الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ}
بيانٌ لاستحكام عداوتهم، وإصرارِهم على الفتنة في الدين.
{حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ}
الحقِّ إلى دينهم الباطلِ.
وإضافةُ الدين إليهم؛ لتذكير تأكُّدِ ما بينهما من العلاقة الموجبةِ لامتناع الافتراق.
{إِنِ اسْتَطَاعُوا}
إشارةٌ إلى تصلُّبهم في الدين وثباتِ قدمِهم فيه، كأنه قيل: وأنى لهم ذلك؟
ــ
وقوله (1): (بهذين): أي: الإخراج والشرك اللذين فسر بهما الفتنة القاضي. (2)
وفي (ز):
" جعل الإخراج فتنة؛ لأن الفتنة تطلق على الإيذاء والتعذيب وإصابة المحنة والبلاء (3)، قال تعالى:{فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (4)، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (5).
والإخراج من الوطن وأسباب المعاش من أصعب المحن والبلايا.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد: تعذيب الكفار المسلمين؛ لإسلامهم (6)." (7) أهـ
وظاهر المفسر: يخالف ما لـ (ع)، وما لـ (ع) هو الأظهر (8).
(بيان لاستحكام إلخ) في (ق):
" {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ} إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم، وإنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم.
(1) أي: الشهاب في عبارته السابقة.
(2)
يقصد: القاضي البيضاوي، ونص عبارته:" {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أي: ما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع مما ارتكبوه من قتل الحضرمي."(1/ 137).
(3)
ينظر: الوجوه والنظائر (1/ 380)، نزهة الأعين النواظر (1/ 478 - 479).
(4)
سورة: العنكبوت، الآية:10.
(5)
سورة: البروج، الآية:10.
(6)
ينظر: المحرر الوجيز (1/ 290)، مفاتيح الغيب (6/ 391)، تفسير القرطبي (3/ 46)، البحر المحيط (2/ 390)، التحرير والتنوير (2/ 330).
(7)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 521).
(8)
لأن الإمام أبا السعود اختار ما ذهب إليه الإمام البيضاوي من أن المراد بالفتنة: ما سبق من الأمور الأربعة، ومن القتل: قتل الحضرمي، وهو ما لم يرتضه الإمام عبد الحكيم، ورجح الشيخُ السقا رأيَ الإمام عبد الحكيم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و{حَتَّى} للتعليل، كقولك: أعبد الله حتى أدخل الجنة، لقوله:{إِنِ اسْتَطَاعُوا} وهو استبعاد لاستطاعتهم، كقول الواثق بقوته على قِرنِه:" إن ظفرت بي فلا تُبقِ علي "(1)، وإيذان بأنهم لا [يردونهم](2)." (3) أهـ
وهو بمعناه في (ك)(4)، قال السعد:
" (وأنهم إلخ) عطف على (دوام) أي: إخبار عن أن الكفار لا ينفكون عن العداوة، حتى يردوا المسلمين عن دينهم.
و{إِنِ اسْتَطَاعُوا} استبعاد، يعني: استعمل (إن) مع الجزم بعدم الوقوع إشارة إلى: أن ذلك لا يكون إلا على سبيل الفرض والتقدير، كما يفرض المحال (5). وهو معنى الاستبعاد." (6) أهـ
وفي (ش):
" (إخبار إلخ) دفع لما يتوهم من أن: ردهم المغيى به إذا لم يكن واقعا فكيف جعل غاية؟
فأشار إلى: أنه عبارة عن الدوام كقوله: {حَتَّى يلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (7)، والتعليق لا يقتضي التحقيق.
وقوله: ({حَتَّى} للتعليل) جواب آخر: بأن فعلهم ذلك إن استطاعوا.
(1) أي: مثل قول الواثق بقوته لقرينه في الشجاعة الذي ينازله في القتال: إن ظفرت بي فلا ترحمني، وهو واثق أنه لن يظفر به، فهي للاستبعاد.
(2)
في ب: يرونهم، والمثبت أعلى هو الصحيح.
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 137).
(4)
تفسير الكشاف (1/ 259).
(5)
إن الشرطية: هي حرف وضع لمجرد تعليق الجواب على الشرط، فهي لا تدل على معنى في نفسها، ولذلك هي أم الباب، فهي الأصل في أدوات الشرط، فهي لمجرد الشرطية، فلا تشعر بانتفاء الطرفين ولا بنقيضه، نحو: قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزُّخرُف: 81]. ينظر: شرح التصريح (2/ 399)، الكليات - فصل الألف والنون (2/ 399)، فتح رب البرية بشرح نظم الأجرومية (1/ 293).
(6)
مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (136 / أ).
(7)
سورة: الأعراف، الآية:40.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتعبير بـ (إن)؛ لاستبعاد استطاعتهم لا للشك، وتستعمل لذلك كما مثل له، يعني أنه استعمل (إن) مع الجزم بعدم الوقوع إشارة إلى: أن ذلك لا يكون على سبيل الفرض، كما يفرض المحال، وهو معنى الاستبعاد. (1)
و(تُبقِ): مضارع مجزوم من الإبقاء، وهو: عدم الإهلاك." (2) أهـ
وفي (ع):
" (إخبار إلخ): يعني أن المراد بدوامهم على القتال: دوام العداوة بطريق الكناية؛ لعدم دوامهم على المقاتلة (3).
ومن هذا ظهر أن {إِنِ اسْتَطَاعُوا} ليس متعلقا بـ {لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} ؛ إذ لا معنى لدوامهم على العداوة إن استطاعوا، لكنها مستبعدة، والجملة معطوفة على {يَسْئَلُونَكَ} بجامع الاتحاد في المسند إليه إن كان السائلون هم المشركين، أو معترضة والمقصود: تحذير المؤمنين عنهم، وعدم المبالاة بموافقتهم في بعض الأمور. (4)
وقوله: (و {حَتَّى} للتعليل): لا للغاية كما قال ابن عطية (5).
والمعنى: لا يزالون يعادونكم لكي يردوكم عن دينكم؛ لقوله: {إِنِ اسْتَطَاعُوا} ، فإن التقدير: إن استطاعوا الرد يردوكم، لكنها مستبعدة.
(1) ينظر: روح المعاني (1/ 504).
(2)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 302).
(3)
الإمام عبد الحكيم يرى أن: دوامهم على القتال هو كناية عن دوامهم على العداوة؛ لعدم استمرارهم على القتال الفعلي دائما.
(4)
ينظر: محاسن التأويل (2/ 108)، روح المعاني (1/ 504).
(5)
ينظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 291). وابن عطية: هو عبد الحق بن غالب ابن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، من محارب قيس، الغرناطي، أبو محمد: مفسر فقيه، أندلسي، من أهل غرناطة. عارف بالأحكام والحديث، له شعر. ولي قضاء المرية، وكان يكثر الغزوات في جيوش الملثمين. وتوفي بمدينة (لورقة). له:(المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) في عشر مجلدات، و (برنامج) في ذكر مروياته وأسماء شيوخه. ينظر: بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس (1/ 389)[لأحمد بن يحيى، أبي جعفر الضبي ت: 599 هـ، دار الكاتب العربي - القاهرة، ط: 1967 م]، تاريخ قضاة الأندلس (1/ 109) [لعلي بن عبد الله الجذامي النباهي ت: نحو 792 هـ، تحقيق: لجنة إحياء التراث في دار الآفاق، دار الآفاق - بيروت، ط: الخامسة، 1403 هـ -1983 م]، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (2/ 526).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلو كان {حَتَّى} للتعليل يكون فائدة التقييد بالشرط: التنبيه على سخافة عقلهم، وكون دوام عداوتهم فعلا عبثا لا يترتب عليه الفرض، بخلاف ما إذا كان للغاية، فإنه يفيد حينئذ أن الغاية مستبعدة الوقوع، فلا تنقطع عداوتهم، فيكون تأكيدا لما يفيده قوله:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} .
وأما ما قيل: وجه الدلالة: أنه يدل على بُعد تحقق الرد، أو دوام المقاتلة، والتعليل لا يقتضي التحقق، بخلاف الانتهاء فإنه يشعر بالتحقق.
ففيه: أنه لا فرق بينهما في عدم اقتضاء التحقق، والإشعار به في نفسه، وعدمه بعدم اعتبار الشرط، على أن التقييد بالغاية الممتنع وقوعها - شائع:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (1).
نعم يمكن الحمل على الغاية لو أريد من المقاتلة: معناها الحقيقي، ويكون الشرط متعلقا بـ {لَا يَزَالُونَ} ، فيفيد التقييد: أن تركهم المقاتلة في بعض الأوقات لعدم استطاعتهم (2)،
لكن المعنى لا يكون متداولا كما ترى.
وقوله: (وهو استبعاد إلخ): أي لا يكون لهم استطاعة، وبعد أن تكون لهم فرض كما تفرض المحالات بدلالة استعمال (إن) في مقام التحقق والعلم بعدم الشرط.
(1) سورة: الأعراف، الآية:40.
(2)
الخلاصة: هناك ثلاثة أقوال في {حَتَّى} :
الأول: أنها للغاية، قاله ابن عطية. المحرر الوجيز (1/ 291).
وقال الإمام عبد الحكيم في بحث هذا القول ما معناه: إن التقييد بالغاية الممتنع وقوعها شائع، كما في قوله تعالى:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].
واعترض: بأن استبعاد وقوع الغاية مما يترتب عليه عدم انقطاع العداوة، وقد أفاده صدر الكلام، والقول بالتأكيد غير أكيد.
ثم قال: إنه يمكن حمل (حتى) على الغاية إذا كان المراد بالقتال: معناه الحقيقي - وهو حمل السلاح - وليس معناه الكنائي - وهو العداوة، وحينئذ يكون الشرط - وهو:{إِنِ اسْتَطَاعُوا} - متعلق بـ {لَا يَزَالُونَ} ، فيفيد التقييد بالشرط: أن تركهم المقاتلة في بعض الأوقات؛ لعدم استطاعتهم، وهذا معنى غير متداول.
الثاني: تحْتَمَلُ الْغَايَةُ، وَتحْتَمَلُ التَّعْلِيلُ، وَعَلَيْهِمَا حَمَّلَهَا أَبُو الْبَقَاءِ. التبيان (1/ 175).
الثالث: أنها للتَّعْلِيل، قاله الزمخشري. الكشاف (1/ 259).
واختار هذا القول الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 391) حيث قال ما ملخصه: " وَتَخْرِيجُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَمْكَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ إذ فَرْقٌ فِي الْقُوَّةِ بَيْنَ الْمُقَيَّدِ بِالْغَايَةِ وَالْمُقَيَّدِ بِالْعِلَّةِ؛ لِمَا في التَّقْيِيدِ بِالْعِلَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْحَامِلِ وَعَدَمِ ذَلِكَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْغَايَةِ."
واختاره أيضا الإمام النسفي في "مدارك التنزيل"(1/ 181)، والإمام الآلوسي في "روح المعاني"(1/ 504).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و(القرن): بكسر القاف: همتا درجتك. (1)
و(لا تُبقِ): من الأفعال، أي: لا ترحم.
وقوله: (وإيذان إلخ): تنصيص بأن الشرط متعلق بـ {حَتَّى يَرُدُّوكُمْ} (2)." (3) أهـ
وفي (ز):
" استدل على أن {حَتَّى} للتعليل بـ {إِنِ اسْتَطَاعُوا} ، فإنه أورد {إِن} في مقام الجزم بعدم وقوع استطاعة الرد؛ للإشارة إلى أن ذلك طمع فارغ بعيد كل البعد.
والعلة الحاملة على الفعل تكون معلومة الترتب عليه بحسب الوجود، وما يستبعد وقوعه لا يصلح حاملا عليه فظهر أن {إِنِ اسْتَطَاعُوا} يستدعي حمل {حَتَّى} على التعليل، لا الغاية؛ لأن الحمل عليها إنما يحسن فيما لا يكون ترتبه على الفعل بعيدا.
و(القِرن) بالكسر: من يقارن الرجل ويقابله حال المحاربة مماثلا له في الشجاعة (4).
وقوله: (لا تبق علي) أي: لا ترحمني، أبقيت على فلان: رحمته، لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي." (5) أهـ
(1) في أساس البلاغة - مادة قرن (2/ 73): " القرن بالفتح: مثلك في السن، وبالكسر: مثلك في الشجاعة."
(2)
ينظر: محاسن التأويل (2/ 108)، التحرير والتنوير (2/ 331).
وقال الإمام الآلوسي في روح المعاني (1/ 504): " وليس متعلقا بـ {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ}؛ إذ لا معنى لدوامهم على العداوة إن استطاعوها، لكنها مستبعدة."
وهذا خلاف لما عليه الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 391) حيث قال: " وَأَنَّ قِتَالَهُمْ إِيَّاكُمْ مُعَلَّقٌ بِإِمْكَانِ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَكُمْ، وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ." معنى كلامه أن الشرط متعلق بـ {وَلَا يَزَالُونَ} .
وينظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 175، الدر المصون (2/ 399).
(3)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (348 / أ - ب).
(4)
ينظر: تهذيب اللغة - أبواب القاف والراء (9/ 84)، الكليات - فصل القاف (1/ 729)، تاج العروس - مادة قرن (35/ 530).
(5)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 522).