الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَغْيًا بَيْنَهُمْ}
متعلِّقٌ بما تعلقتْ به {مِن} أي: اختلفوا بغياً وتهالُكاً على الدنيا.
ــ
فما قال السعد: " ينبغي أن يتعرض لبيان متعلق: {مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}."(1) مما لا يظهر وجهه (2)." (3)
{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} : " وظلما لحرصهم على الدنيا."(4)(ق)
قال (ش):
" وتفسير البغي: بالحسد ظاهر مما مر، وكذا بالظلم."(5) أهـ
(1) آخر عبارة للإمام سعد الدين صـ (306) من هذا الجزء من التحقيق.
(2)
خلاصة ذلك:
" قوله: {مِن بَعْدِ} فيه وجهانِ، أحدُهما: أنه متعلِّقٌ بـ {اخْتَلَفَ} الملفوظِ به، قاله أبو البقاء. [ينظر: التبيان (1/ 171).]
وهذا الذي أجازه أبو البقاء للنحاةِ فيه كلامٌ كثيرٌ. وملخَّصُه: أن (إلا) لا يُسْتَثْنَى بها شيئان دونَ عطفٍ أو بدليةٍ، وهذا هو الصحيحُ، وإنْ كان بعضُهم خالَفَ ذلك.
[ولمعرفة آراء النحاة في ذلك ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 292)، همع الهوامع (2/ 262)، حاشية الصبان على شرح الأشموني (2/ 223).]
فإن وَرَدَ من لسانِهم ما يُوهم جوازَ ذلك يُؤَوَّل. فمنه قولُه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: 43]، ثم قال:{بِالْبَيِّنَاتِ} ، فظاهر هذا أن {بِالْبَيِّنَاتِ} متعلقٌ {أَرْسَلْنَا} ، فقد استُثْنِيَ بـ (إلا) شيئان، أحدُهما:{رِجَالًا} ، والآخرُ:{بِالْبَيِّنَاتِ} . وتأويلُه: أنَّ {بِالْبَيِّنَاتِ} متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديره: أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؛ لئلا يلزَمَ منه ذلك المحذورُ." الدر المصون (2/ 377) بتصرف.
الوجه الثاني في قوله: {مِن بَعْدِ} :
" أن يَتَعَلَّقُ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، هذا العامل هو الذي يَنْتَصِبُ به: {بَغْيًا}، وَتَقْدِيرُهُ: اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ." البحر المحيط (2/ 368) بتصرف.
وهذا الوجه الثاني هو الذي صححه الإمام أبو حيان والإمام السمين الحلبي. ينظر: المراجع السابقة.
وقد كان لصاحب التحرير والتنوير رأي مختلف تماما عن كل ذلك، حيث قال:" وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَ كُلٍّ مِنَ الْمَجْرُورِ وَهُوَ: {مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ}، وَتَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ وَهُوَ: {بَغْيًا}، بِقَوْلِهِ: {اخْتَلَفَ} الَّذِي هُوَ مَحْصُورٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مَحْصُورًا فِي فَاعِلِ الْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَا بِهِ، فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ بَيْنَ النُّحَاةِ: فِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ بَعْدَ أَدَاةِ اسْتِثْنَاءٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ اسْتِثْنَاءَ أَشْيَاءَ، بَلِ اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُو: {الَّذِينَ أُوتُوهُ}، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ هُمَا: {مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ} و {بَغْيًا}، إِذِ الْمَقْصُودُ: بيان أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَمُعَانِدِيهِ، وَلَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ قَبْلَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْخِلَافِ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ الْخِلَافُ عَنْ مَقْصِدٍ حَسَنٍ: بَلْ كَانَ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ الْوَاحِدِ، مَعَ قِيَامِ الدَّلَائِلِ، وَبِدَافِعِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ." التحرير والتنوير (2/ 310 - 311).
(3)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (343 / ب).
(4)
تفسير البيضاوي (1/ 135). وينظر: تفسير الراغب (1/ 441).
(5)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 298).
وينظر: معالم التنزيل (1/ 272)، مفاتيح الغيب (6/ 376).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال (ع):
" البغي في اللغة: الطلب، استعمل في طلب ما لغيره لنفسه، ويلزمه الحسد والظلم (1)؛ فلذا فسره بهما، ولم يظهر فائدة توصيف الحسد بالظرف."(2) أهـ
{فَهَدَى اللَّهُ} إلخ: " قال ابن زيد (3): " هذه الآية في أهل الكتاب اختلفوا في القبلة، فصلت اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق، فهدانا الله للكعبة (4).
واختلفوا في إبراهيم، قالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانيا، فهدانا الله إلى أنه كان حنيفا مسلما (5).
واختلفوا في عيسى، فَرَّطَ اليهود فجعلوه لَغِيَّة (6)، وأفرط النصارى فجعلوه ربا، فهدانا الله لما هو الحق في شأنه (7). (8) " (9)(ز)
(1) ينظر (مادة بغى): المفردات (1/ 136)، مختار الصحاح (1/ 37)، وينظر: التحرير والتنوير (2/ 310).
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (343 / ب).
(3)
ابن زيد: هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، المتوفى: 182 هـ. كَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ، ضَعِيفًا جِدًّا، وقال أبو حاتم عنه: ليس بالقوي في الحديث، كان في نفسه صالحا وفي الحديث واهيا. صاحب كتاب:(الناسخ والمنسوخ)، و (التفسير)، روى عن أبيه، وابن المنكدر، وأخرج له الترمذيّ، وابن ماجة. وكانت وفاته بِالْمَدِينَةِ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هَارُونَ. ينظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (5/ 484)، ميزان الاعتدال (2/ 564)، طبقات المفسرين، للداودي (1/ 271).
(4)
قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144].
(5)
قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67].
(6)
في حاشية زادة بلفظ: لغرة.
ولِغَيَّة: هي من الغَيّ الذي هُوَ خِلَافُ الرُّشْدِ، وَالِاسْمُ: الْغَوَايَةُ بِالْفَتْحِ، ويقال: هُوَ لِغِيَّةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الشَّتْمِ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ لِزَنْيَةٍ. ينظر: المصباح المنير - مادة غوى (2/ 457).
(7)
قال تعالى حكاية عن اليهود: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]، وقال ردا على النصارى:{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]، وبين تعالى الحق بشأن عيسى عليه السلام:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [النساء: 171].
(8)
أخرجه الإمام الطبري في تفسيره (4/ 284)، رقم: 4061، وأخرجه ابن أبي حاتم (2/ 378) رقم: 1994، وذكره الإمام الثعلبي في " الكشف والبيان "(2/ 134)، والإمام البغوي في " معالم التنزيل "(1/ 272)، والإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(6/ 376)، والإمام ابن كثير في تفسيره (1/ 570)، والإمام السيوطي في " الدر المنثور"(1/ 583).
(9)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 512).