الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَكُفْرٌ بِهِ}
عطفٌ على {صَدٌّ} عاملٌ فيما بعده مثلَه، أي: وكفرٌ بالله - تعالى-.
وحيث كان الصدُ عَن سَبِيلِ الله فرداً من أفراد الكفرِ به - تعالى - لم يقدَحِ العطفُ المذكورُ في حسن عطفِ قوله - تعالى -:
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
على سبيل الله؛ لأنه ليس بأجنبيَ محضٍ. وقيل: هو أيضاً معطوف على {صَدٌّ} بتقدير المضاف، أي: وصدُ المسجدِ الحرام.
ــ
وقال الراغب: " السبيل: الطريق التي فيها سهولة."(1)." (2)."(3) أهـ
وفي (ش):
" (عن الإسلام، أو ما يوصل إلخ): كون الإسلام والطاعات طريقا توصل إلى الله، مجاز ظاهر."(4) أهـ
(أي: وكفر بالله): " للقرب، وقيل: بسبيل الله."(5)
(ع)
(وقيل: هو أيضا): " أي كـ {كُفْرٌ} معطوف إلخ. هو ما في (ق) قال:
" {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} على إرادة المضاف، أي: وصد المسجد الحرام. كقول أبو دؤاد (6):
(1) المفردات في غريب القرآن (1/ 395).
(2)
الإتقان (2/ 364)، وجاء فيه بلفظ: السبيل والطريق. على سبيل الفرق بينهما وليس تعريف الأول بالثاني.
(3)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (347 / أ).
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (347 / أ).
وينظر: زاد المسير (1/ 183).
وقال أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 385): " وَالضَّمِيرُ فِي: {بِهِ}، يَعُودُ عَلَى السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَدٌّ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى: وَكُفْرٌ بِسَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ وَشَرِيعَتُهُ، وَقِيلَ: يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي: {بِهِ}، عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى-، قَالَهُ الْحُوفِيُّ."
(6)
أبو دؤاد: هو شاعر جاهلي قديم، اختلف في اسمه، والأشهر أنه: جارية بن الحجّاج الإيادي، المعروف بـ (أبي دؤاد)، من حي من إياد، يقال لها:(يقدم). كان من وُصّاف الخيل المجيدين. له (ديوان شعر)، وقد أخافه بعض الملوك، فصار إلى بعض ملوك اليمن فأجاره فأحسن إليه، فضرب المثل: بـ " جار كجار أبى دؤاد. ينظر: الأصمعيات (1/ 185)[للأصمعي عبد الملك بن قريب بن أصمع ت: 216 هـ، تحقيق: أحمد شاكر - عبد السلام هارون، دار المعارف - مصر، ط: السابعة، 1993 م]، الشعر والشعراء (1/ 231)، المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء (1/ 146) [للحسن بن بشر الآمدي ت: 370 هـ، تحقيق: د. ف. كرنكو، دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1411 هـ - 1991 م].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكُلَّ امرئٍ تَحْسَبِينَ امْرَأَ
…
ونارٍ تَوَقَّدُ باللَّيْلِ نارَا (1)
ولا يحسن عطفه على {سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ لأن عطف قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ} على {وَصَدٌّ} مانع منه؛ إذ لا يقدم العطف على الموصول، على العطف على الصلة، ولا على الهاء في {بِهِ} ؛ فإن العطف على الضمير المجرور إنما يكون لإعادة الجار (2)." (3) أهـ
فكتب (ع): " (على إرادة المضاف) حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه في الإعراب شائع كثير، حتى قال ابن جني: أنه زهاء ألف في القرآن. (4)
وأما حذف المضاف وإجراء المضاف إليه بحاله (5) فقد قال في التسهيل (6): " إن القياسي منه مشروط بكون المضاف (7) إثر عاطف متصل به، أو مفصول بـ (لا) مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظا ومعنى، نحو: ما مثل زيد ولا أبيه يقولان ذلك، أي: ولا مثل أبيه. ونحو: ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة.
(1) البيت من شواهد: الكتاب، لسيبويه (1/ 66)، المفصل في صنعة الإعراب (1/ 137)، المقرب (1/ 237) [لابن عصفور علي بن مؤمن ت: 669 هـ، تحقيق: أحمد الجواري، ط: الأولى، 1392 هـ، 1972 م]، شرح التسهيل، لابن مالك (3/ 270)، مغني اللبيب (1/ 290).
وسيأتي شرح البيت في عبارة الإمام السيوطي القادمة.
(2)
الْعَطْفُ على الْضمير الْمَجْرُور فِيهِ مَذَاهِبٌ ثلاثة:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ فِيهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَيُونُسَ، وَأَبِي الْحَسَنِ، وَالْأُسْتَاذِ أَبِي عَلِيٍّ الشَّلَوْبِينَ، وابن مالك.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ إِنْ أُكِّدَ الضَّمِيرُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ فِي الْكَلَامِ، نَحْوَ: مَرَرَتُ بِكَ نَفْسِكَ وَزَيْدٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الجرمي والزيادي.
ينظر: اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 432)[لأبي البقاء العكبري ت: 616 هـ، تحقيق: د. عبد الإله النبهان، دار الفكر - دمشق، ط: الأولى، 1416 هـ 1995 م]، توضيح المقاصد (1/ 1026).
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 137).
(4)
نص ما قاله ابن جني: " وكذلك حذف المضاف قد كثر؛ حتى إن في القرآن - وهو أفصح الكلام - منه أكثر من مائة موضع، بل ثلثمائة موضع، وفي الشعر منه ما لا أحصيه." الخصائص (2/ 454).
(5)
أي: إبقائه على حاله من الجر.
(6)
أي: قال " ابن مالك " المتوفى: 672 هـ، في كتابه " تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد "، ولكن هذه العبارة موجودة في كتابه " شرح التسهيل ".
(7)
أي: المحذوف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا انتفى واحد من الشرائط فهو مقصور على السماع." (1)
وفيما نحن فيه: سبق إضافة مثلها منتف. (2)
ولأمر ما اختار صاحب (ك): عطفه على {سَبِيلِ اللَّهِ} (3)، وتمحل لصحة العطف.
وأبو البقاء: " قدر الفعل أي: يصدون عن المسجد الحرام."(4)
وقال السجاوندي (5): " إنه معطوف على {الشَّهْرِ}."(6)
وقيل: إن الواو: للقسم، وقعت في أثناء الكلام.
وقوله: (أي: وصد المسجد الحرام): أعني عن الطائفين والعاكفين والركع السجود.
فما قيل: إن الإضافة ليست بعذبة، ليس بعذب." (7) أهـ
وفي (ش):
" وتقدير المضاف: (أي: وصد المسجد)؛ لئلا يلزم ما بعد من المحذور."(8) أهـ
" وقوله: (كقول أبي دؤاد) بضم مهملة، بعدها همزة مفتوحة، ثم ألف ساكنة، ثم مهملة. واسمه: جارية، ويقال: جويرية [ابن](9) الحجاج [الإيادي](10)، والبيت من قطعة يصف
(1) شرح التسهيل، لابن مالك (3/ 270 - 271).
(2)
لكن الإمام الآلوسي قال هنا: " وفيما نحن فيه سبق إضافة مثل ما حذف منه." روح المعاني (1/ 504).
وهو الصحيح؛ لأن المضاف المحذوف تقديره: (صَدُّ)، وهو معطوف على مثله المذكور وهو قوله:{صَدٌّ} في: {وَصَدٌّ سَبِيلِ عَن اللَّهِ} فتحقق الشرط المطلوب، ليكون الحذف قياسي، كما ذكر ابن مالك سابقا.
(3)
ينظر: تفسير الكشاف (1/ 259).
(4)
التبيان في إعراب القرآن (1/ 175).
(5)
السجاوندي: هو محمد بن طيفور الغزنوي السجاوندي، أبو عبد الله، المتوفى: 560 هـ، مفسر، نحوي، عالم بالقراآت. من كتبه:(تفسير عين المعاني في تفسير السبع المثاني - خ)، و (الإيضاح) في الوقف والابتداء، و (علل القراآت). ينظر: الوافي بالوفيات (3/ 147)، غاية النهاية (2/ 157)، طبقات المفسرين للسيوطي (1/ 101).
(6)
نقل قوله: الإمام الآلوسي في " روح المعاني "(1/ 504).
(7)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (347 / أ - ب).
(8)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301)."
(9)
كتبت بهمزة الوصل في أوب.
(10)
في ب: الإبادي، والصحيح: الإيادي، نسبة إلى إياد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيها أيام لذته بالتصيد، ثم مصيره إلى حال أنكرت عليه امرأته، فهزلته، فأنبأها بجهلها بمكانه، وأنه لا ينبغي أن تغتر بأمره من غير امتحانه.
و(نار): يروى بالجر على تقدير: وكل نار، ويروى بالنصب: فرارا من العطف على معمولين.
و(توقد): أصله: تتوقد، وهو صفة لنار." (1) سيوطي
وقوله: " (إذ لا يقدم إلخ)؛ لأن الصلة جزء الموصول، ولا يجوز العطف على جزء الكلمة.
وقوله: (على الموصول) يعني: {صَدٌّ} ، أطلق الموصول عليه؛ لأنه موصول بما بعده، يعني:{عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ، أو لكونه في تأويل " أن مع الفعل ".
فإن قلت: ما ذكره يقتضي عدم الجواز، لا عدم الحسن؟ !
قلت: ذكر صاحب (ك) لصحته وجهين:
" أحدهما: أن قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ} في معنى الصد عن سبيل الله، فعطف {وَكُفْرٌ بِهِ} على {صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ، على التفسير، فكأنه قيل: وصد عن سبيل الله أي: كفر به والمسجد الحرام.
وثانيهما: أن موضع: {وَكُفْرٌ بِهِ} عقيب قوله: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إلا أنه قدم؛ لفرط العناية كما في قوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) كان من حق الكلام: ولم يكن أحد كفوا له." (3)
وفي الكشف: " الوجه هو الأول؛ لأن التقديم لا يزيل محذور الفصل، ويزيل محذورا آخر."(4) " (5)(ع)
(1) حاشية السيوطي على البيضاوي (2/ 410).
(2)
سورة: الإخلاص، الآية:4.
(3)
ذكر هذين الوجهين الإمام السعد في حاشيته على الكشاف لوحة (136 / أ) حيث قال: " ههنا حاشية عن المصنف."، وذكرهما بالمعنى أيضا الإمام عمر بن عبد الرحمن المدقق في حاشيته على الكشاف (1/ 396 - 397) حيث قال:" يوجد في بعض النسخ: إلخ، ثم قال: والأظهر أن ذلك حاشية."
(4)
حاشية الكشف على الكشاف، لعمر بن عبد الرحمن (1/ 397).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (347 / ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي السعد:
" ({وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} عطف على {سَبِيلِ اللَّهِ})؛ لامتناع عطفه على الضمير المجرور في {بِهِ} ، إذ لا إعادة للجار، ولا معنى لكفر بالمسجد الحرام إلا بتكلف.
وههنا حاشية من المصنف وقد [تلحق](1) بالمتن، حاصلها: أن عطف {وَكُفْرٌ بِهِ} على {صَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} إنما جاز قبل تمامه بصلته التي من جملتها {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} المعطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ} ؛ لوجهين:
الأول: أن الكفر بالله والصد عن سبيل الله متحدان معنى، فكأنه: لا فصل بالأجنبي بين {سَبِيلِ اللَّهِ} وما عطف عليه، ولا عطف للكفر على الصد قبل تمامه بمنزلة أن يقال: صد عن سبيل الله والمسجد الحرام.
الثاني: أن هذا التقديم لفرط العناية، ومثله لا يعد فاصلا. والأول أوجه.
قيل: الجيد أن يتعلق بمحذوف، أي: ويصدون عن المسجد الحرام (2)، وهو في غاية الرداءة." (3)
وجعل السيوطي: " وجهي (ك) (4) جوابا عن قول (ق): (ولا يحسن). "(5) أهـ
وهو لا يحسن، تأمل.
وفي (ز):
" {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قراءة الجمهور بالجر (6) على تقدير حذف المضاف وإبقاء عمله، كما في قوله:(ونارِ) أي: وكل نار.
(1) في ب: يلحق، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(2)
قاله أبو البقاء العكبري في كتابه " التبيان في إعراب القرآن "(1/ 175).
(3)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ).
(4)
يقصد الوجهين الذين نقلهما الإمام عبد الحكيم عن الإمام الزمخشري صـ (386) من هذا الجزء من التحقيق.
(5)
حاشية السيوطي على البيضاوي (2/ 410).
(6)
ينظر: البحر المحيط (2/ 385 - 386).
وقال صاحب " الدر المصون "(2/ 393): " قوله: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الجمهورُ على قراءته مجروراً. وقراء شاذاً مرفوعاً."
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذهب صاحب (ك): إلى أنه عطف على {سَبِيلِ اللَّهِ} أي: وعن المسجد الحرام، وأيده بـ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1).
ولم يرتضه (ق)؛ لاستلزامه الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي؛ لأن {وَصَدٌّ} مقدر بـ (أن والفعل)، و {سَبِيلِ اللَّهِ} في حيز الصلة، و [بعطف](2){الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} عليه يكون من تمام الصلة، إذ المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بـ {وَكُفْرٌ بِهِ} ، وهو أجنبي، بمعنى أنه [لا](3) تعلق له بالصلة.
فإن قيل: يتوسع في الظروف وحروف الجر ما لا يتوسع في غيرهما.
أجيب: بأن توسعهم فيهما إنما هو في التقديم لا الفصل.
ونقل عن صاحب (ك): " الجواب بوجهين،
أحدهما: أن {وَكُفْرٌ بِهِ} في معنى: الصد عن سبيله، فكان عطفه تفسيريا، فهما متحدان معنى، فكأنه لا فصل بأجنبي؛ إذ التفسير غير أجنبي عن المفسر، فحسن العطف لذلك.
وثانيهما: أن موضع {وَكُفْرٌ} عقب {الْحَرَامِ} إلا أنه قدم لفرط العناية." (4)
ولم يرض (ق): بكون وجه جر {الْمَسْجِدِ} عطفه على الهاء في {بِهِ} (5)؛ بناء عل رأي البصري." (6) أهـ تأمل.
" وقوله: (ولا على الهاء في {بِهِ} إلخ) قال أبو حيان: " هذا على مذهب أكثر البصريين.
(1) سورة: الحج، الآية:25.
(2)
في ب: يعطف، والمثبت أعلى هو الصحيح؛ لمناسبة السياق.
(3)
سقط من ب.
(4)
يقصد الوجهين الذين نقلهما الإمام عبد الحكيم عن الإمام الزمخشري صـ (386) من هذا الجزء من التحقيق.
(5)
ينظر: تفسير البيضاوي (1/ 137).
(6)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 520 - 521).
وذهب الكوفيون ويونس (1) والأخفش (2) والشلوبين (3): إلى جوازه بدون إعادته.
والسماع يعضده، والقياس يقويه، وقد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير، يخرج [عن أن يجعل](4) ضرورة.
ولسنا متعبدين بقول البصريين، بل المتبع ما قامت عليه الأدلة، فتخريج الآية عليه أرجح، بل متعين؛ لأن رصف الكلام وفصاحة التركيب يقتضي ذلك." (5) "(6) أهـ
(1) يونس: هو يونس بن حبيب الضبي بالولاء، أبو عبد الرحمن، ويعرف بالنحوي، المتوفى: 182 هـ، علامة بالأدب، كان إمام نحاة البصرة في عصره. وهو من قرية " جبّل " بفتح الجيم وضم الباء المشددة، على دجلة، بين بغداد وواسط. أعجمي الأصل. أخذ عنه سيبويه والكسائي والفراء وغيرهم من الأئمة. كانت حلقته بالبصرة ينتابها طلاب العلم وأهل الأدب وفصحاء الأعراب ووفود البادية. قال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه. هو شيخ سيبويه الّذي أكثر عنه النقل في كتابه. من كتبه: " معاني القرآن "، و" اللغات "، و" النوادر "، و" الأمثال ".
ينظر: أخبار النحويين البصريين (1/ 28)[للحسن بن عبد الله السيرافي ت: 368 هـ، تحقيق: طه محمد الزيني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط: 1373 هـ - 1966 م]، طبقات النحويين واللغويين (1/ 51)، إنباه الرواة (2/ 74).
(2)
الأخفش: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط، المتوفى: 215 هـ، نحوي، عالم باللغة والأدب، من أهل بلخ. سكن البصرة، وأخذ العربية عن سيبويه. وصنف كتبا منها:(تفسير معاني القرآن)، و (شرح أبيات المعاني)، و (الاشتقاق)، و (معاني الشعر)، و (كتاب الملوك)، و (القوافي)، وزاد في العروض بحر (الخبب)، وكان الخليل قد جعل البحور خمسة عشر فأصبحت ستة عشر. ينظر: إنباه الرواة (2/ 36)، مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان (2/ 46) [لعبد الله بن أسعد اليافعي ت: 768 هـ، وضع حواشيه: خليل المنصور، الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 1417 هـ - 1997 م]، بغية الوعاة (1/ 590).
(3)
الشلوبين: هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأَزْدي، أبو علي، الشلوبيني أو الشلوبين، المتوفى: 645 هـ، من كبار العلماء بالنحو واللغة. مولده ووفاته بإشبيليّة. والشلوبيني نسبة إلى حصن " الشلوبين " أو " شلوبينية " بجنوب الأندلس، ومن المؤرخين من يقول إن لقب صاحب الترجمة " الشلوبين " بغير نسبة، ويفسره بأن معنى هذه الكلمة: الأبيض الأشقر. من كتبه " القوانين " في علم العربية، ومختصره " التوطئة"، و" شرح المقدمة الجزولية " في النحو، و" حواش على كتاب المفصَّل للزمخشري "، و" تعليق على كتاب سيبويه ". ينظر: إنباه الرواة (2/ 332)، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 78)[لإبراهيم بن علي، ابن فرحون ت: 799 هـ، تحقيق: الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة]، بغية الوعاة (2/ 224).
(4)
في ب: على أنه. وما في ب هو الأنسب للسياق.
(5)
البحر المحيط (2/ 387 - 389) باختصار.
(6)
حاشية السيوطي على البيضاوي (2/ 410).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (ع): " (ولا على الهاء إلخ): في النهر: [قد خبط المفسرون في عطف {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}] (1)، "والذي نختاره: أنه عطف على الضمير المجرور ولم يعد جاره، وقد ثبت ذلك في لسان العرب نثرا ونظما باختلاف حروف العطف، وإن كان ليس مذهب جمهور البصريين، بل أجاز الكوفيون ويونس والأخفش وأبو علي، ولسنا متعبدين باتباع جمهور أهل البصرة، بل نتبع الدليل." (2)
وفي الطيبي: " لا يجوز لفساد المعنى؛ إذ لا معنى لـ: وكفر بالمسجد الحرام."(3)
وفيه بحث (4)؛ إذ الكفر قد ينسب إلى الأعيان باعتبار الحكم المتعلق بها، كقوله:{فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} (5)." (6) أهـ
وفي (ش): " (ولا يحسن عطفه على {سَبِيلِ اللَّهِ})؛ لأدائه إلى الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي، إذ التقدير: " أن صدوا "؛ لأن المصدر مقدر بـ (أن والفعل)، و (أن) موصول حرفي (7)
(1) هذه العبارة ليست من كلام الإمام أبي حيان في النهر الماد.
(2)
النهر الماد بحاشية البحر المحيط (1/ 146).
(3)
حاشية الطيبي على الكشاف (2/ 371).
(4)
أي: في كلام الطيبي.
(5)
سورة: البقرة، الآية: 256، وقد كتبت في المخطوط بلفظ:(ومن)، وهو مخالف لنص الآية.
(6)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (347 / ب - 348 / أ).
(7)
الموصولات إما اسمية وإما حرفية، والموصولاتِ الحرفيّة: كل حرف أول مع صلته بالمصدر، ولم يحتج إلى عائد. وهي:
أَنَّ: "المفتوحة الهمزة المشددة النون، وتلحق بها المخففة من الثقيلة "، وتوصل بجملة اسمية، وتؤول مع معموليها بمصدر، نحو:{أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا} [العنكبوت: 51].
أنْ: "بفتح الهمزة وسكون النون، وهي الناصبة للمضارع "، وتوصل بفعل متصرف، نحو: عجبت من أن قام زيد، فإن وقع بعدها فعل غير متصرف نحو:{وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، فهي مخففة من الثقيلة.
ما: المصدرية، وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وبجملة اسمية لم تصدر بحرف. نحو:{وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
كي: المصدرية، وتوصل بمضارع مقرونة بلام التعليل لفظا أو تقديرا. نحو: إرحمْ لكي تُرحَمَ.
لو: المصدرية، وتوصل بفعل متصرف غير أمر. نحو:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96].
والمصدر المؤولُ بعدها يكونُ مرفوعاً أَو منصوباً أَو مجروراً، بحسب العاملِ قبلَهُ.
ينظر: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (1/ 37)[لابن مالك الطائي الجياني، ت: 672 هـ، تحقيق: محمد بركات، دار الكتاب العربي، ط: 1387 هـ - 1967 م]، شرح ابن عقيل (1/ 138)، شرح التصريح (1/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وما بعده صلته، فلو عطف على {سَبِيلِ} كان من تتمة الصلة، و {كُفْرٌ} عطف على {صَدٌّ} ، فهو أجنبي؛ إذ لا تعلق له بها.
وقوله: (لا يقدم العطف إلخ) فيه تسمح: أي: علي صلة الموصول وما في حيزه؛ لأن الموصول والصلة كشاء واحد خصوصا بعد التأويل.
وأما امتناع العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار فلضعفه لفظا ومعنى، أما معنى؛ فلأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام إلا بتكلف.
وأما لفظا؛ فلما فيه من الاختلاف، قيل: لا يجوز إلا في الضرورة، واختار ابن مالك تبعا للكوفيين جوازه في السعة. (1)
وقيل: إن أكد نحو: مررت بك أنت وزيد، جاز وإلا فلا.
وهذا رد على (ك): خرجه على العطف علي {سَبِيلِ} (2)، وصححه: بأن الكفر متحد مع الصد؛ لأنه تفسير له، فالفصل به كلا فصل، أو أنه على التقديم والتأخير. (3) إذ لا يخفى ضعفه." (4) أهـ (5)
(1) ينظر: شرح التسهيل، لابن مالك (3/ 375) وما بعدها.
(2)
ينظر: تفسير الكشاف (1/ 259).
(3)
يقصد الوجهين الذين نقلهما الإمام عبد الحكيم عن الإمام الزمخشري صـ (386) من هذا الجزء من التحقيق.
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301 - 302).
(5)
الخلاصة: هناك ستة أقوال في عطف قوله تعالى: {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} :
القول الأول: قَالَه الزَّمَخْشَرِيُّ، وابْنُ عَطِيَّةَ، وَتَبِعَا فِي ذَلِكَ الْمُبَرِّدَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى: {سَبِيلِ اللَّهِ} ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:" وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ."
…
الكشاف (1/ 259)، المحرر (1/ 290).
وقد اختار هذا القول - من قبل-: الإمام الطبري في تفسيره (4/ 300)، الإمام الواحدي في الوسيط (1/ 321)، الإمام القرطبي في تفسيره (3/ 45)، الإمام النسفي في " مدارك التنزيل "(1/ 180)، الإمام ابن عاشور في " التحرير والتنوير "(2/ 329).
ورد هذا القول: بأنه يستلزم الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي.
وذكر الإمام الزمخشري لصحة هذا القول وجهين: الأول: أن الكفر متحد مع الصد؛ لأنه تفسير له، فالفصل به كلا فصل، الثاني: أنه على التقديم والتأخير؛ للعناية بالمقدم والاهتمام به.
القول الثاني: قاله الإمام العكبري: " وَالْجَيِّدُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الصَّدُّ، تَقْدِيرُهُ: وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ." التبيان (1/ 175).=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=ورد صاحب " الدر المصون "(2/ 397) على هذا القول حيث ذكره ثم قال: " وهذا غيرُ جيد؛ لأنه يَلْزَمُ منه حذفُ حرفِ الجرِ وإبقاءُ عملهِ، ولا يجوزُ ذلك إلا في صورٍ ليس هذا منها، على خلافٍ في بعضها، ونصَّ النحويون على أنَّه [أي: خلاف هذه الصور] ضرورةٌ."
القول الثالث: قاله السجاوندي: إنه معطوف على {الشَّهْرِ} .
وهو رأي الفراء في " معاني القرآن "(1/ 141)، والإمام الراغب الأصفهاني في تفسيره (1/ 447).
وقد فصل المفسرون - من قبل- هذا القول والرد عليه. ينظر: تفسير الطبري (4/ 301)، مفاتيح الغيب (6/ 389)، الدر المصون (2/ 396).
ونذكر ملخصا رد الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 386): " وَكَوْنُهُ مَعْطُوفًا عَلَى {الشَّهْرِ} مُتَكَلَّفٌ جِدًّا، وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَظْمُ الْقُرْآنِ، وَالتَّرْكِيبُ الْفَصِيحُ."
القول الرابع: أن يكون مَعْطُوفا عَلَى الهاء فِي قَوْلِهِ: {وَكُفْرٌ بِهِ} ، أَيْ: وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَردَّ: بِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ.
إلا أن الإمام أبا حيان اختار هذا القول ودافع عنه، في " البحر المحيط " (2/ 387 - 389) حيث قال:" والذي نختاره أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ يُعَضِّدُهُ، وَالْقِيَاسَ يُقَوِّيهِ، [ثم ذكر شواهد كثيرة تؤكد وجود ذلك في السماع، ثم قال: ] وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ وَيُؤَكِّدَ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ جَارٍّ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ جَارٍّ، وإذا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَطْفَ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ ثَابِتٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي نَثْرِهَا وَنَظْمِهَا، كَانَ يَخْرُجُ عَطْفُ: {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، عَلَى الضَّمِيرِ فِي: {بِهِ}، أَرْجَحُ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْكَلَامِ، وَفَصَاحَةَ التَّرْكِيبِ تَقْتَضِي ذَلِكَ."
وتبعه فيه الإمام السمين الحلبي في " الدر المصون "(2/ 397)، وهو أيضا رأي الإمام الثعلبي في "الكشف والبيان "(2/ 140).
ورَد هذا الرأي أيضا الإمام الطيبي في " حاشيته على الكشاف "(2/ 371) حيث قال: " لا يجوز لفساد
…
المعنى؛ إذ لا معنى لـ: وكفر بالمسجد الحرام."
وأجاب عليه الإمام السيالكوتي في " حاشيته على البيضاوي " لوحة (348 / أ) حيث قال: " وفيه بحث؛ إذ الكفر قد ينسب إلى الأعيان باعتبار الحكم المتعلق بها، كقوله: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}."
القول الخامس: واختاره القاضي البيضاوي (1/ 137): " تقدير مضاف معطوف على صَدٌّ، أي: وصد المسجد الحرام."
ورد: بأن حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه بحاله مقصور على السماع.
وأجيب: بمنع الإطلاق؛ ففي كتاب " شرح التسهيل لابن مالك "(3/ 270 - 271): " إذا كان المضاف إليه إثر عاطف متصل به، أو مفصول بـ (لا) مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظا ومعنى، جاز حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على انجراره قياسا، وإذا انتفى واحد من الشروط كان مقصورا على السماع."
قال الإمام الألوسي في " روح المعاني "(1/ 405): " وفيما نحن فيه سبق إضافة مثل ما حذف منه." أي تحقق شرط القياس.
القول السادس: قيل: إن الواو للقسم وقعت في أثناء الكلام.
ذكر هذا القول الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(6/ 390) ثم قال: " إِلَّا أَنَّ الْجُمْهُورَ مَا أَقَامُوا لِهَذَا الْقَوْلِ وَزْنًا."