الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ محلّها النصبُ بـ
{قُلْ}
، وإنما جاز وقوعُ {قِتَالٌ} مبتدأً مع كونه نكرةً؛ لتخصُّصه إما بالوصف إنْ تعلق الظرفُ بمحذوفٍ وقعَ صفةً له، أي: قتالٌ كائن فيه. وإما بالعمل إن تعلق به.
وإنما أوثر التنكير؛ احترازاً عن توهم التعيين، وإيذاناً بأن المرادَ مطلقُ القتال الواقعِ فيه أيِّ قتالٍ كان.
ــ
{كَبِيرٌ} : " أي: ذنب كبير."(1)(ق)
قال (ش):
" لا شبهة في أن الأشهر الحرم حرم فيها القتال، من عهد إبراهيم إلى أوائل الإسلام، وكانت العرب في الجاهلية تدين به، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، حرمت للحج؛ لأنهم يأتون من الأماكن البعيدة، فجعل شهر للمجيء وشهر للذهاب وشهر لأداء المناسك، ورجب؛ لأنهم كانوا يعتمرون فيه، فيأتي للعمرة من حول الحرم، فجعل له شهر، فهي أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد، وإنما الخلاف: هل نسخت حرمتها بعد ذلك أولا؟
فقيل: لم تنسخ، وأنه لا يقاتل فيها إلا من قاتله عدوه فيقاتله للدفع، وهكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب قوم من الصحابة والفقهاء إلى: أن حرمتها نسخت بآية القتال المذكورة (2)،
(1) تفسير البيضاوي (1/ 136).
وقال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب (6/ 388): " وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {كَبِيرٌ} أَيْ: عَظِيمٌ مُسْتَنْكَرٌ، كَمَا يُسَمَّى الذَّنْبُ الْعَظِيمُ: كَبِيرَةً، قَالَ تَعَالَى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: 5]."
وينظر: تفسير الطبري (4/ 300)، الكشف والبيان (2/ 140)، الوسيط، للواحدي (1/ 321)، تفسير القرطبي (3/ 45).
(2)
هذا القول نقله المفسرون عن ابْن عَبَّاسٍ، وَسَعِيد بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاك، وَسُلَيْمَان بْنُ يَسَارٍ، وَقَتَادَة، وَالْأَوْزَاعِيّ، وعطاء بن ميسرة، والزُّهْرِيّ، وسُفْيَان الثَّوْرِيَّ.
واختار هذا القول: الإمام الطبري في تفسيره (4/ 313)، الإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ "(1/ 121)، وسيأتي تفصيل المسألة فيما بعد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما كونها جزاء لقوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (1) فالمراد بها أشهر معينة (2)، فلا يدل على عدم [حرمته في غيرها من الحرم، فلا يدل على عدم](3) نسخ حرمته في غيرها من الحرم. " (4) أهـ بزيادة (نسخ)
وفي السعد:
" (وأكثر الأقاويل على أنها منسوخة بقوله: (اقتلوا (5) المشركين)) كلام المصنف (6).
وفي القرآن: {فَاقْتُلُوا} جزاء لقوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (7)، المعينة في أربعة أشهر حرم قتالهم فيها، أشير إليها بقوله:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (8)، فلا ينافي نسخ حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقا.
فإن قيل: هذه الآية إنما تعم الأمكنة لقوله: {حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (9) دون الأزمنة، فغايته النسخ في [حق](10) البلد الحرام؟
(1) سورة: التوبة، الآية:5.
(2)
معنى قوله: المراد بها أشهر معينة. نوضحه بما ذكره صاحب " التحرير والتنوير "(2/ 326 - 327) حيث قال: " قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 1 - 5]، فَإِنَّهَا صَرَّحَتْ بِإِبْطَالِ الْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْهُدْنَةِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} [التوبة: 13]. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَّلَهُمْ أَجَلًا، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَهُوَ تِسْعَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ وَقَدْ خرج الْمُشْركُونَ لِلْحَجِّ، فَقَالَ لَهُمْ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، فَأَخَّرَهَا [إلى] آخِر الْمُحَرَّمِ مِنْ عَامِ عَشَرَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}، أَيْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}، فَنَسَخَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ."
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من ب.
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301).
(5)
في تفسير الكشاف بلفظ: {فَاقْتُلُوا} بالفاء وهو نص الآية.
(6)
أي إلى آخر كلام المصنف. تفسير الكشاف (1/ 259).
(7)
سورة: التوبة، الآية:5.
(8)
سورة: التوبة، الآية:2.
(9)
سورة: التوبة، الآية:5.
(10)
سقط من ب، والمثبت أعلى هو المناسب للسياق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلنا: بعضهم على أن الإيجاب المطلق يرفع التحريم المقيد كالعام للخاص، ولو سلم فالإجماع على أن حرمتي الزمان والمكان لا يفترقان، فيجعل عموم الأمكنة قرينة عموم الأزمنة، وترتفع حرمة الأشهر.
فإن قيل: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} نكرة في الإثبات وهي لا تعم، فمن أين يلزم بإيجاب قتال المشركين نسخه؟
قلنا: بل هو عام بعموم الوصف، أو بقرينة المقام، ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين حرام مطلقا من غير تقييد بالأشهر الحرم." (1) أهـ
قال (ش):
" وهذا بناء على نسخ الخاص بالعام، والمقيد بالمطلق، عند الحنفية، والشافعية لا تقول به كما بُيِّن في الأصول (2)، وأما ما ذكره (3) من الإجماع فمحل نظر."(4) أهـ
وفي (ع):
" (والأكثر على أنه منسوخ) أي: حرمة القتال مع المشركين، كما يدل عليه السؤال والجواب، منسوخ بقوله تعالى في سورة براءة:{فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (5).
فإن المراد بالأشهر الحرم: أربعة أشهر معينة أبيح للمشركين السياحة فيها؛ لقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (6).
(1) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ).
(2)
أي في كتب أصول الفقه. ينظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 291)[لعبد العزيز بن أحمد البخاري الحنفي ت: 730 هـ، دار الكتاب الإسلامي]، نهاية السول شرح منهاج الوصول (1/ 212)[لعبد الرحيم بن الحسن الإسنوي الشافعيّ، ت: 772 هـ، دار الكتب العلمية -بيروت، ط: الأولى 1420 هـ- 1999 م].
(3)
السعد في عبارته السابقة من أن: " الإجماع على أن حرمتي الزمان والمكان لا يفترقان."
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301).
(5)
سورة: التوبة، الآية:5.
(6)
سورة: التوبة، الآية:2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتقييد بها يفيد: أن قتلهم بعد انسلاخها مأمور به في جميع الأمكنة والأزمنة، فاندفع ما قيل: إن الصواب: واقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم؛ لأن قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} جزاء لقوله: {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} ، فلا يدل على النسخ.
وما قيل: إن هذه الآية تفيد عموم الأمكنة دون الأزمنة، فغايته النسخ في البلد الحرام دون الأشهر الحرم، ولا حاجة في دفعه إلى ما تمحل به التفتازاني:" من أن بعضهم: ذهب إلى أن الإيجاب المطلق يرفع التحريم المقيد كالعام والخاص، ولو سلم فالإجماع على أن حرمتي الزمان والمكان لا يفترقان، فيجعل عموم الأمكنة قرينة عموم الأزمنة، وترتفع حرمة الأشهر الحرم."(1)
فإن مذهب البعض: لا يجوز رفع المقيد بالمطلق، والخاص بالعام بناء على أن قول الأكثر عليه، وأن الإجماع المذكور لا يوجب كون عموم الأزمنة مستفادا من اللفظ، حتى يتحقق التعارض بين النصين، فيحتاج إلى القول بالنسخ." (2) أهـ
وقد عرفت تقدير (ق)(3)، وفي (ك):" أي: إثم كبير."(4)
وقال (ع):
" ففي هذا الجواب تقرير لحرمة القتال فيه، وأن ما اعتقدوه من استحلاله - عليه (5) السلام - القتال فيه باطل، وما وقع من أصحابه كان إما لظنهم أنه آخر يوم من جمادى الآخرة كما ذكره المصنف، وإما لخطأ في الاجتهاد على ما في المواهب: " من أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نحن في أول يوم من رجب فإن قاتلناهم هتكنا حرمة رجب، وإن تركناهم الليلة رحلوا." (6) "(7) أهـ
(1) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ).
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (346 / ب).
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 136)، وهو:" ذنب كبير."
(4)
تفسير الكشاف (1/ 259).
(5)
في ب بزيادة: الصلاة و.
(6)
المواهب اللدنية (1/ 204).
(7)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (346 / أ - ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال (ز):
"فإن قيل: {قِتَالٌ} نكرة فلو أعيد معرفة لكان عين الأول، ودل على استعظام المذكور المسئول عنه، وهو قتال عبد الله بن جحش، وحيث أعيد نكرة، كان غير الأول، فلم يفهم استعظام قتال عبد الله وعده كبيرة، فما الوجه؟
والجواب: أن ليس المراد تعظيم المسئول عنه حتى يعاد بـ (أل)، بل المراد تعظيم القتال المغاير لهذه الوقيعة، إلا أنه لم يصرح بهذا المقصود، بل أبهم الكلام للإيهام؛ وذلك لأن قتاله كان لنصرة الإسلام، وإذلال الكفر وأهله، فليس من الكبائر، بل الذي يكون منها هو القتال المغاير له، وهو ما كان فيه إذلال الإسلام ونصرة الكفر، فاختير التنكير لهذه [الدقيقة](1)، وأبهم الكلام، بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه، وباطنه موافقا للحق، لكونه أدخل في النصح، وإصغاء الخصم إلى كلام الناصح.
فسبحان من له في كل كلمة من كلمات كتابه سر لطيف، لا يهتدي إليه إلا أرباب الألباب." (2) أهـ
ولعل هذا ما أشار السعد (3) سابقا لرده، تأمل (4).
(1) في ب: الوقيعة، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(2)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 519).
(3)
عبارة السعد صـ (368) من هذا الجزء من التحقيق.
(4)
بيان هذا: حق النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها، أن يعاد معرفة نحو:{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزَّمل: 15 - 16]، فإذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى. ينظر: الإتقان (2/ 352).
وفي هذه الآية أعيدت نكرة، واختلف المفسرون في بيان وجه ذلك على أقوال:
الأول: قول الإمام العكبري: " لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْظِيمَ الْقِتَالِ الْمَذْكُورِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ حَتَّى يُعَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، بَلِ الْمُرَادُ تَعْظِيمُ أَيِّ قِتَالٍ كَانَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَعَلَى هَذَا الْقِتَالُ الثَّانِي غَيْرُ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ."التبيان (1/ 174).
ولكن رد عليه الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 384)، وتبعه صاحب " الدر المصون " (2/ 391) حيث ذكر قول الإمام العكبري ثم قال: " وهذا غيرُ واضحٍ؛ لأنَّ الألف واللامَ في الاسمِ المُعادِ أولاً لا تفيدُ تعظيماً، بل إنما تفيدُ العهد في الاسمِ السابقِ.
وأَحْسَنُ منه قَولُ بعضِهم [وهذا هو القول الثاني]: «إنَّ الثاني غيرُ الأولِ، وذلك أنَّ سؤالهم عن قتالِ عبدِ الله بن جحش، وكان لنصرةِ الإِسلامِ. وخُذْلانِ الكفرِ فليس من الكبائرِ، بل الذي من الكبائرِ قتالٌ غيرُ هذا، وهو ما كانَ فيه إذلالُ الإِسلامِ ونصرةُ الكفرِ، فاختير التنكيرُ في هذين اللفظين لهذه الدقيقةِ، ولو جِيء بهما معرفتين أو بأَحدِهما مُعَرَّفاً لَبَطَلَتْ هذه الفائدةُ» ."
ومن أصحاب هذا القول الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(6/ 388)، وشيخ زادة في حاشيته على البيضاوي (2/ 519).=
عن عطاءٍ أنه سُئل عن القتال في الشهر الحرام، فحلف بالله ما يحِلّ للناس أن يغزوا في الحَرَم، ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه، وما نُسخت.
وأكثرُ الأقاويل: أنها منسوخةٌ بقوله - تعالى -: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} .
ــ
(وما نسخت): بل هي محكمة، وروي عن جابر (1): لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى. (2)
(وأكثر الأقاويل إلخ): عرفت الكلام في هذا.
{حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} في (ق):
" وهو نسخ للخاص بالعام، وفيه خلاف."(3)
=ولكن الإمام سعد الدين التفتازاني في حاشيته على الكشاف لم يعجب بهذا الرأي ورده، ينظر: حاشية السعد لوحة (135 / ب - 136 / أ)، وأيد صاحبُ " التحرير والتنوير " الإمامَ السعد في ذلك حيث قال:" وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ لَفْظَ الْقِتَالِ ثَانِيًا بِاللَّامِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ بِاتِّحَادِ الْوَصْفَيْنِ فِي لَفْظِ السُّؤَالِ وَلَفْظِ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَرْفُ (فِيهِ)، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّكِرَةِ بِاللَّامِ إِذَا أُعِيدَ ذِكْرُهَا إِلَّا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تِلْكَ الْأُولَى لَا غَيْرُهَا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَّحِدِ [يقصد بقرينة أخرى غير التعريف]، قَالَ [السعد] التَّفْتَازَانِيّ: «فالمسئول عَنْهُ هُوَ الْمُجَابُ عَنْهُ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَمَا توهِّمَ [بعضهم معتمدا] عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَرْبَةِ لَازِمٍ.» يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْقَرَائِنَ." التحرير والتنوير (2/ 325).
(1)
جابر: هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السملي، المتوفى: 78 هـ، صحابي، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، ولم يشهد الأولى، غزا مع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، وهو من المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه جماعة من الصحابة، وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. روى له البخاري ومسلم وغيرهما 1540 حديثا. توفي بالمدينة.
ينظر: الاستيعاب (1/ 219)، أسد الغابة (1/ 492)، الإصابة (1/ 546).
(2)
أخرجه الإمام الطبري في تفسيره (4/ 300)، رقم: 4081، والإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ "(1/ 121)، بسنده عن أبي الزبير عن جابر، ثم قال الإمام النحاس:" وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نَسْخِ الْآيَةِ." والرواية لها تتمة وردت عند الإمامين الطبري والنحاس، وهي:" أَوْ يَغْزُوَ فَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخَ."
وذكره الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(6/ 388)، والإمام القرطبي في تفسيره (3/ 44).
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 137).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال (ز):
" ذهب الحنفية إلى أن العام مثل الخاص في القطعية، فينسخ كل واحد منهما بالآخر.
والشافعية إلى أن العام ظني والخاص قطعي، فلا ينسخ الثاني الأولُ. " (1)
وفي (ع):
" (وفيه خلاف إلخ): فإن الحنفية يقولون به، والشافعية يقولون: إن الخاص سواء كان متأخرا عن العام أو متقدما عنه مخصص له؛ لكون العام عندهم ظنيا، والظني لا يعارض القطعي."(2) أهـ
قال (ق):
" والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال فيه مطلقا، فإن {قِتَالٌ فِيهِ} نكرة في حيز مثبت؛ فلا تعم."(3) أهـ
قال (ع):
" لأنه مخرج مخرج الجواب لسؤالهم، فيفيد أن:{قِتَالٌ فِيهِ} ذنب كبير، فاندفع ما قيل: إنها عامة؛ لكونها موصوفة بوصف عام، أو بقرينة المقام.
ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين حرام قطعا من غير تقييد بالأشهر الحرم؛ لأنا لا نسلم أنها موصوفة؛ لأن الجار والمجرور ظرف لغو، ولو سلم فلا نسلم عموم الوصف، بل هو مخصص لها بالقتال الواقع في الشهر الحرام المعين.
وكون الأصل مطابقة الجواب للسؤال قرينة على الخصوص، وكون المراد: قتال المشركين على عمومه غير مسلم؛ لأن الكلام في القتال المخصوص، ولو سلم عمومها في السؤال، فلا نسلم عمومها في الجواب، بناء على ما ذكره الراغب: " أن النكرة المذكورة إذا أعيد ذكرها يعاد معرفة نحو: سألتني عن رجل، والرجل كذا وكذا.
(1) حاشية زادة على البيضاوي (2/ 520).
وينظر: البحر المحيط في أصول الفقه (4/ 35)، غاية الوصول في شرح لب الأصول (1/ 85)[لزكريا ابن محمد بن زكريا الأنصاري، ت: 926 هـ، دار الكتب العربية الكبرى، مصر].
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (346 / ب).
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 137).
وينظر: غرائب القرآن (1/ 597)، روح المعاني (1/ 503).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ففي تنكيرها تنبيه: على أن ليس كل قتال في الشهر الحرام حكمه هذا، فإن قتال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لم يكن هذا حكمه، فقد قال:(أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.)(1)" (2) "(3)
وفي (ش):
" (والأولى منع إلخ) أجيب عنه: بأنه عام بعموم الوصف وقرينة المقام؛ ولذا صح إبداله من المعرفة، أو وقوعه مبتدأ خبره:{كَبِيرٌ} على وجهي إعرابه.
ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين لا يحل مطلقا، وأيضا لا يخفى أن سبب النزول يقتضي حرمته، وأنه إنما اغتفر للخطأ فيه.
وأما أن قتال المسلمين لا يحل مطلقا، ففيه: أنه يحل قتال أهل البغي." (4) أهـ
(1) هذا جزء من حديث رواه ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لا يُخْتَلَى خَلاهَا، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، إِلَّا لِمُعَرِّفٍ» ، وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه "(3/ 14)، رقم: 1833، كتاب: جزاء الصيد، بَاب: لا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ، وأخرجه الإمام مسلم في " صحيحه "(2/ 988)، رقم: 1355، كِتَاب: الْحَجِّ، بَاب: تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ، مع اختلاف اللفظ عن حديث البخاري، وأخرجه الإمام النسائي في " سننه "(5/ 211)، رقم: 2892، كِتَاب: مَنَاسِكِ الْحَجِّ، باب: النَّهْيُ أَنْ يُنَفَّرَ صَيْدُ الْحَرَمِ، بزيادة عن لفظ البخاري، وقال عنه الإمام الألباني: صحيح. وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(4/ 133)، رقم: 2278، مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بلفظ البخاري، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.
(2)
تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 447).
(3)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (346 / ب - 347 / أ).
(4)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 301).
خلاصة مسألة النسخ: اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ: حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا في ذَلِكَ الْحُكْمَ هَلْ بَقِيَ أَمْ نُسِخَ؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَأَنَّ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مُبَاحٌ، وَالنَّاسُ بِالثُّغُورِ الْيَوْمَ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ الْغَزْوَ مُبَاحًا فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا.
وَالْحُجَّةُ فِي إِبَاحَتِهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} ، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ وَلِذَلِكَ قَاتَلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم ثَقِيفًا فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ عَقِبَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ. وَأَغْزَى أَبَا عَامِرٍ إِلَى أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وهذا القول نقله المفسرون عن ابْن عَبَّاسٍ، وَسَعِيد بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاك، وَسُلَيْمَان بْنُ يَسَارٍ، وَقَتَادَة، وَالْأَوْزَاعِيّ، وعطاء بن ميسرة، والزُّهْرِيّ، وسُفْيَان الثَّوْرِيَّ.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=واختار هذا القول: الإمام الطبري في تفسيره (4/ 313)، الإمام النحاس في " الناسخ والمنسوخ "(1/ 121)، الإمام الماوردي في " النكت والعيون "(1/ 274)، الإمام ابن عطية في " المحرر الوجيز "(1/ 290)، الإمام ابن الجوزي في " زاد المسير "(1/ 182)، الإمام النسفي في مدارك التنزيل (1/ 180).
الثاني: أن هذه الآية محكمة غير منسوخة. والذي رجح هذا القول هو الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 384) حيث قال: " وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمْ تُنْسَخْ، وَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَغْزُوَ فِي الْحَرَمِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُقَاتَلُوا فِيهِ، وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا.
وَرَوَى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَغْزُو فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} .
وَرَجَحَ كَوْنُهَا مُحْكَمَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَدَى ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَرَدَّ الْغَنِيمَةَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بَعْدَهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهَذَا خَاصٌّ، وَالْعَامُّ لَا يَنْسَخُ الْخَاصَّ بِاتِّفَاقٍ."
الثالث: أن هَذِهِ الْآيَة لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ النَّسْخِ فِيهِا؛ لأن قَوْله:{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا وَاحِدًا، وَلَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَفْرَادِ.
واختار هذا الرأي الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(6/ 388)، والإمام البيضاوي في تفسيره (1/ 137).
لكن رد هذا القول صاحب تفسير " المنار "(2/ 251) حيث ذكر قول الإمام البيضاوي، ثم قال:" وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى الْمَنْعِ الْمُطْلَقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ لَفْظِ الْقِتَالِ فِيهَا عَامًّا، وَرُبَّمَا كَانَتْ دَلَالَةُ النَّكِرَةِ فِيهَا أَدَلَّ عَلَى إِطْلَاقِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ قِتَالٍ فِي جِنْسِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ."
ورده أيضا الإمام السعد في " حاشيته على الكشاف " لوحة (136 / أ) حيث قال: " بل هو عام بعموم الوصف، أو بقرينة المقام، ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا؛ لأن قتال المسلمين حرام مطلقا من غير تقييد بالأشهر الحرم."
وقد رد الإمام عبد الحكيم في " حاشيته على البيضاوي " على رأي الإمام السعد. تنظر: عبارته الأخيرة.
وفي نهاية المسألة نذكر قول الإمام الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير "(2/ 327) ملخصا: "وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ قَرَّرَتْ حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِحِكْمَةِ تَأْمِينِ سُبُلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَبْطَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عَامِ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ، إِذْ قَدْ صَارَتْ مَكَّةُ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قُرَيْشٌ وَمُعْظَمُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَالْبَقِيَّةُ مُنِعُوا مِنْ زِيَارَةِ مَكَّةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي إِبْطَالَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ فِيهَا لِأَجْلِ تَأْمِينِ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَبْقَ الْحَجُّ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا قِتَالَ بَيْنَهُمْ، فَتَسْمِيَتُهُ نَسْخًا تَسَامُحٌ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِهَاءُ مَوْرِدِ الْحُكْمِ، فَمَعْنَى نَسْخِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ قَدِ انْقَضَتْ، كَمَا انْتَهَى مَصْرِفُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِانْقِرَاضِهِمْ."