الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة، قال: لما أخذ موسى الألواح قال: يا رب.
إني أجِد في الألواح أمَّة أناجِيلُهم في صدورهم، فاجعلهم أمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
ففي هذين الأثرين تسمية القرآن توراة وإنجيلاً.
ومع هذا لا يجوز الآن أن يطلق عليه ذلك.
وهذا كما سميت التوراة فرقاناً في قوله: (وإذ آتيْتَا موسى الكتابَ والفرقان)، وسمى صلى الله عليه وسلم الزبور قرآناً في قوله: خفَّف
على داود القرآن.
(مَدَّ الأرض) :
يقتضي أنها بسيطة لا كرة، وهو ظاهر الشريعة، وقد يرتب لفظ المد والبسط مع التكوير، لأن كل قطعة من الأرض
ممدودة على حدتها، وإنما التكوير لجملة الأرض.
وقال الشيخ عبد الخالق:
وكنت أسمع من الشيوخ أن في الأرض خمسة أقوال: قيل كروية.
وقيل بسيطة.
وقيل: إنها شبه مكب.
وقيل بمنزلة - حَمِيلة السيف الذي يتقلد به، وإنها شبه
حلقة محيطة بهذا العالم، كإحاطة الحميلة.
وقيل شبه سمكة.
ومن أجل ذلك وضعوا الاصطرلاب الحوتي الجنوبي.
قال: والصحيح عندهم أنها كورية، وأن السماء كورية.
وقال ابن عرفة: استدلّ بعضهم بهذه الآية على أنَّ الأرض بسيطة ولا دليل
له في ذلك، لأن إقليدس الهندسي قال الكرة الحقيقية لا يمكن إقامة الزوايا
والخطوط عليها بوجه، ونحن نجد الأرض تقام عليها الخطوط وغير ذلك.
ونراها مستوية، وذلك من أدل دليل على أنها وإن كانت كروية فليست كالكرة الحقيقية، بل أعلاها مستو كبعض الكُوَر التي أعلاها يكون بسيطاً مستوياً.
(مَثلَات) :
جمع مثلة، على وزن سمرة، وهي العقوبةُ العظيمة
التي تجعل الإنسان يضرب به المثل، ولذلك وقعت الأمثال في القرآن، لأنه بالمثال يتبين الحال، أفلا يخاف الإنسان أن يحل به ما حل بمن قبله إذا فعل مثل فعله.
(من أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهر به) :
المعنى أن الله يسمع كل شيء، فالجهر والإسرار عنده سواء، ولذلك أتى به بعد قوله:(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) .
فإن قلت: قوله تغيض الأرحام قرينة في الخصوص؟
فالجواب أنَّ الفخر والآمدي قالا: إن العامَّ إذا عقب بصنف من أصنافه
فمذهب مالك والشافعي بقاؤه على عمومه.
وقال الثوري: هو مقصور على ذلك الصنف، فقوله: (وما تغيض
الأرحام) - وإن كان لا يصدق إلا من الآدميات لا يخصِّصه.
وذكر المؤرخون أنه كان في بلد " سَلَا " عشرة ملوك ولِدوا من بطن واحدة.
قال ابن عطية: وقع لمالك ما يدلُّ على أنَّ الحامل عنده لا تحيض.
ومذهب ابن القاسم أنها تحيض.
قيل لابن عرفة: يلزم من قولكم إنها تحيض ألا يكون
الحيض دليلاً على براءة الرَّحم، فكيف جعلتموه دليلاً على براءة الرحم في العدّة والاستبراء، فقال: إنما حكمنا بالمظنة.
فقلنا: هو مظنة لبراءة الرحم، فتخلفه في بعض الأحيان لا يقدح، كما أن الغَيْمَ وزمن الشتاء مظنّة لنزول المطر.
وقد يتخلَّف.
فإن قلت: لم قدم النقص على الزيادة؟
فالجواب لأن الأصل عدم الزيادة.
فإن قلت: (سواء) ، مصدر في الأصل، وهو خبر عن قوله:
مَنْ أسَّر القول، والمصادر لا تكون أخباراً عن الجثة، فهل هو كقولك: زيد
عدل.
قال الكوفيون: أي ذو عدل، وجعله البصريون نفس العدالة مبالغة
ومجازاً.
والجواب أنه ليس مثله، وإنما جاز الإخبار هنا لأنّه ليس خبراً عن الذات.
بل عن المجموع.
قيل لابن عرفة: هلَاّ قال سواءٌ عنده ولم يقل منكم، ليعمَّ
الكلام الإنسان والجن.
بل ذكر الجن كان يكون أوْلى، لأنهم أجهل وأشد مكراً
واختفاء، أو الشياطين منهم.
فقال: الجن أجسام لطيفة والإناء اللطيف الشفاف
يُرَى ما في باطنه من ظاهره بخلاف الناس، فإن أجسامهم كثيفة، فكان العلم بما في قلوبهم أبلغ، فلذلك ذكرهم ليدل ذلك على العلم بأسرار الجن من باب أحْرى.
(مسْتَخْفٍ بالليْلِ وسَارِبٌ بالنهار) .:
المسْتَخْفِي بالليل هو الذي لا يظهر.
والسارب: المنصرف في سَرْبه - بفتح السين، وقصد في هذه
الآية التسوية بينهما في اطِّلَاع الله عليهما مع تَبَاين حالهما.
وقيل: إنهما صفتان لموصوف واحد، يستخفي بالليل ويظهر بالنهار.
ويعضد هذا كونه قال: وسارب بالنهار - بعطفه عطف الصفات، ولم يقل ومَنْ هو ساربٌ بتكرار مَنْ، كما قال:(من أسَّر القول ومَنْ جهر به) ، إلا أنَّ جعلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به، فيكمل التقسيم إلى أربعة.
وعلى هذا يكون قوله: (وسَارِبٌ) عطف على قوله: مَنْ هو مستَخْفٍ، لا على مستخف وَحْدَه.
(معَقَبَاتٌ مِنْ بيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفه) :
أي جماعات تعتقب في حفظه وكلاءته.
وقيل: أذكار وتسبيحات ودعوات.
وردَّه ابن عرفة بأن المجموع بالألف والتاء إذا كان مكسرا يشترط فيه العقل إذا لم تكسِّرْه الرب كجماعات، ولهذا حكى الزمخشريّ فيه معاقيب.
فإن قلت: الوارد في الحديث أن الحفظة مَلك عن اليمين وملك عن الشمال
فكيف قال: من بين يديه ومن خلفه؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أن من لابتداء الغاية، فينزلون من أمامه ومن خلفه لعمارة يمينه
وشماله بالحفظة الأول، ثم تصعد الحفظة الأوَل ويستقرّون هم عن يمينه وشماله.
الثاني: أن الضرر اللاحق للإنسان من أمامه وخلفه أصعب عليه وأشقُّ، فما
هو من أمامه يأتيه مصادرة وإليه يهرب.
ألا ترى قوله تعالى:
(قل إنَّ الْمَوْتَ الذي تَفِرّونَ منه فإنّه ملَاقِيكم) .
وما هو من خلفه يأتيه من حيث لا يشعر فحِفْظُ هاتين الجهتين آكد من غيرهما.
فإن قلت: هل هؤلاء المعقّبات للجنّ والإنس أو للإنْس خاصة؟
فالجواب أن الضمير يعود على من أسرَّ القولَ ومَنْ جهر، ومن استَخْفَى وظهر، يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم واستغفارهم.
(مَنْ في السماواتِ والأرْض) :
لا تقع (مَنْ) إلَّا عَلَى مَنْ يعقل، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن.
(ما لهم مِن دونه مِنْ وَال) :
أي من شفيع في رفع العذاب عنهم، فهو تأسيس.
وقوله: (فلا مردّ له) ، أي لا دافع عنه
ابتداء قبل وقوعه بهم، ولا ناصر لهم يرفعه عنهم بعد وقوعه.
(مَنْ رَبّ السماواتِ والأرض) :
أمره الله أن يقول لهم هذا القول، لأنهم لا يجدون بدًّا من قولهم: الله، كما قال تعالى:(ولئن سألْتَهُمْ مَن خلقهم ليقولُنَّ الله)، ولذا حصل تبْكِيتهم بقوله تعالى:(قل أفاتَّخَذْتم مِن دونِه أوْلياءَ) .
والمعطوف عليه مقدَّر، أي كفَرْتم فاتخذتم.
فإن قلت: لِمَ قال من دونه، وهم اتخذوهم شركاء مع الله؟
والجواب: إنا إن نظرنا إلى نفس اتخاذهم وليًّا وناصراً بالنوع فلا شك أنهم
شركاء في وصف النصرة والولاية بين الله وغيره، وإن نظرنا إلى اتخاذهم وليّا
وناصرا بالشخص فلا شك أن هذا لا يصحّ فيه الشركة.
وقد ذكر ابن التلمساني في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة أن الواحد
بالشخص لا يصح انقسامه إلى مأمور ومنهيّ، والواحد بالجنس أو النوع يصح فيه ذلك.
ومثّلَه بالسجود للهِ والسجود للصنم.
فإن قلت: لِمَ قدم المجرور على أولياء، والأصلُ تقديم المرفوع ثم المنصوب ثم
المجرور؟
والجواب لأنه أضِيفَ إلى ضمير الله.
فإن قلت: لم قال: (أولياء) ، ولم يقل أرباباً؟
والجواب أن الأولياء أعمُّ من الأرباب، لأن الولي والناصر قد يكون ربًّا وقد لا يكون، فهم وُبِّخوا على الوصف الأعم، وهو طلبهم النصرة من غير الله، فيلزم منه الذمّ على الوصف الأخص، وهو اتخاذهم أرباباً من دون الله من باب أحرى.
ولو قال اتخذتم من دونه أرباباً لأفاد التوبيخ على هذا الوصف الأخص، لا على ما دونه، وهو مطلق النصرة "
(ماء فسالَتْ أودِيةٌ بِقَدَرِها فاحتمل السَّيْل زَبَداً رَابِيا) :
هذا مثل ضربه الله للحقّ وأهله، والباطل وحزبه، فمثل الحقً كالماء الذي ينزل من السماء فتَسِيل به الأوْدِية، وتنتفع به الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصُّفْر وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس.
وشبَّه الباطل في سرعة اضْمِحْلَالِه وزَواله بالزّبد.
الذي يرمي به السيْل وبزبد تلك المعادن التي يطفو
فوقها إذا اذيبت، وليس في الزَّبد منفعة، وليس له دوام.
وقال ابن العربي في قانون التأويل: ضربه الله مثلاً للحق والباطل، فإنه خلق
الماء لحياة الأبدان، كما أنزل القرآن لحياة القلوب، وضرب امتلاء الأودية بالماء مثالاً لامتلاء القلوب بالعلم، وضرب الأودية الجامعة للماء مثالاً للقلوب الجامعة للعلم.
وضرب قدر الأودية في احتمال الماء، بسعتها وضيقها، وصغرها وكبرها.
مثالاً لقَدْرِ القلوب في انشراحها وضيقها.
بالحرج، وضرب حمل السيلِ الحصيدَ والهشيم، وما يجري به ويدفعه مثلا لما يدفعه القرآن من الجهالة والزَّيْغ والشكوك
ووَساوِس الشيطان، وضرب استقرار الماء ومكثَه لانتفاع الناس به في السَّقْيِ
والزراعة مثلاً لمكث العلم واستقراره في القلوب للانتفاع به.
قال: هذا المثل الأول.
وأما الثاني فضرب المثل فما يوقد عليه النار بما في
القرآن من فائدة العلم المنتَفع به كالانتفاع بالمتاع، وكما أن النار تميّز الخبيث في هذه من الطيّب، كذلك القرآن إذا عرضت عليه العلوم يميز النافع فيها من الضار.