الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: هو المعقود بالرصاص، ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظة، وفيها إشارةٌ إلى الثبات في القتال والجِدّ فيه.
(مثَل الذين حُمِّلوا التوراةَ)
.
أي كلِّفوا العمل بها والقيام بأوامرها ونواهيها، فلما لم يطيقوا أمْرَها ولم يعملوا بها شبّههم الله بالحمار الذي يحمل الأسفار على ظهره، ولا يدري ما فيها، وهم أيضاً حملوا التوراة ولم يحملوها، لأنها تنطِقُ بنبوءة نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن قرأها ولم يؤمِنْ بها
فقد خالف التوراة.
(ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التجارة) :
سبب هذه الآية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً يخطب على منبره يوم الجمعةْ، فأقبلت عِير من الشام
بطعام وصاحِبُ أمرها دحية بن خليفة الكلبي، وكانت عادتهم أن تدخل العِير
المدينةَ بالطبل والصياح سروراً بها، فلما دخلت العير كذلك انفضَّ أهلُ المسجد إليها، وتركوه صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، ولم يَبْقَ معه إلا اثنا عشر رجلا.
قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم، وذكر بعضهم أن منهم العشرة المشهود لهم بالجنة.
واختلف في الثاني عشر فقيل عبد الله بن مسعود.
وقيل عَمّار بن ياسر، وقيل: إنما بقي معه صلى الله عليه وسلم ثمانية.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لولا هؤلاء لقد كانت
الحجارة مسوَّمةً في السماء على الناقضين ".
فإن قلت: ما بالُ الصحابة الموصوفين بالصلاح والعفاف يُهرعون للعِير
ويَدَعون أشرفَ الخلق على منبره يعظُهم ويذكرهم؟
فالجواب أنَّ ذلك منهم كان عند هجرته صلى الله عليه وسلم إليهم، ولم يوقر الإيمان في صدورهم، وكانت مَسْغَبة عظيمة، ولهم عيالٌ يطلبونهم، فلكثرة فرحهم بسرور عيالهم وعلمهم بحسن خلق نبيهم وأنه بعثه الله رحمةً لهم وميسِّراً لدينهم، خرجوا لنظر العير، هل أتى بطعام كثير يفرحون بهم أهاليهم، ولأنهم كانوا قد صلّوا
معه صلى الله عليه وسلم الصلاة المفروضة، وظنهم أنَّ الخطبة ليست من شرط الصلاة، وأنهم سيرجعون إليه صلى الله عليه وسلم بعد نظرهم، وإلَاّ لو علموا وجوبَ ذلك عليهم لآثروه على
أنفسهم وأولادهم، ألم تسمع إلى قولهم - في غَزْوَة بدر لما استشارهم صلى الله عليه وسلم في القتال: نحن أسيافك القاطعة، ودروعك المانعة، إنْ خُضْتَ بحراً خضناه معك، وإن قاتلت ندفع عنك، ولسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهَبْ أنْتَ ورَبّك فقَاتِلا، ولكن نقول لك: اذهَبْ أنْتَ وربك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون.
فإن قلت: لِمَ قال: (انفضّوا إليها) - بضمير الفرد، وقد
ذكر التجارة واللهو؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنه أراد انفضّوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة، ثم حذف أحدهما
لدلالة الآخر عليه، قاله الزمخشري.
والآخر: أنه قال ذلك تهمُّماً بالتجارة، إذ كانت أهَمَّ، وكانت هي سبب
اللهو، ولم يكن اللهو سببها، قاله ابن عطية.
فإن قلت: لم قدّم في هذه الآية اللهو على التجارة، وقدم التجارة قبل هذا
على اللهو؟
فالجواب أنَّ كلّ واحدٍ من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه، وذلك أنَّ
العرب تارة يبدأون بالأكثر، ثم ينزلون إلى الأقل، كقولك: فلان يخون في
الكثير والقليل، فبدأت بالكثير، ثم أردفت عليه القليل، وهي دونه.
وتارة يبدأون بالأقل، ثم يرتَقُون إلى الأكثر، كقولك: فلان أمين على القليل والكثير، فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الكثير.
ولو عكس في كل واحد من المثالين لم يكن حسناً، فإنك لو قدمت في الخيانة ذكر القليل لعلم أنه يخون في الكثير من باب أحرى وأولى، ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة، وكذلك قوله:(إذا رَأوْا تجارة أو لَهْوا انفضّوا إليها) - قدم التجارة هنا ليبيِّن أنهم ينفضّون إليها من باب
أولى، انفضاضهم إلى اللهو الذي هو دونها.