الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ}
تحذيرٌ من الارتداد، أي: ومن يفعلْ ذلك بإضلالهم وإغوائهم
بأن لم يرجِعْ إلى الإسلام، وفيه ترغيبٌ في الرجوعِ إلى الإسلام بعد الارتداد.
ــ
{وَمَن يَرْتَدِدْ} : " يرجع."(1)(ك)
قال (ز):
" لما بين تعالى أن غرضهم من المقاتلة أن يردوا المسلمين عن دينهم، ذكر بعده وعيدا للمرتد فقال: {وَمَن يَرْتَدِدْ} إلخ. "(2) أهـ
" وفي النهر: الدين: الإسلام (3)، " وبنى افتعل من الردة، وهو بمعنى: التعمد والتكلف؛ إذ من باشر دين الحق يبعد أن يرجع عنه، فهو متكلف في ذلك." (4) "(5)(ع)
(أي ومن يفعل ذلك إلخ) في (ك):
" {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِي} ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ويطاوعهم على رده إليه."(6) أهـ
قال السعد:
" (ويطاوعهم) أي: الكفار.
(على رده) أي: ردهم إياه، إضافة المصدر إلى المفعول.
(إليه) أي: إلى دينهم." (7) أهـ
(وفيه ترغيب إلخ): حيث رتب الجزاء على شرط مقيد بما عطف عليه. (8)
(1) تفسير الكشاف (1/ 259).
(2)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 522).
(3)
عبارة (الدين: الإسلام) غير موجودة في النهر الماد، لكنها موجودة في العبارة الأصلية في البحر المحيط (2/ 391).
(4)
النهر الماد، بحاشية البحر المحيط (1/ 150).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (348 / ب).
(6)
تفسير الكشاف (1/ 259).
(7)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ).
(8)
يقصد: أنه رتب إحباط الأعمال النافعة والخلود في النار على الارتداد المقيد بالموت عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في (ق):
" {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بطلت حسناتهم.
قيد الردة بالموت عليها في إحباط الأعمال، كما هو مذهب الشافعي رحمه الله (1) -، والمراد بها: الأعمال النافعة.
وقرئ: (حبَطَت) بالفتح، وهو لغة فيه (2) " (3) أهـ
وفي (ك):
" {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} لما يفوتهم - لإحداث (4) الردة - مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام، باستدامتها (5) والموت عليها من ثواب الآخرة.
وبها احتج الشافعي: على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها، وعند أبي حنيفة: أنها تحبطها وإن رجع مسلما." (6) أهـ
كتب السعد:
" (لما يفوتهم) متعلق بـ {حَبِطَتْ} .
و(مما للمسلمين) بيان لما يفوتهم.
(من ثمرات) بيان لما للمسلمين، ثم عطف باستدامتها على (بإحداث)، والضمير: للردة.
و(من ثواب) على (مما للمسلمين).
(1) في ب بزيادة: تعالى.
(2)
قرأ الجماعة: {حَبِطَتْ} ، بكسر الباء.
وقرأ الحسن وأبو السمال (حبَطت) بفتح الباء، وهي قراءة أبي السمال في جميع القرآن.
والفتح والكسر لغتان، والمشهور فيهما: الكسر.
ينظر: الكشف والبيان (2/ 141)، الكامل في القراءات (1/ 556)، المحرر الوجيز (1/ 291)، البحر المحيط (2/ 394)، الدر المصون (2/ 401)، روح المعاني (1/ 505).
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 137).
(4)
في تفسير الكشاف بلفظ: (بإحداث)، وهو الصحيح.
(5)
في تفسير الكشاف بواو العطف قبل لفظ: (باستدامتها).
(6)
تفسير الكشاف (1/ 259).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: (وبها احتج الشافعي) بناء على أنها لو أحبطت الأعمال مطلقا لما كان للتقييد بقوله: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} فائدة، لا بناء على أنه جعل شرطا في الإحباط.
وعنده لا ينتفي المشروط؛ لأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى، بل غايته السببية والملزومية، وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب واللازم؛ لجواز تعدد الأسباب.
ولو كان شرطا بهذا المعنى، لم يتصور خلاف في القول بمفهوم الشرط.
واحتج أبو حنيفة بقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (1).
وأجيب: بأنه يحمل على المقيد؛ عملا بالدليلين.
ورد: بأن ذلك إنما يكون إذا كان القيد في الحكم، واتحدت الحادثة، وأما في السبب فلا؛ لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد، وتمام ذلك في الأصول (2).
وقيل: ثمرة الخلاف تظهر: فيمن صلى، ثم ارتد - نعوذ بالله (3) - ثم أسلم، يلزمه عند أبي حنيفة قضاء تلك الصلاة، خلافا للشافعي. وفيه نظر." (4) أهـ
وكتب (ع) على قول (ق):
" (في إحباط الأعمال) هذا مبني على أن قوله: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} تذييل معطوف على الجملة الشرطية (5)، أما لو كان معطوفا على الجزاء، فتكون مجموع الإحباط والخلود في النار مترتبا على الموت على الردة، فلا يتم تمسك الشافعي حينئذ.
والمراد: الأعمال السابقة على الارتداد، إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل، فلا معنى لما قيل.
(1) سورة: المائدة، الآية:5.
(2)
أي: كتب أصول الفقه. ينظر: أصول السرخسي (1/ 75)[لمحمد بن أحمد، شمس الأئمة السرخسي ت: 483 هـ، دار المعرفة - بيروت]، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة (1/ 317)[لابن الدَّهَّان محمد بن علي، أبي شجاع، ت: 592 هـ، تحقيق: د. صالح الخزيم، مكتبة الرشد - السعودية، ط: الأولى، 1422 هـ - 2001 م]، فصول البدائع في أصول الشرائع (1/ 299) [لمحمد بن حمزة الفناري ت: 834 هـ، تحقيق: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، 2006 م - 1427 هـ].
(3)
في ب بزيادة: تعالى.
(4)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ - ب).
(5)
قال الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 394) ما ملخصه: " {وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، هَذِهِ الْجُمْلَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَاءَ إِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخُلُودِ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ وَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ: {فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}، فَتَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْجَزَاءِ جَزَاءٌ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ مُرَجَّحٌ، وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِقْلَالَ."
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة التقييد: أن إحباط جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل موقوف على الموت على الكفر، حتى لو مات مؤمنا لا يحبط إيمانه، ولا عمل يقارنه، وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد.
وقوله: (كما هو مذهب الشافعية) وقال أبو حينفة:
مجرد الارتداد يوجب الإحباط لقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (1).
وحمل المطلق على المقيد مشروط: بكون الإطلاق والتقييد في الحكم، واتحاد الحادثة، وههنا في السبب.
وثمرة الخلاف تظهر: فيمن صلى ثم ارتد ثم أسلم، والوقت باق، يلزمه عند أبي حنيفة قضاء الصلاة خلافا للشافعي، وكذا في الحج.
وقوله: (الأعمال النافعة إلخ) أي: في الدنيا والآخرة، أي: الحسنات؛ إذ لا يتعلق الحبط بغير النافعة. (2)
في النهاية: " أحبط الله عمله: أبطله، يقال: حبط عمله: بطل، وأحبطه غيره.
وهو من قولهم: حبطت الدابة حبطا بالتحريك: إذا أصابت مرعى طيبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت." (3) "(4) أهـ
(1) سورة: المائدة، الآية:5.
(2)
ينظر: الكشف والبيان (2/ 141)، معالم التنزيل (1/ 276).
وقال صاحب " التحرير والتنوير "(2/ 333): " وَالْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ: الْأَعْمَالُ الَّتِي يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى- وَيَرْجُونَ ثَوَابَهَا بِقَرِينَةِ أَصْلِ الْمَادَّةِ وَمَقَامِ التَّحْذِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَتِ الْأَعْمَالُ الْمَذْمُومَةُ لَصَارَ الْكَلَامُ تَحْرِيضًا، وَمَا ذُكِرَتِ الْأَعْمَالُ فِي الْقُرْآنِ مَعَ حَبِطَتْ إِلَّا غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِالصَّالِحَاتِ اكْتِفَاءً بِالْقَرِينَةِ."
(3)
النهاية في غريب الحديث - مادة حبط (1/ 331).
(4)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (348 / ب - 349 / أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (ز):
" أصل الحبوط: الفساد، قال أهل اللغة: أصل الحبط: أن تأكل الإبل تبنا يضرها فتعظم بطونها فتهلك.
وسمي بطلان العمل بطرو (1) ما يفسده حبطا؛ تشبيها له بهلاك الإبل بتناول ما يضر (2).
وطريان الردة على الإسلام يبطل على المرتد ما يترتب على الإسلام في الدنيا والآخرة.
أما إحباط الأعمال في الدنيا: فهو أنه يقتل عند الظفر به (3)، [ويقاتل إلى أن يظفر به](4)، ولا يستحق من المسلمين موالاة ولا نصرا ولا ثناء حسنا، وتبين زوجته منه (5)، ولا يستحق ميراثا من المسلمين (6). (7)
وأما إحباط الأعمال في الآخرة: فهو أن هذه الردة تبطل استحقاقهم الثواب الذي استحقوه بأعمالهم السالفة، وليس المراد إحباط نفس العمل؛ لأن الأعمال أعراض كما توجد تفنى وتزول، وإعدام المعدوم محال، بل المراد به ما ذكر (8).
(1) طرو: أَصله الْهَمْز، من طَرأَ يَطْرأُ طُرُوء، يُقَال: طَرَأَ فلان مهموزاً، إِذا جاءَ مُفاجَأَةً، ومن المجاز: طرأ عليّ همّ لا أطيقه، وطرأ عليّ شغل منعني من المسير.
ينظر: مادة (طرأ) في: أساس البلاغة (1/ 597)، تاج العروس (1/ 324).
(2)
ينظر: مادة (حبط) في: الصحاح تاج اللغة (3/ 1118)، المفردات (1/ 216)، أساس البلاغة (1/ 165)، مختار الصحاح (1/ 65).
(3)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ."[أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (9/ 5)، رقم: 6878، كِتَاب: الدِّيَاتِ، بَاب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].]
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من ب.
(5)
أي: تُطَلَّقُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا بَائِنًا، فَلَا تَعُودُ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.
(6)
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . [أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (6/ 165)، رقم: 6764، كِتَاب: الفَرَائِضِ، بَاب: لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ.]
(7)
ينظر أحكام المرتد في: الإشراف على مذاهب العلماء (8/ 25)[لأبي بكر محمد بن المنذر ت: 319 هـ، تحقيق: صغير الأنصاري، مكتبة مكة الثقافية، الإمارات، ط: الأولى، 1425 هـ - 2004 م]، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (6/ 98)[لحسين بن عودة العوايشة، المكتبة الإسلامية - الأردن، ط: الأولى، من 1423 - 1429 هـ].
(8)
ينظر: مفاتيح الغيب (6/ 393)، غرائب القرآن (1/ 599).