الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متعلق بـ: {قَوْلُهُ} ، أي: ما يقوله في حق الحياة الدنيا ومعناها، فإنها الذي يريده بما يدّعيه من الإيمان ومحبةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه: إشارة إلى أن له قولاً آخرَ ليس بهذه الصفة.
ــ
وفي (ع):
" (لجهله إلخ): وليس هو سببا له في ذاته، بل بحسب الإضافة إلى من يعرف السبب، وإلى من لايعرف. (1)
ولذا لا يصح على علام الغيوب. (2)
وحقيقة: (أعجبني كذا): ظهر لي ظهورا لم أعرف حقيقته." (3)
(ومعناها): " تفسير لحق الحياة، كما يفيده اقتصارك على معنى الدنيا." أهـ
لكن في (ق):
" أي: ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش، أو في معنى الدنيا؛ لأنها مراده من ادعاء المحبة (4)،
(1) ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 427)[تحقيق: د. محمد عبد العزيز بسيوني، الناشر: كلية الآداب - جامعة طنطا، ط: الأولى: 1420 هـ - 1999 م].
يقصد أن التعجب أمر نسبي، أي: بالنسبة للشخص المتعجِب، وليس بسبب شاء في ذات المتعجَب منه، فهو بسبب جهل الشخص أو علمه بالسبب. فقد يكون الشئ عجيبا بالنسبة لشخص؛ لأنه لا يعرف السبب، ويكون نفس الشئ غير عجيب بالنسبة لشخص آخر عارف بالسبب.
(2)
تعددت تعريفات العلماء للتعجب، ومن هذه التعريفات:
أن التَّعَجُّبِ اسْتِعْظَامُ صِفَةٍ خَرَجَ بِهَا الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ عَنْ نَظَائِرِهِ، قَالَه ابْنُ الصَّائِغِ.
ومنها: أن التَّعَجُّبِ تَعْظِيمُ الْأَمْرِ فِي قُلُوبِ السَّامِعِينَ؛ لِأَنَّ التَّعَجُّبَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ نَظَائِرِهِ وَأَشْكَالِهِ، قَالَه الزَّمَخْشَرِيُّ.
ومن العلماء من يرى: أن الْمَطْلُوبُ فِي التَّعَجُّبِ الْإِبْهَامُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ أَنْ يَتَعَجَّبُوا مِمَّا لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ، وَكُلَّمَا اسْتُبْهِمَ السَّبَبُ كَانَ التَّعَجُّبُ أَحْسَنَ، فَأَصْلُ التَّعَجُّبِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الْخَفِيِّ سَبَبُهُ، قَالَه الرُّمَّانِيُّ.
وبناءً على هذه التعريفات قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالتَّعَجُّبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْظَامٌ يَصْحَبُهُ الْجَهْلُ، وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا تعبر جماعة بالتعجيب بَدَلَهُ: أَيْ أَنَّهُ تَعْجِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُخَاطِبِينَ، فإِذَا وَرَدَ التَّعَجُّبُ مِنَ اللَّهِ صُرِفَ إِلَى الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ:{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] أَيْ: هَؤُلَاءِ يَجِبُ أَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُمْ.
…
ينظر: البرهان (2/ 317)، الإتقان (3/ 259).
(3)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (336 / ب).
(4)
أي: محبة الله ورسوله كما تفسره الرواية القادمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإظهار الإيمان. (1) " (2) أهـ
كتب (ع):
" (أي: ما يقوله في أمور الدنيا إلخ): فالمراد من الحياة: ما به الحياة والتعيش.
وعلى الثاني: على معناها. وجعله ظرفا للقول: من قبيل ظرفية قولهم في عنوان المباحث: "الفصل الأول في كذا"، و"الكلام في كذا". ولا حذف في شاء من التقديرين على ما وهم.
وتكون الظرفية حينئذ تقديرية، " كما في حديث:(فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مائَة من الإبل)(3) أي: قتلها.
(1) يرى المفسرون أن قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إما متعلق بقوله تعالى: {قَوْلُهُ} ، أو متعلق بقوله تعالى:{يُعْجِبُكَ} ، وعلى الأول له تفسيران عند القاضي البيضاوي:
الأول: يعجبك قوله ورأيه في أمور الدنيا وأسباب المعاش - سواء كانت عائدة إليه أم لا- فالمراد من الْحَياةِ ما به الحياة والتعيش.
والثاني: يعجبك مقالته في معنى الدنيا؛ لأن ادعاءه المحبة والتبعية بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا، ولا يريد به الآخرة، إذ لا تراد الآخرة إلا بالإيمان الحقيقي، والمحبة الصادقة، فالحياة الدنيا على معناها. وقد اقتصر الإمام الزمخشري على التفسير الثاني فقط باعتبار التعلق الأول.
وعلى التفسير الثاني تكون {فِي} للسببية، أي: قوله هذا بسبب حبه للدنيا.
ينظر: تفسير الكشاف (1/ 251)، تفسير البيضاوي (1/ 133)، تفسير البحر المحيط (2/ 326)، تفسير روح المعاني (1/ 490).
(2)
تفسير البيضاوي (1/ 133).
(3)
هذا جزء من حديث أخرجه المروزي في كتابه "السنن"(1/ 66)، رقم: 236، بلفظ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ كَتَبَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ: فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ .... إلخ ". [تحقيق: سالم أحمد السلفي، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط: الأولى، 1408 هـ]
وأخرجه الإمام النسائي في سننه (8/ 57) كِتَاب الْقَسَامَةِ، باب ذِكْرُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ، وَاخْتِلَافُ النَّاقِلِينَ لَهُ، رقم: 4853، [تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، ط: الثانية، 1406 - 1986]، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (14/ 501)، كِتَاب التَّارِيخِ، باب ذِكْرُ كِتْبَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم كِتَابَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، رقم: 6559، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 128)، كِتَاب الدِّيَاتِ، بَاب دِيَةِ النَّفْسِ، رقم: 16147، وأخرجه الإمام الحاكم في مستدركه (1/ 552)، كِتَاب الزَّكَاةِ، رقم: 1447، وقال عنه: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
كلهم من طريق عمرو بن حزم، وبلفظ:" الدِّيَةَ " بدلا من " المؤمنة ".
وقد ذكره بدر الدين العيني في كتابه " عمدة القاري شرح صحيح البخاري "(12/ 207)، وقال عنه:" وَقد تَجِيء (فِي) للسَّبَبِيَّة كما فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: "فِي النَّفس المؤمنة مائَة إبل"، أَي: بِسَبَب قتل النَّفس المؤمنة، وَمَعَ هَذَا الْمُتَعَلّق مَحْذُوف، أَي: بِسَبَب قتل النَّفس المؤمنة الْوَاجِب مائَة إبل."[دار إحياء التراث العربي - بيروت].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالسبب الذي هو القتل متضمن للدية (1) تضمن الظرف للمظروف. وهذه هي التي يقال لها: أنها للسببية." كذا في الرضي (2).
فما قيل: " إن الأوجَه (3) أن تجعل (في) بمعنى (اللام)."(4) ليس أمرا زائدا على ما في الكتاب. " (5) أهـ
وفي (ش):
" (في أمور الدنيا) أي: تكلمه في الأمور المتعلقة بالدنيا سواء كانت عائدة إليه أو لا.
(وفي معنى الدنيا) أي: ما يُقصد منها، كما يصرح به (ك):" أي: يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا؛ لأن ادعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا."(6)
(1) الدية: المال الواجب في إتلاف نفوس الادميين. ينظر: معجم لغة الفقهاء - حرف الدال (1/ 212).
(2)
شرح الرضي على الكافية (4/ 278).
وقد قال الرضي في نفس الموضع شارحا لقول ابن الحاجب: (في للظرفية): " إما تحقيقا، نحو: زيد في الدار، أو تقديرا، نحو: نظر في الكتاب، وتفكر في العلم، وأنا في حاجتك، لكون الكتاب والعلم والحاجة شاغلة للنظر والفكر والمتكلم، مشتملة عليها اشتمال الظرف على المظروف، فكأنها محيطة بها من جوانبها." ثم ذكر الحديث إلخ.
(3)
الأَوْجَه: اسم تفضيل من وَجَهَ وَجْهًا، والوَجْهُ في الأصل: الجارحة، ويقال مجازا: الوَجْه من الكَلامِ: السَّبيلُ المَقْصودُ، وهذا أَوْجَه الأقوال: أكثرها إصابة. ينظر: القاموس المحيط - باب الهاء (1/ 1255)، معجم اللغة العربية - مادة وجه (3/ 2407).
(4)
لـ "في" عدة معان: أحدها: "الظرفية حقيقة مكانية أو زمانية" وهي الأصل فيها، فالأولى نحو:{فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم: 3]، والثانية نحو:{فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 4] والظرفية الحقيقة هي التي يكون الظرف والمظروف فيها من الذوات. فـ"أدنى"، و"بضع" اكتسبا الظرفية من المضاف إليهما، فإن "أدنى" اسم تفضيل من الدنو، و"بضع" اسم لما بين الثلاث إلى التسع.
"أو مجازية" إما بكون الظرف والمظروف معنيين نحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أو الظرف معنى، والمظروف ذاتا نحو:"أصحاب الجنة في رحمة الله"، أو بالعكس "نحو:{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
والثاني: "للسببية " وتسمى التعليلة أيضًا. نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} [النور: 14] أي: لمسكم عذاب عظيم بسبب ما أفضتم، أي: خضتم فيه. ينظر: أوضح المسالك (3/ 43)، شرح الأشموني (2/ 84)، شرح التصريح على التوضيح (1/ 649).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (336 / ب).
(6)
تفسير الكشاف (1/ 251).
أو بـ: {يُعْجِبُكَ} ، أي: يعجبك قولُه في الدنيا بحلاوته وفصاحته،
ــ
وهذا في معنى القول: بجعل (في) للتعليل، كما في:(عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ)(1)، ومن لم يتنبه لمراده (2) قال: مآل الوجهين واحد، والتغاير باعتبار المضاف المقدر. " (3)
(بحلاوته إلخ): راجع للوجهين (4).
قال (ش):
" وإعجابه به؛ لفصاحته. واكتفى المصنف (5) ببيانه في الوجه الثاني. (6) "(7)
(وفصاحته إلخ) " قال أبو حيان: الظاهر تعلقه به لا على هذا المعنى، بل على معنى أنك تستحسن مقالته دائما في مدة حياته، إذ لا يصدر منه من القول إلا ما هو معجب رائق لطيف
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (4/ 176)، كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَاب حَدِيثِ الغَارِ، رقم: 3482، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه (4/ 1760)، كتاب السَّلَامِ، بَاب تَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ، رقم: 2242، كلاهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (15/ 290)، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، رقم:9482.
وقد ذكر هذا الحديث الإمام النووي في كتابه " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(14/ 240)[دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط: الثانية، 1392 هـ]، والإمام ابن حجر في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " (16/ 63) وقالا في شرحه:" (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ): بِسَبَبِ هِرَّةٍ."
وقال ابن مالك في " شرح التسهيل"(3، 155) باب حروف الجر: " في، التي للتعليل كقوله صلى الله عليه وسلم: "عُذّبت امرأةٌ في هرة"."
(2)
أي: مراد القاضي البيضاوي.
(3)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 294).
(4)
يقصد وجهي تعلق قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إما بقوله تعالى: {قَوْلُهُ} ، أو تعلقه بقوله تعالى:{يُعْجِبُكَ} .
(5)
أي: القاضي البيضاوي في تفسيره.
(6)
الوجه الثاني: هو تعلق قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بقوله تعالى: {يُعْجِبُكَ} . حيث قال القاضي البيضاوي: " أو يعجبك [يقصد: أو متعلق بيعجبك] أي: يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الآخرة." تفسير البيضاوي (1/ 133).
(7)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 294).
لا في الآخرة؛ لما أنه يظهر هناك كذِبُه وقُبحُه.
وقيل: لما يُرهِقه من الحُبْسة واللُكنة، وأنت خبيرٌ بأنه لا مبالغة حينئذ في سوء حالِه، فإن مآلَه بيانُ حسنِ كلامِه في الدنيا وقبُحِه في الآخرة.
ــ
دائما، لا تراه يعدل عن المقالة الحسنة إلى مقالة منافية لها، ومع ذلك أفعاله منافية لأقواله." (1) "(2) سيوطي.
ولعله هو القيل المشار إليه أخيرا (3) تأمل.
(لا في الآخرة): " مأخوذ من التخصيص (4)."(5)
(من الحُبسة (6) واللُكنة (7)) " الحبسة: كاللكنة لفظا ومعنى."(8)(ش)
وعبارة (ق):
" من الدهشة والحبسة واللكنة (9)، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام. (10) "(11) أهـ
(1) البحر المحيط (2/ 326) باختصار.
(2)
حاشية السيوطي على البيضاوي (2/ 401).
(3)
هو قول انفرد به الإمام أبو السعود عن الإمامين الزمخشري والبيضاوي، وسيأتي بيانه.
(4)
أي التخصيص المستفاد من قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .
(5)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 294).
(6)
الْحُبْسَة: بِالضَّمِّ: الِاسْمُ مِنَ الِاحْتِبَاسِ، وأصل الحَبْسُ: المَنْعُ والإمساكُ، والحُبْسَةُ: ثِقَلٌ فِي اللِّسَان يَمْنَعُ من البَيان، يُقَال: الصَّمتُ حُبْسَةٌ، وَهُوَ تَعَذُّرُ الكلامِ وتوقُّفُه عِنْد إرادَتِه. ينظر: تاج العروس - مادة حبس (15/ 523)، المعجم الوسيط - باب الحاء (1/ 152).
(7)
اللُّكْنَة: عُجْمَةٌ فِي اللِّسَانِ وَعِيٌّ، وَالْأَلْكَنُ: الذي لا يقيم عربيته، لعجمة غالبة على لسانه. ينظر: العين - حرف الكاف (5/ 371)[للخليل بن أحمد الفراهيدي ت: 170 هـ، تحقيق: مهدي المخزومي، دار ومكتبة الهلال]، مختار الصحاح - مادة لكن (1/ 284).
(8)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 294).
(9)
في تفسير البيضاوي بدون كلمة " اللكنة ".
(10)
إذا تعلق قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بقوله تعالى: {يُعْجِبُكَ} فسيكون المعنى:
يعجبك قوله في الدنيا ولا يعجبك في الآخرة؛ لما يعتريه من حبسة اللسان التي هي ضد الفصاحة، أي: قوله غير فصيح فلا يعجبك. أو لا يعجبك في الآخرة؛ لأنه لا يؤذن له في الكلام أصلا حتى تسمعه فيعجبك أو لا. وقد اتفق الإمامان الزمخشري والبيضاوي على هذا المعنى.
وقد ذكر الإمام أبو حيان هذا المعنى ناسبا إياه للإمام الزمخشري ثم قال: " وَفِيهِ بُعْدٌ. وَالَّذِي يظهر أنه متعلق بـ {يُعْجِبُكَ} لَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ [أي الإمام الزمخشري]، وَالْمَعْنَى أَنَّكَ تَسْتَحْسِنُ مَقَالَتَهُ دَائِمًا فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ
…
إلخ." ينظر: البحر المحيط (2/ 326). وهذا متفق مع قول الإمام أبي السعود القادم.
(11)
تفسير البيضاوي (1/ 133).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال (ش):
" فهو على حد (1): " وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ " (2)، وفيه تأمل."(3) أهـ
وفي (ع):
" (لا يؤذن له): فلا يتكلم حتى يعجبك."(4) أهـ
و[هو](5) في (ك). (6)
(1)"على حد" يقصد به: من قَبيل، أو على منوال. وليس المراد به "الحد المنطقي" الذي: هو التعريف بالجنس والفصل.
(2)
هو عجز بيت وتمامه:
لَا يُفْزِعُ الْأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا
…
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ
البيت لعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ، ينظر: الخصائص (3/ 324)[لأبي الفتح عثمان بن جني ت: 392 هـ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط: الرابعة]، مفتاح العلوم (1/ 280)، المثل السائر (2/ 203)، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (10/ 192).
قاله فِي وصف فلاة. والإفزاع: الإخافة، والأرنب: مفعول مقدم، وأهوالها: فَاعل يفزع، وَالضَّمِير: للمفازة والفلاة، والأهوال: جمع هول وَهِي الشدائد الَّتِي تفزع، والضب: حَيَوَان مَعْرُوف، والانجحار بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة: الدُّخُول فِي الْجُحر بِضَم الْجِيم: وَهُوَ مَا حفره الْهَوَام السبَاع لأنفسها.
وهذا البيت هو ضّرب من البيان قائم على أن العرب قد تنفى عن شيء صفةَ ما، والمراد نفى وجود ذلك الشاء أصلا.
فالشاعر لم يُرد أَن بهَا أرانب لَا تفزعها أهوالها وَلَا ضباباً غير منحجرة، وَلكنه نفى أَن يكون بهَا حَيَوَان أصلا. فهو يريد ما بها أرنب حتى تفزع، ولا ضب بها حتى ينجحر، فالْمَنْفِيّ فِي الْبَيْت الضَّب والانجحار جَمِيعًا لَا الانجحار فَقَط، إِذْ المُرَاد وصف هَذِه الْمَفَازَة بِكَثْرَة الْأَهْوَال بِحَيْثُ لَا يُمكن أَن يسكنهَا حَيَوَان.
وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف (1/ 426) عِنْد تفسير قَوْله تَعَالَى: {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: 151] على أَن المُرَاد نفي السُّلْطَان - يَعْنِي الْحجَّة - وَالنُّزُول جَمِيعًا، لَا نفي التَّنْزِيل فَقَط بِأَن يكون ثمَّة سُلْطَان لكنه لم ينزل. ينظر: المراجع المذكورة سابقا.
والشاهد فيه: حيث ذكره الشهاب تعقيبا على قول الإمام البيضاوي: " ولا يعجبك في الآخرة؛ ..... لأنه لا يؤذن له في الكلام." فالمراد نفي الكلام والعجب جميعا، لا نفي العجب فقط، فهو ليس له كلام في الآخرة حتى يعجبك.
(3)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 294).
(4)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (336 / ب).
(5)
سقط من ب.
(6)
تفسير الكشاف (1/ 251) والعبارة: " لأنه لا يؤذن له في الكلام، فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه".