الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على نهْج العِظة والنصيحة.
{اتَّقِ اللَّهَ} :
واترُكْ ما تباشِرُه من الفساد، أو النفاق، واحذرْ سوءَ مغبَّتِه.
{أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}
أي: حملتْه الأَنَفةُ، وحَمِيةُ الجاهلية على الإثم الذي نُهِيَ عنه
ــ
(أي: حملته الأنفة): " في شمس العلوم (1): " أَنِفَ الرجل من الشاء أَنَفاً وأنَفَةً، إذا استنكف كأنه شمخ أنفه." (2)
و" الحَميّة: الأنفة "(3)؛ إشارة إلى أن العزة (4) - وهي خلاف الذل - مجاز عن سببها الذي هو الأنفة. " (5)
(الذي نُهِىَ عنه) زاد (ك):
" وألزمته ارتكابه، وأن لا يخلي عنه ضرارا (6) ولجاجا، أو على رد قول الواعظ."(7) أهـ
قال السعد:
" (وأن لا يخلي عنه) أي: عن الإثم، عطف على (ارتكابه)، يقال: خلى عن سبيله إذا تركه. (8)
(1) يقصد معجم: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، لنشوان بن سعيد الحميرى اليمني، ت: 573 هـ.
(2)
شمس العلوم - مادة أنف (1/ 342).
(3)
شمس العلوم - مادة حمى (3/ 1577).
(4)
العِزَّةُ: في الأصل: هي حالةٌ مانعة للإنسان من أن يُغلَب. وقد يمدح بالعِزَّةِ تارة كما في: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ويذمّ بها تارة كَعِزَّةِ الكفّارِ التي هي التَّعَزُّزُ كما في:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2]، وقد تستعار العِزَّةُ للحميّة والأنفة المذمومة كما في:{أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: 206]. ينظر: المفردات - مادة عز (1/ 563)، تاج العروس - مادة عزز (15/ 219).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (337 / أ).
(6)
ضرار: يقال: ضَرّهُ ضَرَراً، ، وضَارَّهُ ضِرَاراً، والاسمُ: الضَّرَرُ: ضِدّ النَّفْع، وهو فِعْلُ واحِد، والضِّرارُ فِعْلُ اثْنينِ، وَبِه فُسِّرَ الحديثُ:(لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرارَ)[أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 784)، كِتَاب الْأَحْكَامِ، بَاب مَنْ بَنَى فِي حَقِّهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ، رقم: 2340، صححه الألباني]، أَي: لَا يَضُرُّ الرَّجلُ أَخاهُ فيَنْقُصه شَيْئاً من حقّه، وَلَا يُجَازِيه على إِضْرارِه بإِدخالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وضارَّه أيضا: خاصمه. ينظر: أساس البلاغة - مادة ضرر (1/ 579)، تاج العروس - مادة ضرر (12/ 385).
(7)
تفسير الكشاف (1/ 251).
(8)
ينظر: مختار الصحاح - مادة خلا (1/ 96)، تاج العروس - مادة خلو (38/ 7).
لَجاجاً وعِناداً
ــ
(وضرارا): علة ارتكابه، وعدم التخلية عنه.
وقوله: (أو على رد) عطف على إثم. (1) " (2)
(لجاجا)" اللجاج واللجاجة: الخصومة، مصدر لججت بالكسر (3)، ولجاجا حال أو مفعول له، أي: لجاجا لمن يقول له: {اتَّقِ اللَّهَ} (4)."(5)(ع)
وفي (ش):
" (حملته إلخ) أراد أنه استعارة تبعية (6)، استعير الأخذ للحمل، بعد أن شبه إغراء حمية الجاهلية وحملها إياه على الإثم، بحالة شخص له على غريمه حق فيأخذه به ويلزمه إياه.
والمراد بالإثم: حقيقته (7)، وإليه أشار (ق) بقوله:(الذي يؤمر باتقائه)(8).
والأنفة: بفتحات: التكبر (9)،
(1) معنى عبارة الكشاف: أى حملته العزة التي هي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه، وألزمته تلك العزة ارتكاب ذلك الإثم المنهي عنه، وألزمته أيضا أن لا يخلى عنه ضرارا ولجاجا، أو حملته تلك العزة على ردّ قول الواعظ المشار إليه بقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ} أي: على نهْج العِظة والنصيحة - كما أشار إلى ذلك الإمام أبو السعود.
(2)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (133 / أ، ب).
(3)
القاموس المحيط - باب الجيم (1/ 203)، ينظر: الكليات - فصل اللام (1/ 798)، المعجم الوسيط - باب اللام (2/ 816).
(4)
سورة: البقرة، الآية:206.
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (337 / أ).
(6)
الاستعارة التبعية: هي التي يكون اللفظ المستعار فيها فِعْلاً، مثل: أشْرَقَ - يُشْرِقُ - أَشْرِقْ"، أو اسماً مشتقاً، مثل: "جَارِح - مَجْروح - جَرِيح - مَقْتَلَة - مَحْرقة -"، أو حرفاً من حروف المعاني، مثل: "اللام الجارّة - مِنْ - في - لن -". ينظر: مفتاح العلوم (1/ 380)، البلاغة العربية (2/ 237).
(7)
حقيقة الْإِثْم: الذَّنْب، ويطلق الإِثْم مجازا على الخمر؛ حيث سميت باسم ما تؤدي إِليه من الإِثم. ينظر: شمس العلوم - مادة أثم (1/ 147)، تاج العروس - مادة أثم (31/ 184).
(8)
تفسير البيضاوي (1/ 133).
(9)
ينظر: المصباح المنير - مادة أنف (1/ 26)، المعجم الوسيط - باب الهمزة (1/ 30).
من قولك: أخذتُه بكذا، إذا حملتُه عليه، أو ألزمته إياه.
ــ
والباء في: {بِالْإِثْمِ} ، للتعدية (1) أو للسببية (2). (3) " (4) أهـ
(من قوله: أخذ به بكذا إلخ)" في التاج: الأخذ والتأخذ: " بجرفتن "."(5)
ويعدى بالباء وبنفسه، ويستعمل في معان كثيرة منها:
أن يدل على العقاب: {فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ} (6)، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} (7).
ومنها: أن يدل على المقاربة، كقولهم: أخذ بقول فلان.
ومنها: أن يتلقى بما يتلقى به القسم (8): {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم} (9)، وليس هذا المعنى في الكتب المتداولة، ولعله [مما](10) يستعمل فيه الأخذ بمعنى التناول،
(1) باء التعدية: هي القائمة مقام الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به. نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] وتسمى باء النقل. ينظر: توضيح المقاصد (2/ 756)، الجنى الداني (1/ 37).
(2)
باء السببية: هي الباء الداخلة على سبب الفعل، نحو:{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: 13] أي: لعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم. ينظر: أوضح المسالك (3/ 33)، شرح التصريح (1/ 648).
(3)
ينظر: معالم التنزيل (1/ 264)، مفاتيح الغيب (5/ 349)، مدارك التنزيل (1/ 174)، البحر المحيط (2/ 332).
وقال السمين الحلبي في " الدر المصون "(2/ 354) ما ملخصه: " في هذه الباءِ ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها: أنْ تكونَ للتعديةِ، وهو قولُ الزمخشري - وذكر قوله السابق -.
الثاني: أن تكونَ للسببيةِ، بمعنى أنَّ إثمَه كان سبباً لأخْذِ العِزَّةِ له.
والثالث: أن تكونَ للمصاحبةِ، فتكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفيها حينئذٍ وجهانِ:
أحدُهما: أن تكونَ حالاً من: {الْعِزَّةُ} ، أي: ملتبسةً بالإِثمِ.
والثاني: أن تكونَ حالاً من المفعولِ أي: أَخَذَتْهُ ملتبساً بالإِثمِ. "
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 295).
(5)
لم أقف عليها في التاج، وفي الصحاح: الأخذ التناول. ينظر: مادة أخذ (2/ 559).
(6)
سورة: الأنعام، الآية:42.
(7)
سورة: هود، الآية:102.
(8)
أي: تفيد اتّصالِ القسم إلى المُقْسَم عليه.
(9)
سورة: آل عمران، الآية:81.
(10)
في ب: إنما. والمثبت أعلى هو الصحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن أخذ شخص بشخص شاء، يستلزم حكمه حمله عليه وإلزامه إياه. (1)
وفي النهر: " أخذته العزة: احتوت عليه وأحاطت به، وصار كالمأخوذ بها بالإثم، أي: مصحوبا أو مصحوبة بالإثم.
(أو للسبب)، أي: إثمه السابق كان سببا لأخذ العزة له." (2) أهـ
ومعنى قوله: " جرفتن ": إمساك وقبض.
" (ويجوز أن يكون من الأخذ بمعنى الأسر): في النهاية (3): "(كُنْ خَيْرَ آخِذٍ)(4)،
(1) الأَخْذ: في الأصل: حوز الشيء وتحصيله وتناوله، وهو ضد العطاء. ينظر: المفردات - مادة أخذ (1/ 67)، مختار الصحاح - مادة أخذ (1/ 14)، تاج العروس - مادة أخذ (9/ 393).
وقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى القبول: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي: يقبلها.
الثانى: بمعنى الحَبْس: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} [يوسف: 78] أَى: احبس.
الثالث: بمعنى العذاب والعقوبة: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102] أَى: عذابه.
الرّابع: بمعنى القتل: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} [غافر: 5] أَى يقتلوه.
الخامس: بمعنى الأَسْر: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5].
ينظر: الوجوه والنظائر، لأبي هلال العسكري (1/ 38)، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (1/ 133)، بصائر ذوي التمييز (2/ 104).
وقد زاد الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير"(2/ 271) معنى على هذه المعاني وهو: " التَّلَقِّي: مِثْلُ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم} [آل عمران: 81]، وَمِنْهُ أُخِذَ فُلَانٌ بِكَلَامٍ فُلَانٍ."
(2)
النهر الماد، بهامش تفسير " البحر المحيط "(1/ 117).
(3)
يقصد معجم: النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير، المتوفى: 606 هـ.
(4)
هذا جزء من حديث أخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 31)، كتاب المغازي والسرايا، رقم: 4322، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:«مَنْ يَمْنَعُكَ؟ » ، قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ، قَالَ:«تَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ » ، قَالَ: أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونُ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، قَالَ: فَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبِيلَهُ فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ ..... إلخ "، وقال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/ 238)، كتاب الجهاد، باب صلاة الخوف، رقم: 2504، [لسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني ت: 227 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الدار السلفية - الهند، ط: الأولى، 1403 هـ -1982 م]، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (3/ 312)، مسند جابر، رقم: 1778، [لأبي يعلى أحمد بن علي الموصلي ت: 307 هـ، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث - دمشق، ط: الأولى، 1404 - 1984]، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 193) بلفظ: " كن كخير آخذ "، مسند جابر ابن عبد الله رضي الله عنه، رقم 14929.