الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طف على النجاة الأولى التي أراد بها النجاة من الريح.
ويحتمل أن يُريد بالثاني أيضاً الريح، وكرّره إعلاما بأنه عذاب غليظ، وتعديد النعمة في نجاتهم.
(عَصَوْا رسلَه) :
في جمع الرسل هنا وجهان:
أحدهما: أن مَن عصى رسولاً واحدا لزمه عِصْيان الجميع، فإنهم متفقون
على الإيمان بالله تعالى وعلى توحيده.
والثاني: أن يراد الجنس، كما قدمنا.
وانظر كيف شنَع كفْرَهم، وهَوّل على فعلهم بحرف التنبيه وبتكرار أسمائهم.
(عَصِيب) : شديد.
(عَالِيها سَافِلَها:
الضمائر لمدائن قوم لوط، واسمها سدوم.
يقال: أحور من قطاة سَدوم.
روي أن جبريل أدخل جناحَه تحت مدائنهم واقتلعها فرفعها حتى سمع أهل
السماء صراخَ الديكة ونباح الكلاب، ثم أرسلها مقلوبة.
(عليها حجارة مِن سِجِّيل) : أي على المدائن.
والمراد أهلها ومَنْ كان خارجاً منها.
وأما من كان فيها فقد هلك بقلْبها.
(على العرش) ، أي على سرير الملك، يعني أنَّ يوسف
رفع أبويه على العرش وخَرّوا سجداً، لأنه كان تحية السلام عندهم السجود، وإنما سمى خالته أمّاً لأن العرب تسمِّيها أمًّا وكان يعقوب تزوّجها من بعد وفاة أم يوسف.
والإشارة فيه أن يعقوب لما تغرّب من كنعان جعل حِجْر يوسف مأواه.
والرسول صلى الله عليه وسلم لما تغرّب من أبويه جعل حجر أبي طالب مأواه.
وأنت يا محمديّ إذا تغربت في الدنيا، وجعلت الآخرةَ منزلك جعل الله الجنة مَأواك، قال تعالى:(فإنّ الجنةَ هي المأوى) .
(عَمْر) ، وعُمْر، بالجزم والضم واحد، وهو الحياة، ومنه:(لعَمْرك) ، ولا يكون في القَسم إلا مفتوحاً.
(عَبر) : يعبر: له معنيان: من عبارة الرؤيا، ومنه:(إن كنتم للرؤْيا تَغبرون) .
ومن الجواز على الموضع.
ومنه: (عابري سَبيل) .
(عَمِين) ، وعَمون، جمع علم، وهو صفة
على وزن فَعِل، بكسر العين، من العمى في البصر، أو في البصيرة.
(عَمَدٍ تَرَوْنَها) :
اختلف العلماء: هل للسماء أعمدة تروتها.
فالقائل بها قال: لها جبل قاف، وهذا القائل يجعل الضمير في ترونها عائد على العَمَد، فيكون المعنى أنها مرفوعة بغير عمد مرئي.
وهذا لا يصح.
والصواب مذهب الجمهور أنها مرفوعة بغير عَمد.
واستدل به ابنُ عبد السلام على أنَّ السماءَ بسيطة، إذ لو كانت كورية لما احتيج إلى قوله:(بغير عمد) ، لأن الكورية مرفوعة بعمد يعتمد بعضها على بعض) .
ابن عرفة: وهذا لا حجة فيه، لأنَّ الناس لا يعرفون ولا يقطعون بكونها كورية أو بسيطة، وإنما يصحّ هذا لو كانوا يقطعون بأحد الأمرين، فيقال لهم:(بغير عمَد) ليفهم كمالُ القدرة.
ورُوي أن ذا القَرْنَين لما وصل إلى جبل قاف صعد عليه حتى ربط خَيْله
بجانب السماء، وهذا يحتاج لنَقْل صحيح.
(عد)، بغير ألف: من العدد، وأعد بالألف: يَسَّرَ الشيء وهيّأه.
(عَضُدا) : أعوانا.
(عَرَضْنا جهنَّم) ، أي أظهرناها حتى رآها الكفار.
(عَنَتِ الوجوه) ، أي ذلّت وخضعت، وكيف لا تخضع
وتذل، والأنبياء يومئذٍ يقولون: نَفْسي نَفْسي، لا أسألك غيرها!.
واعلم أنَّ الله ذكر الوجوه في القرآن على سبعة أوصاف، ورتّب وجوه الكفار في الآخرة على سبع: وَجه التسليم: (أسْلَمْتُ وَجْهي) .
ووَجْه العبرة: (على وَجْهِ أبي) .
ووجه الرضا والتفويض: (قد نَرَى تقلُّبَ وَجْهك) .
ووجه العبادة: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) .
ووجه الإقبال والطاعة: (فوَلوا وجوهَكم شَطْره) .
ووجه الإخلاص: (وجَّهْتُ وَجْهي) .
ووجه الطهارة: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) .
وأما وجوه الكفار فذكر لها سبعة ألوان من العذاب: (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) .
(يضربون وجوههم وأدبارهم) .
(فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) .
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ) .
(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) .
(وجوه يومئذٍ عليها غَبَرة) .
(فأما الذين اسوَدَّتْ وجوههم) .
فإياك أيها الأخ أن يكون وجْهك أحدَ هذه الوجوه، واحرص على أن يكون
من الوجوه السبعة الذين ذكرهم الله في الآخرة، قال تعالى: (تعرف في
وجوههم نَضْرةَ النَّعيم) .
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) .
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) .
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) .
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) .
اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كلَّ شيء رحمة وعلما.
(عَزْما) : رأياً مَعْزوما عليه.
(عَشِير) : صاحب.
(على عروشها) : قد قدمنا أن المراد به السقف حيثما وقع.
وعرش الله أعظم المخلوقات، ونسبة السماوات والأرض إليه كحلقة ملقاةٍ في فَلَاة من الأرض، ويحمله الأملاك على كواهلهم، ذاكرين الباقيات الصالحات، وإلا لعجزوا عنْ حَمْله.
(عَذاب يومٍ عَقِيم) : يعني يوم بَدْر.
ووصفه بالعقيم، لأنه
لا ليلة بعده ولا يوم، لأنهم يقْتَلون فيه.
وقيل هو يوم القيامة، والساعة مقدماته.
ويقوِّي ذلك قوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) .
ثم قسم الناسَ إلى أصحاب الجحيم وأصحاب السَّعِير.
(على أعْقَابكم تَنْكِصُون) ، أي ترجعون إلى وراء.
والضمير راجع إلى المترفين، وذلك عبارة عن إعراضهم عن الآيات، وهي
القرآن.
(عَنِ الصرَاطِ لنَاكِبُون) ، أي عادلون.
ويحتمل أن يكون صراط الدنيا، وهو المقصود الموصّل إلى الصراط الحسي.
(عَدَد سنِين) : يعني في جوف الأرض أمواتاً.
وقيل أحياء في الدنيا.
ويقال ذلك لأهل النار على وَجْه الاستهزاء والسخرية، فيجيبون
بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، لاستقصار المدة، ولِمَا هم فيه من العذاب بحيث لا يعدّون شيئاً، فيقال لهم: اسأل (العَادِّين) .
ويعنون به مَنْ يقدر أن يعدّ، وهو من عُوفي مما ابْتلوا به، ويعنون الملائكة.
(عَبَثا) ، أي باطلا.
والمعنى إقامة حجة على الحشر للثواب والعقاب.
(عذابَهَا كان غَراماً) ، أي هلاكاً وخسراناً.
وقيل مُلازماً.
ويحتمل أن يكون هذا من كلامِ أهلِ النار، أو من كلام الله عز وجل.
(عَبَّدْتَ بني إسرائيل) ، أي ذَلّلتهم واتخذتهم عبيداً.
ومعنى هذا الكلام أنك عددت نعمةً عليَّ تعبيد بني إسرائيل، وليست في الحقيقة بنعمة، إنما هي نقمة، لأنك كنْتَ تذبح أبناءهم، فلذلك وصلتُ أنا إليك فربَّيْتَني، فالإشارةُ بقوله:(تلك) إلى التربية، و (أنْ عَبّدت) في
موضع رفْع عطف بيان على (تلك) ، أو في موضع نصب، على أنه مفعول من أجله.
وقيل معنى الكلام تربيتك نعمة عليَّ، لأنك عَبَّدْتَ بني إسرائيل.
وتركتني، ففي المعنى الأول إنكار لنعمته، وفي الثاني اعتراف بها.
(عَوْراتٍ لكم) : معنى العورة الانكشاف فيما يكره كَشْفه، ولذلك قيل عورة الإنسان، وهي ما بين السرة إلى الركبة، وضمير خطاب
الجمع يعود على جواز الانكشاف في غير هذه الأوقات الثلاثة، وهي قبل
الصبح، وحين القائلة وسط النهار، وبعد صلاة العشاء الآخرة.
وقد قدمنا في حرف الثاء أنَّ هذه الآية محكمة، وقول المستأذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الانصراف واحتجاجه: إن بيوتنَا عَوْرة - فمعناه منكشفة للعدوّ، وخالية، وقيل خالية للسراق، فكذَّبهم الله في ذلك بقوله:(إنْ يريدون إلا فرارًا) منك يا محمد.
(عَرَاء) : الأرض التي لا شجر فيها ولا ظلّ.
وقيل يعني الساحل.
(على شَرِيعةٍ من الأمْرِ) ، أي على ملّة ودين.
(عارضاً مستَقْبِلَ أوْدِيتهم) : قد قدمنا أن العارضَ السحاب، والضمير يعود على قوم عاد، فلما رأوْا هذا العارِضَ ظنّوا أنه مطر، ففرحوا به، فقال لهم هود:(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) - عموم يراد به الخصوص.
(عَرَّفها لهم) : الضمير يعود على أهل الجنة، يعني أَنّ الله عرفهم
منازلَهم فيها، فهو من المعرفة، ولذلك صح في الحديث: "إن أحدهم أعرف
بمنزله فيها من معرفته بمنزله في الدنيا".
وقيل: إن الله طيَّبها لهم، فهو من العَرْف، وهو طيب الرائحة.
وقيل معناه شرَّفَها ورفَعها، فهو من الأعراف التي هي الجبال.
(عاصف) : ريح شديدة.
والعَصْف ورق الزرع.
وقيل التبن والرَّيحان.
وقيل هو الريحان المعروف.
وقيل كل مشموم طيِّب الريح من النبات.
(عَبْقَرِيٍّ) :
منسوب إلى أرض يعمل فيها الوَشْي وهي خَبرة، وهو المدوح من الرجال والفرش.
وتزعم العرب أنه بلد الجان، فإذا أعجبها شيء نسبَتْه إليه.
والمعنى أن الله وصف طنافس أهل الجنة وزَرَابيهم ونسبها إلى عبقر.
وفي الحديث في نزع عمر: فلم أر عبقريًّا يَفْرِي فَرِيّه.
(عَتَتْ عن أَمْرِ رَبّها) ، أي تكبَّروا وتجبّروا.
والضمير يعود على القرية، والمراد أهلها، وكذلك:(فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) .
وهذا كلّه في الدنيا، لأنه قال بعده:(أعَدَّ اللَّهُ لهم عذاباً شديدًا) .
ولأن قوله: فحاسَبْنَاها وعذّبْنَاها - بلفظ الماضي، فهو حقيقة
فيما وقع، مجازٌ فيما لم يقع.
ومعنى (حَاسَبْنَاهَا) ، أي وأخذناهم بجميع ذنوبهم ولم يغتفر لهم شيء من صغائرها، والعذاب هو عقابهم في الدنيا.
والنُّكر هو الشديد الذي لم يُعْهَد مثله.
فاشكر الله يا محمديّ على أن عقوبتك إنما هي في الدنيا إذا لم تَتبْ من الذنب
ولم تستغفر - بالآلام والأمراض والأسقام، ولا يجمع عليك عقوبتين، وإن
استغفرت فتكتب لك حسنات.
(عَلَا في الأرْض)، يعلو: تكبَّر، ومنه:(قَوْماً عَالِين) .
والعليّ اسمُ الله، والمتعالي والأعلى من العلاء، بمعنى الجلَال والعظمة.
وقيل بمعنى التنزيه عما لا يليق به.
(عزب) الشيءُ: غاب.
ومنه: (وما يَعْزبُ عن رَبِّك) ، أي لا يخفى عنه.
(عبس وبَسَر) : البسور: تقطيب الوَجْهِ، وهو أشدّ من العبوس.
والمراد بهذا الوصف الوليد بن المغيرة لمّا حسد النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَدْرِ ما يقول فيه، وضاقت عليه الحيل عبس في وجهه، وقال لما قال له: إن قريشاً قد
أَبغضتك لمقَارَبتك لحمد، ففكّر في نفسه، وقال: أقول فيه قولاً يرضيهم.
فقال: أَقول في القرآن شعر، ما هو بشعر.
أقول كاهن، ما هو بكاهن.
أقول سحر، وإنه قول البشر غير منزل من عند الله.
(عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) .
أي حيث شاؤُوا من منازلهم تفجيرا سهلا، لا يَصْعب عليهم.
وفي الأثر: إن في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عيناً تتفخر إلى قصور الأنبياء والمؤمنين على قَدْر اتَباعهم له.
وكيف لا وهو مَنْبَعُ الخير الدنيوي والأخروي، وجميع علومهم متفجرة مِن
علْمِه صلى الله عليه وسلم، وهل نال جميع الموجودات من الخيرات إلا مِنْ فَيْضَ جودِه، أو هل خلق اللَّهُ الجنةَ إلَاّ من أجله، فيعطيها مَنْ شاء مِنْ خَلْقه.
و (عَيْناً) في الآية بدلٌ من كافور، على القول بأن الخمر تمزج بالكافور.
وبدل من موضع (كأس) على القول الآخر، كأنه قال: يشربون خمرا خَمْر عين.
وقيل: هو مفعول بـ (يشربون) .
وقيل منصوب بإضمار فعل.
قال ابن عطية: الباء زائدة، والمعنى يشربها.
مهذا ضعيف، لأن الباء تزاد في مواضع ليس هذا محلّها، وإنما هي كقولك: شربت الماء بالعسل، لأن العين المذكورة يمزج بها الكأس من الخمر.
فلتتأَملْ أَيها الناظر إلى وصفهم بالعبودية وإضافتهم إلى الوصف العظيم.
تعرف بذلك عظيمَ منزلتهم، ويشهد لذلك تشريف نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله:(سبحان الذي أسرى بعبده) ، ولم يقل بنبيّه، لأن العبودية أشرف التحلية.
وإذا تأملْتَ وصف العبودية في القرآن لا تجِدها إلَاّ لمَنْ يتصف بالطاعة.
كقوله: (وعِبَاد الرَّحْمنِ الَّذِين يمْشون على الأرض هَوْناً) .
فما أحسنها من إضافة من محبٍّ لمحبوب، مرةً أضافهم إلى الاسم العظيم، ومرة إلى الرحمة، وأعظم من هذا أنه أضاف العاصي إلى نفسه، بقوله:(يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) ، كي لا يقدر إبليس أن يسلبه منه