الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل أنه يمتّع كلّ أحد على قدر ما عنده، والموسع: الغنيّ.
والمقتر: الضيّق الحال.
(على نساء العالمين) :
هذا التفضيلُ لمريم ما عدا خديجة وفاطمة رضي الله عنهما، أو يكون على نساء زمانها.
وقيل: هذا الاصطفاء مخصوص بأنْ وُهب لها عيسى من غير أبٍ، فيكون (على نساء العالمين) عامًّا.
وقيل: إنها كانت نبيئة لتكيم الملائكة لها، قال بعض العلماء: إن عائشة أفضل من مريم، لأنَّ براءة مَريم كانت على لسان عيسى، وبراءة عائشة كانت بقول الله تعالى.
فالربّ الذي تولىّ براءتك وتطهيرك بقوله تعالى: (ولكن يريدُ ليطهِّركم) .
(التائبون العابدون الحامدون) .
وسمّاكم يا أمَّة محمد بالهداية والخير، والعدل والأمانة، أفتراه يطردهم بعد أن دعاهم إلى نفسه، وهو لا يُريد قبولهم.
وقد سمعناه يقول للتائبين: (وإني لغفّار لمَنْ تاب) إذا مشوا إليه برجْل الندامة على قدم الاعتذار، وللعابدين إذا مشوا برجل النّشاط على قدم الجهد والاجتهاد على قدم الدرجات، (ومَنْ يأته مؤمناً قد عمل الصالحات) .
وللزاهدين إذا مشوا برجل القناعة على قدم التوكّل مع مراد الله، (تلْك الدارُ الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علُوّاً في الأرْضِ ولا فَساداً) ، وللمحبين إذا مشوا برجل الرضا على قدم المودّة مع مُراد الذكر، (ألا بذكرْ الله تطْمئنُّ القلوب) ، وللمشتاقين إذا مشوا برِجْل المحبة على قدم الإنابة، مع مراد القربة:(وجوة يومئذٍ ناضرة) .
فإن قلت: ما الحكمة في تَبْرِيح العارفين؟
فالجواب لأنهم تعهدوا على الكفار بتبليغ الرسالة إليهم.
ومن كان شاهداً له يخدمه ويزكّيه ليكون شاهداً له على الحقيقة، قال تعالى:(يا أيُّها الذين آمَنُوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
(عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) :
أي تقرن السماوات والأرض بعضُها إلى بعض، كما تُبْسط الثياب، فذلك عرض الجنة،
ولا يعلم طولها إلا الله، لأنَّ الله قال لها: امتدّي فامتدت، ثم قال لها: امتدي فامتدت، ثم قال لها: امتدي فامتدت، قالت: إلى أيْنَ يا رب، قال: إلى منتهى رحمتي، فقالت: لا منتهى لرحمتك.
فقال لها: ولا منتهى لك.
وقيل: ليس العَرْض هنا خلافَ الطول، وإنما المعنى سعتها كسعة السماوات
والأرض.
فإن قلت: إذا كان عرضها هذا، فما معنى ما ورد أنها في السماء، وقيل في
الأرض، وقيل بالوَقْف حيث لا يعلمه إلا الله؟
والجواب أن الذي يجب اعتقادُه ويفهم من القرآن والحديث أنَّ الجنة في عالم
الجبروت، وأن العرش سَقْفها، كما صحّ في الحديث:"سلوا الله الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وفوقه عرشُ الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة".
والآية الكريمة: (قلنا اهْبِطُوا) ، تدلّ على أنها فوق السماوات.
وقد قدمنا أنَّ العوالم أربعة: الملك، وهو الدنيا وما فيها.
والملكوت وهو السماوات وما فيها.
والجبروت وهو اللَّوْح والكرسي والقلَم.
والجنة وفوقها العرش الذي تأوي إليه أرواحُ الشهداء.
وعالم العزّة لا يَعْلَم ما فيه إلا الله ورسوله الذي زج فيه صلى الله عليه وسلم وشاهد فيه من العجائب ما أخبر الله به في قوله: (لقد رَأى مِنْ آياتِ رَبّه الكبْرَى) .، وخلف جبريل عند سِدْرَةِ المنتهى، وقال: يا محمد، لا
أقدر على مجاوزة هذا المكان، (وما مِنَّا إلا له مَقام معلوم) .
وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان، من طريق عبيد، عن مجاهد، عن ابن
عمر - مرفوعاً: "أن جهنم محيطةٌ بالدنيا، وأن الجنة من ورائها، فلذلك كان الصراط على جهنم طريقاً إلى الجنة".
فإن قلت: يفهم من هذا الحديث أنَّ جهنم تحت الأرض؟
والجواب أنا نقول فيها بالوقف، إذ لا يعلم محلَّها إلا الله، ولم يثبت عندي
حديثٌ أعْتَمده في ذلك غير ما رواه ابن عبد البر وضعّفه، عن عبد اللَه بن عمر - مرفوعاً:"لا يركب البحر إلَاّ غازٍ أو حَاجّ أو معتمر، فإنَّ تحت البحر ناراً".
وفي شعب الإيمان للبيهقي، عن وهب بن منبه: "إذا قامت القيامةُ أمر بالمغلق
فيكشف عن سقَر وهو غطاؤها، فيخرج منه نار، فإذا وصلت إلى البحر المطبق على شَفِير جهنّم - وهو بحر البحور - نشفته أسرعَ من طرفة عَين، وهو حاجز بين جهنم والأرضين، فإذا نشفت الأرضين السبع فتدعها جمرة واحدة.
وقيل هي في وجه الأرض، لما رُوِي عن وَهْب أيضاً قال: أشرف ذو القرنين
على جبل قاف، فرأى تحته جبلا صغيرا إلى أنْ قال: يا قاف، أخبرني عن عظمة الله، فقال: إن شأنَ ربنا لعظيم، وإن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج، يحطّم بعضها بعضاً، ولولا هي لاحترقت من حرّ نار جهنم.
وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده، عن عبد الله بن سلام، قال: الجنة في السماء، والنار في الأرض.
وروى أن اليهود قالوا لعمر: (جنة عَرْضُها السماوات والأرض) ، فأين النار؟
قال عمر: أفرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار، وإذا جاء النهار أين يكون الليل، فقالوا: إنها لمثلها في التوراة.
قالوا: إن باب الجنة في السماء وعرضها السموات والأرض.
فإن قلت: قد صحّ أنها لا منتَهى لها، وأن العرش سقفها، والعرش له حدّ
ومقدار، فما معناه.
والجواب أنَّ العرش لها كالخيمة، فلا يلزم أن يكون العرش محتوياً على
جميعها، وهذا مشاهد.
وقد صح أنها تَبْقَى بلا ساكن حتى يخلق الله لها مَن يسكنها.
فتفكرْ أيّها العبد عَبْد مَنْ أنت، ومَنْ أنْتَ حتى أهَّلكَ لخدمته وعرَّفك به
حتى طلبته، وما قيمة أعمالك في جَنْب مَنْ عبده، فاحمد الله على أن أهَّلك
لخطابه، وجعلك من أحبابه، وإياك ومعصيته، فإنها تورثك بُعْده.
أما علمت أنّه على قَدْر معرفتك به هنا تكون رؤيتك له هناك، وبمعرفتك له يتولّد منه
التعبُ، لكنها توصلك إلى رؤيته التي يزول عنك بها النَّصَب والكَرْب، ولما علم سبحانه أنَّ الدنيا دار مِحَن ومعايش، جعل لهم هذه المعرفة التي يتوصَّلُون بها إلى رؤية ذاته، وعلى قَدْر طول الغربة يكون سرور الأوْبة، ولو رأيناه بغير تعب لما وجدنا لها لذّةً، ألا ترى آدَم لم يعرف قدرها حتى خرج منها، والمسوقُ بالتعب ألذّ من المسوق بلا تعب، فالمعرفة ميدان الخدمة، والرؤية ميدان الراحة، والمعرفة تكون مع بُعْد عن المراد، والرؤية مع قرب النفس إلى المراد، والمعرفة مع الخوف والخطر، والرؤية مع الرضا والكرامة.
والمعرفةُ أول الكرامة، والرؤية تتمتها، والمعرفة في جوار الشيطان، والرؤية في جوار الرحمن، والمعرفة البراءة عن الخلق، والرؤية الوصول إلى الحق.
والمعرفة للواصفين، والرؤية للواصلين.
والمعرفة في الجنس، والرؤية في الأنس.
وأهل المعرفة يشتاقون إلى موضع الواصلين، والواصلون لا يشتاقون إلى موضع العارفين، فكلُّ من رأى فقد عرف، وليس من عرف قد رأى.
فإن قلت: لم خصّت هذه الآية بما تمهَّد فيها من قصد المبالغة والتعظيم من
قوله: (سارِعوا إلى مغفرة) ، دون آية الحديد؟
والجواب لبنائها على الحضّ على الجهاد وعظيم فَضْلِه، وذكر قصة بَدْر واحُد من لدن قوله:(وإذْ غَدَوْتَ من أهلك تبَوِّئُ المؤمنين) .
إلى ما بعد الآية المتكلم فيها، ولما لم يكن في آية الحديد شيء من ذلك
ناسب كلاما ورد فيها. واللَه أعلم.
(عَزَمْتَ) ، أي صححت رأيك فيما مضى من الأمر.
والمخاطب بذلك نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم.
(عَاشِرُوهُنَّ) ، أي صاحبوهن بالمعروف، وأمر الله في هذه
الآية الرجالَ بالصفح عنهن وممازحتهنّ وخدمتهن بما أمكن، وله عليها أعظم
من ذلك، لقول الله العظيم:(ولِلرِّجَالِ عليهنَّ دَرَجةٌ والله عَزِيرٌ حكيم)