الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليخرجوا منها لقَتْله بالليل، فوقعت عليهم صخرة أهلكتهم، ثم هلك قومهم
بالصَيْحَة، ولم يعلم بعضهم بهلاك بعض، ونجا صالح ومن آمن به.
فإن قلت: عذَّب الله من قتل الناقة ولم يعذب من قتل الحسين؟
فالجواب كانت الناقة سببَ الفتنة لقوم صالح، لأنهم طلبوها، وعادة الله
سبحانه هلاكهم من طلب آية ولم يؤمن العذاب.
والحسين وَلد مَنْ أرسل رحمة للعالمين، وفي ذلك الزمان كانت أبواب العذابِ مفتوحةً، وفي زمان الحسين مغلوقة، ألا ترى أن قوم صالح لم ينْفَعْهم الندم على قتلها، وهذه الأمّة مرحومة بمن هو رحمة للعالمين، اللهم كما أرسلته لنا رحمة، فرفعتَ به العذاب عن جميع الخلائق، لا تحرمنا منها، أقسمت عليك بجاهه عندك، فإنه قال: إذا سألتم اللَه فاسألوه بجاهي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون صلاة وسلاماً دائمين بدوامك باقيين ببقائك، لا منتهى لهما دون علمك، إنك على كل شيء قدير.
(مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) :
سبب نزول هذه الآية أنَّ قريشاً سألوه صلى الله عليه وسلم متى الساعة، فأخبره الله بعدم علمها، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: مَنْ زعم أنَّ محمداً يعلم الغيب فقد أعظم الفِرْية على الله.
فإن قلت: قد أخبر بكثير من المغيّبات، فوقعت على حسب ما أخبر به.
وذلك معدود في معجزاته؟
والجواب أنه صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك بقوله، إني لا أعلم الغيب إلا ما علمني الله، اقرؤوا إن شئتم:(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) .
فإن قلت: قد ظهر من أخبار الكهّان والمنجمين ما وقع وصدقهم؟
والجواب أن إخبارهم بذلك عن ظن ضعيف، أو عن وَهْم، لا عن علم،
ولا يجب تصديقهم، لأن الآية نَفَتْ علمهم، وإنما يجب علينا تصديق الرسل، لأنه علم إلهي.
وقيل: إن الغيب في هذه الآية يراد به متى تقوم الساعة.
ولذلك قال: (وما يَشْعرونَ أيَّانَ ئبْعَثون) .
وقد قدمنا في النحل من هذا المعنى.
ورضي الله عن بعض العلماء لما دخل على بعض الملوك ووجده متحيّراً، فقال له: مالك، فقال له الأمير: رأيت البارحة ملك الموت في المنام، وسألته: كم بقي من عمري، فأشار لي بأصابعه الخمس، ولا أدري هل هي خمس ساعات أو أيام أو جمعات أو أشهر أو سنين، فقال له: إنما أشار لك بالخمس إلى الحديث في: "خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: إنَّ الله عنده علم الساعة) .
فهدأ روعه.
وإذا كان ملك الموت الموكل بقبض الأرواح لا يدري عمر العبد حتى يؤمر
بقبض روحه، فما بالك بمن افترى على الله، ورحم الله القائل:
لعمرك ما تَدْرِي الضَّوَارِبِ بالحصا
…
ولا زاجراتُ الطير ما اللَّهُ صانِع
فإن قلت: كيف قال: (إلا اللَّهُ) بالرفع على البدل، والبدل لا يصح إلا إذا
كان الاستثناء متصلاً، ويكون ما بعد إلا من جنس ما قبلها، والله تعالى ليس
ممّن في السماوات والأرض باتفاق، فإن القائلين بالجهة والمكان يقولون: إنه فوق السماوات والأرض، والقائلين بنفي الجهة يقولون: إنه تعالى لا فيهما ولا داخلا فيهما ولا خارجاً عنهما، فهو على هذا استثناء منقطع، فكان يجب أن يكون منصوباً؟
فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: أن البدل هنا جاء على لغة بني تميم في البدل، وإن كان منقطعاً.
كقولهم: ما في الدار أحد إلا حمار بالرفع، والحمار ليس من الأحدين، وهذا
ضعيف، لأن القرآن نزل بلغة أهل الحجاز لا بلغة بني تميم.
والثاني: أن الله تعالى في السماوات والأرض بعلمه.
، كما قال تعالى:(وهو معكم أيْنَ ما كنتم) ، فجاء البدل على هذا المعنى للظرفية