايته إلا بتوفيقك، فثبّتْنَا على عصيانه هنا ويوم الوقوف بين يديك، فإنك تعلم أنَّا لا نعصيك لجهلنا بمعصيتك، ولا نتعرض لعقوبتك، وإنما جهلنا قَدْرَك، فمن ينقذنا من عقوبتك إن عاقبتنا، ومَنْ يوصلنا لرحمتك إن قطعتنا؟ وبحبل من نعتصِم إن طردتنا وأخجلتنا من الوقوف بين يديك، إذ ليس لنا حجة تجاهد عنا في رحمتك التي أعدَدْتها لعصاة عبادة، وقد بلَغنا عنك أنك تقول لعبد من عبادك: فأي الأمرين أحبّ إليك أن أجزيك بعملك أو بنعمتي عليك، فيقول: يا رب، أنت تعلم أني لم أعصك.
فتقول: خذوا عبدي بنعمةٍ من نعمي، فما تبقى له حسنة إلا استفرغتها تلك النعمة.
فيقول: يا رب، بنعمتك ورحمتك، هذا حال من لم يعصك يتعلق برحمتك، فكيف حال مَنْ لا يجد في صحيفته حسنةً، لكن جودك يعمّ المفاليس.
قال بعض المحبين: رأيت أبي يزيد بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟
فقال: أوقفني بين يديه، وقال: بأي عمل قدمت إلى حضرتي، وبأي وسيلة
توسلْتَ إلى رحمتي، فكلما ذكرتُ شيئاً في طاعته قابلني بجزء من نعمته، حتى
اضمحلّت أعمالي، وفنيت أقوالي، وعظمت حَيْرتي، واشتدت كرْبتي، فقلت: يا رب، جئتك بك إليك، فنادتني الملائكة من سائر جهات العرش: الآن وصلت.
هذا حال أبي يزيد الذي ترك ما يريد لما يريد، فكيف حال مَنْ خالف أمرَ
مولاه في كل ما يريد.
وقال بعضهم: رأيتُ سفيان الثوري بعد موته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟
فقال: أوقفني بين يديه، فرأيت ذلَّ العبودية، وعِزَّةَ الربوبية، فليتني لم
أبرح.
ثم أمر بي إلى الجنة.
فأقبلت أمشي بين أنهارها وأشجارها لا أسمع حِسّاً
ولا أرى شخصاً، فإذا النداء: يا سفيان.
قلت: لبيك! لبيك! فقال: هل كنت
إلاّ عبدا في الدنيا تؤثرنا على مَنْ سِوَانا، فقلت: أنت أعلم يا ربّ.
فلم أزَلْ أمشي حتى استوحشتني الحورُ العين.
فإن قلت: ما معنى هذا الوقوف وهذا الحساب هنا، وإنما يكون في الدار
الآخرة؟
فالجواب: هذا هو العرض الذي يُعرض فيه العبد على ربه بعد مفارقة
جسده، وحينئذ يبدو له منزله، وما أعدّ الله له، يشهد لذلك الحديث لعائشة:"ذلك العرض، ومَنْ نوقش الحساب عُذّب".
والكلام هنا طويل، ليس هذا محل بسطه.
(مَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) :
هذا من كلام الجن الذين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشِّعَاب، فقلنا: استطير واغتيل، فبتنا بِشَرِّ ليلة باتها قوم، فقلنا له: يا رسول الله، ما الذي أصابك، فقال: أتاني جاءٍ من الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، فقال: انطلقوا بنا، فإذا آثار نيرانهم، وسألوا الزاد فقال: لكم