الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: الكتابَ المنزلَ لإزالة الاختلاف، وإزاحةِ الشقاق، والتعبيرُ عن الإنزال بالإيتاء؛ للتنبيه منْ أولِ الأمرِ عَلى كمال تمكُّنِهم من الوقوف على ما في تضاعيفِه من الحق، فإن الإنزالَ لا يفيد تلك الفائدةَ، أي: عكسوا الأمرَ؛ حيث جعلوا ما أُنزل لإزالة الاختلافِ سبباً لاستحكامه ورسوخِه.
{مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}
أي: رَسَخَتْ في عقولهم.
و{مِن} متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلامُ، أي: فاختلفوا، وما اختلف فيه إلخ. وقيل: بالملفوظ، بناءً على عدم منع إلا عنه، كما في قولك: ما قام إلا زيد يوم الجمعة.
ــ
(سببا لاستحكامه إلخ): " إشارة لدفع أنه لما لم يكن الاختلاف إلا من الذين أوتوه، فلا يكون الاختلاف سابقا على البعث.
وحاصل الدفع أن المراد هنا: استحكام الاختلاف واشتداده. يعني: أنزل الكتاب لإزالة الاختلاف فاستحكموه واشتدوا فيه." (1)(ع)
وعبارة (ك):
" أي: ازدادوا في الاختلاف لما أنزل عليهم الكتاب، وجعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الاختلاف واستحكامه."(2) أهـ
قال السعد:
" (أي: ازدادوا في الاختلاف)؛ لأن أصل الاختلاف كان موجودا قبل البعثة والإنزال (3)."(4) أهـ
(و {مِن} متعلقة إلخ) لم يتعرض (ق) ولا (ك) لبيان متعلق {مِن} فقال السعد:
" وكان ينبغي أن يتعرض لمتعلق {مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}، فإن الجمهور على امتناع تعدد الاستثناء المفرغ، مثل: " ما ضربت إلا زيدا يوم الجمعة تأديبا ".
وإذا جعل متعلقا بمضمر أي: اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم، لم يفهم الحصر مع أنه مقصود.
(1) المرجعان السابقان.
(2)
تفسير الكشاف (1/ 256).
(3)
خلاصة ذلك: أن الكتاب نزل والاختلاف موجود بالفعل؛ لأنه نزل ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، ثم ازداد ذلك الاختلاف بعد نزول الكتاب، وهذه الزيادة في الاختلاف وقعت من الذين أوتوا الكتاب، ووقت وقوعها كان بعدما وضحت الأدلة على صحته وجاءتهم البينات.
(4)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (134 / ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسيجيء لهذا زيادة بيان في قوله حكاية: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} (1)." (2) أهـ
وقال (ش) في نقله عنه:
" ولا يتعلق بما قبل (إلا)؛ لأن ما قبل (إلا) لا يعمل فيما بعدها.
ثم قال: وفي الدر المصون: تجويز ما منعه، قال:" هو إما متعلق بمحذوف تقديره: "اختلفوا" أو "ما اختلف قبله"، ولا يمنع منه إلا كما قاله أبو البقاء.
وللنحاة فيه كلام محصله: أن (إلا) لا يستثنى بها شيئان بدون عطف، أو بدلية (3).
وهذا هو الصحيح، لكن منهم من خالف فيه، وما استدل به المخالف مؤول.
وقد منع أبو الحسن (4): "ما أخذ أحد إلا زيد درهما "، وكذلك:"ما ضرب القوم أحدا إلا بعضهم بعضا "، وكذا قال أبو على وابن السراج (5).
(1) سورة: هود، الآية:27. وقد رجعت إلى هذا الموضع في حاشية السعد، ولم أجد فيه بيانا لذلك.
(2)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (134 / ب - 135 / أ).
(3)
البدل: هو التابع، المقصود بالحكم، بلا واسطة. وأقسام البدل أربعة:
الأول: بدل كل من كل، وهو بدل الشي مما هو طبق معناه، نحو: مررت بأخيك زيد.
الثاني: بدل بعض من كل، وهو بدل الجزء من كله، نحو: أكلت الرغيف ثلثه.
الثالث: بدل الاشتمال، وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال، نحو: أعجبني زيد علمه، وسرق زيد ثوبه.
الرابع: بدل الغلط والنسيان، نحو: رأيت طفلا رجلا، أردت أنك تخبر أولا أنك رأيت رجلا، فغلطت بذكر الطفل.
…
ينظر: أوضح المسالك (3/ 362)، شرح ابن عقيل (3/ 247).
(4)
أبو الحسن: هو علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن الرماني، المتوفى: 384 هـ، باحث معتزلي مفسر. من كبار النحاة. أصله من سامراء، ومولده ووفاته ببغداد. له نحو مائة مصنف، منها:(الأسماء والصفات)، و (صنفة الاستدلال) في الاعتزال، كتاب (التفسير)، و (شرح أصول ابن السراج - خ)، و (شرح سيبويه)، و (معاني الحروف)، (منازل الحروف)، و (النكت في إعجاز القرآن).
ينظر: وفيات الأعيان (3/ 299)، البلغة في تراجم أئمة النحو (1/ 210)، بغية الوعاة (2/ 180).
(5)
ينظر: الأصول في النحو، لابن السراج (1/ 283)، وابن السَرَّاج: هو محمد بن السري بن سهل، أبو بكر، المتوفى: 316 هـ، أحد أئمة الأدب والعربية. من أهل بغداد. كان يلثغ بالراء فيجعلها غينا. ويقال: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. مات شابا. وكان عارفا بالموسيقى. من كتبه: (الأصول) في النحو، و (شرح كتاب سيبويه)، و (الشعر والشعراء)، و (الخط والهجاء)، و (المواصلات والمذكرات) في الأخبار.
ينظر: وفيات الأعيان (4/ 339)، البلغة في تراجم أئمة النحو (1/ 265)، بغية الوعاة (1/ 109).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد أجازه أبو البقاء هنا على أن الكل محصور (1)، والمعنى: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه إلا من بعد ما جاءتهم البينات إلا بغيا." (2)
وقيل: ما ذكره من عدم إفادة الحصر ممنوع أيضا؛ إذ هو المقصود، فيقدر المتعلق مؤخرا على أنه قد يقال: أنه غير مقصود." (3) أهـ
وفي (ع):
" قال الرضي: " إن استثناء شيئين بأداة واحدة بلا عطف غير جائز مطلقا عند الأكثرين، لا على وجه البدل ولا غيره.
ويجوز عند جماعة مطلقا.
وفصّل بعضهم: إن كان المستثنى منهما مذكورين، والمستثنى بدلين جاز، وإلا فلا.
فإن استدل من أجاز مطلقا بقوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} (4) فإنه لم يذكر فيه المستثنى منهما، والتقدير: وما نراك اتبعك أحد في حال إلا أراذلنا في بادئ الرأي بلا روية. فلغيرهم أن يعتذروا بأنه منصوب بفعل مقدر أي: اتبعوا في بادئ الرأي، وبأن الظرف يكفيه رائحة الفعل، فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره." (5) أهـ
فعليك بالاعتبارين في قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} .
وعلى تقدير كونه معمولا لفعل مقدر، يكون الحصر مستفادا من حذف الفعل في اللفظ، ووقوع الظرف بعد حرف الاستثناء لفظا، أو من المقام.
ولكون هذه القاعدة مقررة في العلمين (6)، جارية في هذه الآية كما في سائر الأمثلة من غير اعتبار خصوصية زائدة، لم يتعرض له المصنف ولا (ك).
(1) ينظر التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء العكبري (1/ 171).
(2)
الدر المصون (2/ 378) بتصرف.
(3)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 298).
(4)
سورة: هود، الآية:27.
(5)
شرح الرضي على الكافية (1/ 193 - 194) باختصار.
(6)
في حاشية السيالكوتي بلفظ: في النحو، بدلا من لفظ: في العلمين.