الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مقْوِين) :
قد قدّمنا أنهم الذين لا زاد لهم.
والْمُقْوِي أيضا الكثير المال، لأنه من الأضداد.
(مدْهِنون) : يعني متهاونون، وأصله من المداهنة، وهي
لِينُ الجانبِ والموافقة بالظاهر لا بالباطن.
وقال ابن عباس: معناه مكذبون، وهذا خطاب للكفار، ومنه قوله:(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) .
ْ (مقَرّبين) : المراد بهم السابقون المذكورون في أول سورة
الواقعة في قوله: (والسابقون السابقون) .
(مسْتَخْلَفين) : يعني في الإنفاق في سبيل الله وطاعته.
رُوِي أنها نزلت في الإنفاق في غَزْوة تَبوك، وعلى هذا روي أن قوله:
(فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) .
نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإنه جهَّز جيش العسْرة.
ولفظ الآية مع ذلك عام، وحكمها باق لجميع الناس.
وقوله: (مسْتَخْلَفين فيه) - يعني أنَّ الأموالَ التي بأيديكم إنما هي أموال
الله، لأنه خلقها، ولكنه متَّعكم بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه.
ويحتمل أَنه جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم، فورثتم عنهم الأموال.
فأنفقوها قبل أن تخلّفوها لمن بعدكم، كما خلّفها لكم مَنْ كان قبلكم.
والمقصود على كل وجه التحريض على الإنفاق، والتزهيد في الدنيا.
قال في قوت القلوب: وقد مثّل بعض الحكماء ابْنَ آدم بدود القزِّ، لا يزال
ينسج على نفسه بجهله حتى لا يكون له مَخْلص، ويقتل نفسه، ويصير القزُّ
لغيره، وربما قتلوه إذا فرغ من نسجه، لأن المقز يلتفّ عليه فيروم الخروج منه فيشمس، وربما غمز بالأيدي حتى يموت، لئلا يقطع القز، ويخرج القزّ
صحيحاً، فهذه صورة لمكسب الجاهل الذي يترك أهله وماله، فينعم ورثته بما يَشْقَى به، فإنْ أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه.
وإنْ عصوا به كان شريكَهم في المعصية، لأنه أكسبهم إياها به، فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم:
إذهابه عمره لغيره، أو نظره إلى ماله في ميزان غيره، وأشار إلى ذلك أبو
الفتوح السّني:
ألم تر أن المرءَ طول حياته
…
معنًّى بأمْر لا يزال يعَالِجه
كذلك دود القَزّ ينسج دائماً
…
ويهلك غمّاً وسْط ما هو ناسجه
وقال آخر:
يُفْنِي الحريصُ بجمْعِ المال مدتَه
…
وللحوادث ما يبقى وما يَدعُ
كدودة القز ما تبنيه يهْلِكها
…
وغيره بالذي تبنيه ينتفِعُ
وبالجملة فإن اللَهَ أعطاكَ أربعة أشياء: أولها اللسان، وكلّفك منه الذِّكْر له.
والقولَ الحسن لخَلْقه، قال تعالى:(اذكروا الله) .
(وقولوا للناسِ حُسْناً) .
والقلب وكلفك منه محبةَ اللَهِ ومحبة المؤمنين، قال تعالى: (والذين آمَنوا أشَدّ
حبّاً للَهِ) ، أي من الصنم.
وقال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) .
فإن قلت: من أين يُعرف أن المؤمن يحبّ الله أكثر من الكافر، والكافر يقتل
نَفْسه لمعبوده، والمؤمن لا يفعل ذلك؟
فالجواب أنَّ الكافر إذا أصابته شدّةٌ تبرّأ من معبوده، قال تعالى:(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) .
وقال: (أغَيْرَ اللهِ تَدْعون) .
والمؤمن لا يعرض عن الله بالشدائد والمحن، قال تعالى:(ولنَبْلوَنكم) .
والكافر يتبرّا من معبوده يوم القيامة، قال تعالى:(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) .
(وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) .
والمؤمن لا يتبرأ من معبوده.
ومحبة الكافر بعد الرؤية، ومحبة المؤمن قبل الرؤية.
ومحبة الكافر من جانب واحد
وهو من نفسه ليس لمعبوده منه محبّة، ومحبة المؤمنين من الجانبين، لقوله:(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) .
والكافر أظهر المحبةَ لمعبوده بقربان نفسه، والمؤمن كتم في نفسه، بل
نهاه معبوده عن قَتْلها، قال تعالى: (ولا تَقْتلوا أنْفُسكم إنَّ اللهَ كان بِكُمْ
رَحيما) .
وكيف يقتل نفسه وهي ماله، قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) .
وأيضاً لو قتل المؤمن نفسه لأجل معبوده - لأن له عنده خطراً عظيما - قال
بعض العارفين رفع الله القسمة بينه وبين العارفين، فكان للعارف اثنان: المعرفة والشهادة، ذكرهما لنفسه في قوله تعالى:(شَهد الله)
…
الآية.
وقوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) ، ولله اثنان العزة والطاعة، قال تعالى:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) .
وقوله: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) .
فإن قلت: ما علامة حقيقة المحبة؟
فالجواب ما قاله بعض: ألَاّ ينظر إلى ما دونه، كما قال الأصمعي: كنْتُ
مارّاً في البادية، فاستقبلتني جارية كأنها علَم أو فلْقَة قَمَر، فنظرت إليها فقالت: لِمَ نَظَرْتَ إليّ، قلت: كلِّي بكلِّك مشغول فقالت: إنْ كان كما قلْت فكلِّي لكُلِّك مبذول، ولكن وراءك أحسن مني، فنظرت إلى خَلْفِي فلطمتني لطمة كادت تذْهب بصري، فقلت: ما هذا، قالت: ظننتُ أنك عارف، فلما نظرتَ إليّ رأيتك عاشقاً، والآن لست بعارف ولا عاشق، ثم ولَّتْ عني وهي تقول:
حبّك في القفار شدَّدني
…
ثمرات من الحبّ أوّاه
خَوْف القطيعة أزعجني
…
فآهٍ من الخوف ثم آه
وفي بعض الكتب: كذب من ادَّعى محبَّتي ثم يجد لذة الطعام والشراب.
كذب من ادعى محبَّتي فإذا جنَّ الليل نام عني.
كذب من ادَّعى محبتي ثم خطر بباله غيري.
وأعطاك اللَّهُ المال، وطلب منك القَرْض والصدقة، وطلب من
نفسك العبادة والمعونة لخلقه، قال تعالى:(وتَعَاوَنوا على البِرِّ والتقوى) .
(الْمصَّدّقين والْمصَّدِّقات) :
بتشديد الصاد، من الصدقة،