الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى:
{كَافَّةً}
حال من الضمير في {ادْخُلُوا} ، أو من {السِّلْمِ} ، أو منهما معاً، كما في قولِهِ: خرجتُ بها تمشي تجرُّ وراءَنا
…
على أَثَريْنا ذيلَ مِرْطٍ مُرَجَّل
ــ
ولعله لذلك قال المفسر: " وقيل: الإسلام."(1) فالضعف من حيث إفادة أنه معنى أصلي (2)."أهـ
" وترك (ق) فتح السين واللام (3)؛ لعدم كونه قراءة مشهورة.
وقوله: (ولذلك يطلق في الصلح إلخ) فإن فيه انقياد كل من المتخاصمين إلى الآخر، وكذلك الإسلام: انقياد لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم." (4)(ع)
وفي (ز):
" استشهادا على أنه الإسلام قال الشاعر:
شرائع السلم قد بانت معالمها
…
فلا يرى الكفر إلا من به ضلل " (5)
(حال من الضمير)" أي: الفاعل في {ادْخُلُوا} أي: ادخلوا في السلم جميعا، وهي حال تؤكد معنى العموم في الجمع، أو من السلم، أي: في السلم حال كونه جميعا، أي: لا تدخلوا في طاعة دون طاعة."(6) أهـ (ز)
(1) تفسير أبي السعود (1/ 372).
(2)
يشرح شيخنا السقا قول الإمام البيضاوي: بأن السلم أصل في الاستسلام والطاعة، ومتفرع عليه إطلاقه على الإسلام والصلح، أي: على سبيل المجاز، ثم يقول لعل الإمام أبا السعود من أجل ذلك قال:" وقيل: الإسلام " بصيغة التضعيف، أي يضعف أن يكون ذلك معنى أصليا.
(3)
أي: قراءة الأعمش.
(4)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (338 / أ - ب).
(5)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 502).
البيت من البسيط، والسلم فيه يروي بفتح السين وكسرها، وأيا ما كان فهو بمعنى الإسلام؛ لأنه قابله بالكفر، إلا أن الفتح فيما هو بمعنى الإسلام قليل.
وقد رُوي البيت بلفظ " خبل " بدلا من ضلل، ولم أقف على قائله، ولم أجده إلا فيما نقله المفسرون في بيانهم لمعنى السلم في تفسيرهم لهذه الآية. ينظر: البحر المحيط (2/ 318)، الدر المصون (2/ 359)، اللباب في علوم الكتاب (3/ 474).
(6)
حاشية زادة على البيضاوي (2/ 502 - 503) بتصرف.
ينظر: زاد المسير (1/ 174)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 168)، تفسير القرطبي (3/ 23)، تفسير الآلوسي (1/ 492).
قال الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(5/ 353): " قَالَ الْقَفَّالُ: كَافَّةً يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَأْمُورِينَ بِالدُّخُولِ، أَيِ: ادْخُلُوا بِأَجْمَعِكُمْ فِي السِّلْمِ. وَلَا تَفَرَّقُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا، قَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْتُ الْقَوْمَ كَافَّةً وَكَافِّينَ، وَرَأَيْتُ النِّسْوَةَ كَافَّاتٍ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، أَيِ: ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كُلِّهِ، أَيْ: فِي كُلِّ شَرَائِعِهِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ رحمه الله: هَذَا أَلْيَقُ بِظَاهِرِ التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْقِيَامِ بِهَا كُلِّهَا."=
وهي في الأصل: اسمُ لجماعة تكفُّ مُخالِفَها، ثم استعملت في معنى جميعاً.
ــ
((1) في الأصل اسم لجماعة إلخ) في (ق):
" اسم للجملة؛ لأنها تكف الأجزاء عن التفرق."(2) أهـ
كتب (ع):
" (اسم للجملة): إشارة إلى أنه في الأصل صفة من كف بمعنى: منع، استعمل بمعنى الجملة بعلاقة أنها مانعة للأجزاء عن التفرق.
" وأن التاء فيه للتأنيث؛ إذ القول بكونه للنقل من الوصفية إلى الإسمية أو المبالغة خروج عن الأصل من غير ضرورة (3).
وأن الشمول المستفاد من شمول الكل للأجزاء لا الكلي لجزيئاته، أو للأعم منهما." كما يدل عليه كلام الطيبي في تفسيره هذه الآية (4).
وفي جعله اسما للجملة مطلقا إشارة إلى: عدم اختصاصه بمن يعقل. وإليه ذهب صاحب (ك)(5) والزجاج (6).
=وزاد الإمام ابن عطية في " المحرر الوجيز "(1/ 282) وجها ثالثا قائلا: " وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أي: الخطاب لهم -، وَالْمَعْنَى: أَمَرَهُمْ بِالثُّبُوتِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةِ مِنِ الْتِزَامِ حُدُودِهِ. وَتَسْتَغْرِقُ: كَافَّةً، حِينَئِذٍ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعَ أَجْزَاءِ الشَّرْعِ، فَيَكُونُ الْحَالُ مِنْ شَيْئَيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ."
وقد ذكر الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 339) قول الإمام ابن عطية وشرحه وبينه بالأمثلة لكنه علق عليه قائلا: " وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ."
وقد رجح صاحب " الدر المصون "(2/ 359)، والإمام ابن كثير في تفسيره (1/ 566) ما رجحه الإمام أبو حيان.
(1)
في ب بزيادة: وهي. وهو الصحيح كما في أصل تفسير أبي السعود.
(2)
تفسير البيضاوي (1/ 133 - 134).
(3)
قال الإمام الألوسي في " روح المعاني "(1/ 492): " والتاء فيه - أي: في كافة - للتأنيث، أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية كعامة وخاصة وقاطبة، أو للمبالغة. واختار الطيبي: الأول مدعيا أن القول بالأخيرين خروج عن الأصل من غير ضرورة."
(4)
ينظر: حاشية الطيبي على الكشاف (2/ 339) وما بعدها.
(5)
ينظر: تفسير الكشاف (1/ 252).
(6)
ينظر: إعراب القرآن للزجاج (1/ 279).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال ابن هشام (1): " إنه مختص بمن يعقل، وبكونه حالا ونكرة.
-وقال (2) ردا على الزمخشري -: إن جعله حالا من السلم (3) وَهْم، وجعله صفة لإرساله في قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} (4) أشد منه، وما وقع في خطبة المفصل (5): محيط بكافة الأبواب. أشد وأشد. " (6)
وفيه: أنه إن أراد اختصاص لفظة مطلقا بالأحوال الثلاثة فباطل؛ لقولهم: " وتلحقها (ما) الكافة ". (7)
(1) ابن هشام: هو عبد الله بن يوسف بن أحمد، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام، المتوفى: 761 هـ، من أئمة العربية. مولده ووفاته بمصر. قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام، أنحى من سيبويه. من تصانيفه:(مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)، و (عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب)، و (رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة)، و (الجامع الصغير) نحو، و (الجامع الكبير) نحو، و (شذور الذهب)، و (الإعراب عن قواعد الإعراب)، و (قطر الندى)، و (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك). ينظر: الدرر الكامنة (3/ 93)، بغية الوعاة (2/ 68).
(2)
أي: ابن هشام.
(3)
تفسير الكشاف (1/ 252).
(4)
سور: سبأ، الآية:28. ينظر: تفسير الكشاف (3/ 583).
(5)
يقصد: مقدمة كتاب " المفصل في صنعة الإعراب "، للإمام الزمخشري (1/ 20).
(6)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1/ 733).
اعترض ابن هشام في كتابه " مغني اللبيب " على الإمام الزمخشري في ثلاثة أمور متعلقين بـ"كافة":
الأول: في تجويزه جعل كافة حالا من السلم؛ لأن كافة عند ابن هشام مختصة بمن يعقل.
الثاني: في تقديره كَافَّة نعتا لمصدر مَحْذُوف في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28] أَي: إرسالة كَافَّة؛ لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى اسْتِعْمَاله فِيمَا لَا يعقل إِخْرَاجه عن الحالية، والحالية لازمة لكافة عند ابن هشام.
الثالث: قوله في مقدمة كتابه " المفصل في صنعة الإعراب ": مُحِيط بكافة الْأَبْوَاب؛ لإخراجه كافة عَن النصب الْبَتَّةَ.
(7)
هذه العبارة يستخدمها النحويون كما في عبارة الإمام الزمخشري في كتابه " المفصل في صنعة الإعراب "(1/ 389) حيث يقول: " الحروف المشبهة بالفعل: وهي إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل. وتلحقها (ما) الكافة، فتعزلها عن العمل، ويبتدأ بعدها الكلام. قال الله تعالى: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] ".
ففي هذا المثال خرجت " كافة " عن الأمور الثلاثة التي جعلها ابن هشام لازمة لها، فقد جاءت صفة - وليست حالا - لغير عاقل، ومعرفة بأل - وليست نكرة -.
لكن " كافة " في هذا المثال معناها هو المعنى اللغوي للكلمة أي: المانعة التي تكف (أي: عن العمل)، وليس معناها " كل وجميع " كالتي في الآية موضع البحث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن أراد اختصاصها بها حين استعمالها اسما بمعنى الجملة أو الجمع، فالاعتراض الثاني ليس بشاء؛ لأنه على تقدير كونه صفة لمصدر محذوف مستعمل بالمعنى الوصفي.
وكذا الثالث؛ لجواز أن يكون معناه محيط بقواعد كافة الأبواب عن التفرق.
على أن الزمخشري والزجاج هما الطودان العظيمان في اللغة فلابد في الرد عليهما من شاهد قوي، ومجرد شيوع استعماله كذلك لا يدل على الاختصاص." (1)(ع)
وفي (ش):
" وكافة في الأصل: اسم فاعل من الكف، وهو: المنع، ثم نقلته العرب، واستعملته بمعنى: جميعا وقاطبة؛ لاستغراق جملة الشاء؛ لأن الجملة تمنع الأجزاء من الانتشار. (2)
وهي إما حال من ضمير {ادْخُلُوا} الفاعل وهو الظاهر، " أو من {السِّلْمِ}؛ لأنها مؤنث كالحرب." كذا قال القاضي (3) تبعا للزمخشري (4).
وأورد عليه: أن تاء كافة كقاطبة، انتسخ عنها معنى التأنيث، فلا حاجة لما ذكر (5).
وإن كان يختص بمن يعقل، ولا يكون حالا إلا من العقلاء. فهذا مخالف لكلام العرب كافة.
(1) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (338 / ب).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1/ 279)، تهذيب اللغة - باب الكاف والفاء (9/ 336)، تاج العروس - مادة كفف (24/ 320).
إلا أن الطاهر بن عاشور يرى غير ذلك، فقد قال في " التحرير والتنوير " (2/ 278): " وَ (كَافَّةً): اسْمٌ يُفِيدُ الْإِحَاطَةَ بِأَجْزَاءِ مَا وَصَفَ بِهِ، وَهُوَ فِي صُورَةِ صَوْغِهِ كَصَوْغِ اسْمِ الْفَاعِلَةِ مِنْ كَفَّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مُصَادَفَةٌ فِي صِيغَةِ الْوَضْعِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْكَفِّ وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ صُورَة لَفظهَا وَبين مَعْنَاهَا الْمَقْصُودِ فِي الْكَلَامِ لِقِلَّةِ جَدْوَى ذَلِكَ، وَتُفِيدُ مُفَادَ أَلْفَاظِ التَّوْكِيدِ الدَّالَّةِ عَلَى الشُّمُولِ وَالْإِحَاطَةِ.
وَالتَّاءُ الْمُقْتَرِنَةُ بِهَا مُلَازِمَةٌ لَهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَيْفَمَا كَانَ الْمُؤَكَّدُ بِهَا مُؤَنَّثًا كَانَ أَوْ مُذَكَّرًا، مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا، نَحْوَ:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]."
(3)
تفسير البيضاوي (1/ 134).
(4)
تفسير الكشاف (1/ 252).
(5)
قال الإمام أبو حيان في " البحر المحيط "(2/ 339) ردا على الإمام الزمخشري: " وَتَعْلِيله - أي: الإمام الزمخشري - جَوَازَ أَنْ يَكُونَ: كَافَّةً، حَالًا مِنَ السِّلْمِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا تُؤَنَّثُ كَمَا تُؤَنَّثُ الْحَرْبُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ التَّاءَ فِي: كَافَّةً، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا لِلتَّأْنِيثِ، لَيْسَتْ فِيهَا إِذَا كَانَتْ حَالًا لِلتَّأْنِيثِ، بَلْ صَارَ هَذَا نَقْلًا مَحْضًا إِلَى مَعْنَى: جَمِيعٍ وَكُلٍّ، كَمَا صَارَ: قَاطِبَةً، وَعَامَّةً، إِذَا كَانَ حَالًا نَقْلًا مَحْضًا إِلَى مَعْنَى: كُلٍّ وَجَمِيعٍ. فَإِذَا قُلْتَ: قَامَ النَّاسُ كَافَّةً، أَوْ قَاطِبَةً، أَوْ عَامَّةً، فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى التَّأْنِيثِ، كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ: كُلٌّ، وَلَا جَمِيعٌ."
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذا قولهم في: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} (1) أنه نعت مصدر محذوف، أي: إلا إرسالة كافة.
وقوله في خطبة المفصل: محيط بكافة الأبواب. قيل: إنه خطأ من وجوه.
وقد رد هذا شارح اللباب (2): " بأنه سمع في قول عمر في كتاب له محفوظ مضبوط: " جعلت لآل بني كاكلة (3) على كافة بيت مال المسلمين، لكل عام مائتي مثقال ذهبا." (4)
(1) سورة: سبأ، الآية:28.
(2)
نص على اسمه الصبان في " حاشيته على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك "(2/ 263).
وهو: السيد جمال الدين عبد الله بن محمد الحسيني النيسابوري، المشهور بنقره كار، ت: 776 هـ، وله كتاب " العباب في شرح لباب الإعراب "، وهذا الكتاب هو شرح لكتاب " اللباب في علم الإعراب " لتاج الدين المعروف بالفاضل الأسفرايني، ت: 684 هـ. ينظر: كشف الظنون (2/ 1543).
(3)
بني كاكلة: لم أقف لهم على ترجمة.
(4)
هذا جزء من كتاب كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخطه لآل بني كاكلة، وتمامه:
" قد جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا إبريزا.
كتبه ابن الخطاب. وختمه: كفى بالموت واعظا يا عمر. "
ولما آلت الخلافة إلى أمير المؤمنين علي - كرم الله تعالى وجهه - عُرض عليه، فنفذ ما فيه لهم، وكتب عليه بخطه:
" لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، أنا أولى من اتّبع أمر مَن أعزّ الاسلام، ونصر الدين والأحكام، عمر بن الخطاب، ورسمت بمثل ما رسم لآل بني كاكلة في كل عام مائتي دينار ذهبا عينا إبريزا، واتبعت أثره وجعلت لهم بمثل ما رسمه عمر، إذ وجب عليّ وعلى جميع المؤمنين اتّباع ذلك.
كتبه: عليّ بن أبي طالب. وختمه: الله الملك الحق، عليّ به واثق."
وهو كتاب محفوظ بمكتبة: شهيد علي باشا - باستانبول، نسخة خطية (ع 2841، ص 46).
ينظر: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (1/ 578)[لمحمد حميد الله الحيدرآبادي هندي، ت: 1424 هـ، دار النفائس - بيروت، ط: السادسة - 1407 هـ].
وقال الشهاب الخفاجي بعد أن ذكر ذلك في " شرح درة الغواص في أوهام الخواص " لوحة (50 / أ): "ونقله الإمام سعد الدين التفتازاني في كتابه " شرح مقاصد الطالبين "، ثم قال - أي الإمام سعد الدين -: " وهذا مع ما قبله موجود إلى الآن بديار العراق." [مخطوط شرح درة الغواص، نسخة بخط صالح سليمان الخياط الأسيوطي سنة 1273 هـ ـ، نسخة محفوظة بجامعة الملك سعود، (410 ش. ش)].
فقد استعملها معرفة وغير منصوبة لغير العقلاء، وهو في الفصاحة بمكان، وقد سمعه مثل عليّ ولم ينكره، فأي إنكار واستهجان."
وتاؤُها: ليست للتأنيت حتى يُحتاجَ إلى جعل {السِّلْمِ} مؤنثاً مثلَ: الحربِ، كما في قوله عز وجل:{وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} ، وفي قوله:
السلم تأخذ منها مارضيت به
…
والحربُ يكفيكَ من أنفاسها جُرَعُ
وإنَّما هي: للنقل، كما في عامة وخاصة وقاطبة.
ــ
على أنه لو سلم، فلايعد مثله خطأ؛ لأنه لا يلزم استعمال المفردات فيما استعملته العرب بعينه. ولو التزم هذا أخطأ الناس في أكثر كلامهم (1)، وقد بسطناه في شرح درة الغواص (2)." (3)
(مثل الحرب) حملا عليها، فأنث كتأنيثها بجامع الضدية.
(السلم إلخ (4)) " من ابتدائية، أو تبعيضية، أي: تأخذ منها ابتداء ما تحبه وترضاه،
(1) قال الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير "(2/ 278): " وَاعْلَمْ أَنِّ تَحْجِيرَ مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ - إِذَا سَوَّغَتْهُ الْقَوَاعِدُ - تَضْيِيقٌ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اتِّبَاعُ الْعَرَبِ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ أَدْخَلَ فِي الْفَصَاحَةِ، لَا مُوجِبًا لِلْوُقُوفِ عِنْدَهُ دُونَ تَعَدِّيهِ، فَإِذَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ نَهَضَ."
(2)
ينظر: مخطوط " شرح درة الغواص في أوهام الخواص "، للشهاب الخفاجي، لوحة (49 / ب) وما بعدها، وهو شرح لكتاب " درة الغواص في أوهام الخواص " وهو كتاب في اللغة، لأبي محمد الحريري البصري، المتوفى: 516 هـ.
(3)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 295).
(4)
أبا خراشة أما أنت ذا نفر
…
فإن قومي لم تأكلهم الضبع
إن تك جلمود بصر لا أؤبسه
…
أوقد عليه فأحميه فينصدع
السلم تأخذ منها ما رضيت به
…
والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
من البسيط، وهو للعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ يخاطب خفاف بن ندبة.
الضبع: السنة المجدبة، أو الحيوان المعروف. والبصر: حجارة تضرب إلى بياض. والتأبيس: التذليل والكسر.
يقول: يا أبا خراشة، لأن كنت صاحب جيش افتخرت على، لا تفعل ذلك فإن قومي موجودون كثيرون. وكنى عن ذلك بعدم أكل الضبع إياهم. ثم قال: إن تكن كصخر من الحجارة لا أقدر على تأبيسه وتكسيره لصلابته، أوقد عليه نار الحرب بمعاونة الفرسان لي فأحرقه فينشق وينكسر. والسلم بالفتح وبالكسر: الصلح تأخذ منها ما يكفيك من طول المدة. وأما الحرب فيكفيك منها القليل.
والشاهد فيه: أنه يدل على تأنيث السلم، بطريق المقابلة للحرب؛ لأن الحرب: المقاتلة والمنازلة، ولفظها أنثى، يقال: قامت الحرب على ساق.
ينظر: ديوان العباس بن مرادس (103)، إصلاح المنطق (1/ 29)، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (4/ 18)، شرح شواهد الكشاف، لمحب الدين أفندي (166)، وشرح شواهدالكشاف، للمرزوقي (69)، المعجم المفصل في شواهد العربية (4/ 285).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا تسأم من طول زمانها. والحرب: بالعكس إذ يكفيك اليسير منها، وعدة جرع من مشربها." (1) سعد
وفي (ع):
" (من) ابتدائية متعلقة بـ" تأخذ "، لا بيانية أو تبعيضية.
أي: تأخذ أبدا ما تحبه وترضاه، فلا تسأم من طول زمانها، والحرب: بالعكس إذ يكفيك اليسير منها، وعدة جرع من مشربها.
والمقصود: تحريضه على السلم، وتثبيطه عن الحرب." (2) أهـ
وفي (ش):
" الشعر: للعباس بن مرادس، و (من) ابتدائية متعلقة بـ"تأخذ "، لا بيانية ولا تبعيضية.
أي: تأخذ منها أبدا ما تحبه وترضاه، فلا تسأم من طول زمانها، والحرب: بالعكس يكفيك اليسير منها.
والجُرَع: جمع جُرْعَة، وهو ما يشرب به (3)، والأنفاس: جمع نفس، والمراد به: الشرب مرة بعد أخرى، سمي به المشروب مرارا؛ للتنفس بينه وفي أثنائه (4)، كما قال ابن حطان (5):
(1) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (133 / ب).
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (338 / ب).
(3)
الجُرَع: جمع جُرْعَة، وَالْجُرْعَةُ مِنَ الْمَاءِ بِالضَّمِّ: حُسْوَةٌ مِنْهُ. ينظر: مختار الصحاح - مادة جرع (1/ 56)، تاج العروس - مادة جرع (20/ 430).
(4)
ينظر: شمس العلوم - مادة نفس (10/ 6688)، الصحاح تاج اللغة - باب السين (3/ 984).
(5)
ابن حطان: هو عمران بن حطَّان بن ظبيان السدوسي الشيبانيّ الوائلي، أبو سماك، المتوفى: 84 هـ، أحد رؤوس الْخَوَارِجِ. وخطيبهم وشاعرهم. كان قبل ذلك من رجال العلم والحديث، من أهل البصرة، وأدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه. ثم لحق بالشراة، فطلبه الحجاج، فهرب إلى الشام، فطلبه عبد الملك بن مروان، فرحل إلى عُمان، فكتب الحجاج إلى أهلها بالقبض عليه، فلجأ إلى قوم من الأزد، فمات عندهم إباضيا. وكان شاعرا مفلقا مكثرا. ينظر: تاريخ دمشق (43/ 485)، تاريخ الإسلام (2/ 981).
والمعنى: استسلموا لله - تعالى - وأطيعوه جملةً ظاهراً وباطناً، والخطابُ للمنافقين.
ــ
فكل من لم يذقها شاربا عللا
…
منها بأنفاس ورد بعد أنفاس (1)." (2) أهـ
(والمعنى إلخ) في (ك):
" {السِّلْمِ} بكسر السين وفتحها، وقرأ الأعمش بفتح السين واللام، وهو: الاستسلام والطاعة، أي: استسلموا لله وأطيعوه {كَافَّةً} لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته. وقيل: هو الإسلام.
والخطاب لأهل الكتاب؛ لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين؛ لأنهم آمنوا بألسنتهم.
ويجوز أن يكون {كَافَّةً} حالا من السلم؛ لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب، وساق البيت.
على أن المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها، وأن لايدخلوا في طاعة دون طاعة، أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها، وأن لا يخلوا بشاء منها." (3) أهـ
قال السعد:
" (وهو) أي: السلم بالكسر والفتح، وكذا بفتح السين واللام: الانقياد والطاعة.
فالخطاب للمؤمنين الخلص، أو لأهل الكتاب المؤمنين بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين المؤمنين بألسنتهم، أو للكل.
و{كَافَّةً} حال من ضمير {ادْخُلُوا} ، أو من {السِّلْمِ} .
وقيل: السلم: الإسلام، وحينئذ لا يكون الخطاب للمؤمنين الخلص إلا بتأويل الإسلام بشعبه وفروعه؛ لأن قوله:{ادْخُلُوا} صريح في الأمر بإحداث الإسلام، لا الثبات عليه، أو الازدياد فيه، بل الخطاب لأهل الكتاب، أو للمنافقين، أو لهما جميعا.
(1) البيت لعمران بن حطان، وهو من قصيدة قالها يرثي بها مرادس أبا بلال. وقد قال فيها:
أنكرتُ بعدكَ ما قدْ كنتُ أعرفه
…
ما الناسُ بعدكَ يا مرداسُ بالنَّاسِ
إمّا شربتَ بكأسٍ دارَ أوَّلها
…
على القرون فذاقوا جرعة الكأسِ
فكل من لم يذقها شارب عجلاً
…
منها بأنفاس ورد بعد أنفاسِ
وقد ذكر في كل المواضع بلفظ " عجلا " بدلا من " عللا "، إلا في حاشية السقا بنسختيها (أ)، (ب).
ينظر: الكامل في اللغة والأدب (3/ 125)[لأبي العباس المبرد، ت: 285 هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، ط: الثالثة 1417 هـ - 1997 م]، تعليق من أمالي ابن دريد (1/ 174)[لأبي بكر بن دريد الأزدي، ت: 321 هـ، تحقيق: السيد مصطفى السنوسي، الناشر: المجلس الوطني للآداب بالكويت، ط: الأولى، 1401 هـ - 1984 م]، العقد الفريد (1/ 183)، شعر الخوارج (1/ 142) [لد. إحسان عباس ت: 1424 هـ، دار الثقافة، بيروت - لبنان، ط: الثالثة، 1974 م].
(2)
حاشية الشهاب على البيضاوي (2/ 295).
(3)
تفسير الكشاف (1/ 252).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و{كَافَّةً} حال من ضمير {ادْخُلُوا} ، أو من {السِّلْمِ} . وما في الكتاب إشارة إلى ما ذكرنا فليتدبر." (1)
وعبارة (ق)(2) كعبارة المفسر (3)، فكتب (ع):
على قوله: (والمعنى إلخ): " لا يخفى عليك أن الاحتمالات العقلية ههنا كثير؛ لأن السلم بمعنى: الطاعة، أو بمعنى: الإسلام. وعلى التقديرين {كَافَّةً} حال، إما عن الضمير، أو عن {السِّلْمِ} ، تصير أربعة.
وعلى التقادير، الخطاب إما للمنافقين، أو لمؤمني أهل الكتاب، أو لكفارهم، أو للمسلمين الخلص، تصير ستة عشر (4)، والمصنف يختار منها بعضها.
ومبنى ذلك على أمرين:
أحدهما: أن {كَافَّةً} لإحاطة الأجزاء.
والثاني: أن محط الفائدة في الكلام هو: القيد بـ {كَافَّةً} ، كما هو المقرر عند البلغاء، ونص عليه الشيخ (5) في دلائل الإعجاز (6).
فالوجه الأول: أن {السِّلْمِ} بمعنى: الطاعة، و {كَافَّةً} حال من الضمير، إذ لا يصح حينئذ جعله حالا من {السِّلْمِ} ؛ لعدم كونه ذا أجزاء، والخطاب للمنافقين خوطبوا بترك النفاق
(1) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (133 / ب).
(2)
تفسير البيضاوي (1/ 134)، والعبارة هي:" والمعنى: استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهرا وباطنا ".
(3)
تفسير أبي السعود (1/ 373).
(4)
ينظر: تفسير الآلوسي (1/ 492).
(5)
الشيخ: هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني، أبو بكر، المتوفى: 471 هـ. تتلمذ على أبي الحسين بن عبد الوارث، ابن أخت أبي علي الفارسي. والإمام عبد القاهر أحد أهم علماء اللغة والبلاغة، وأتقن الفقه الشافعي وفلسفة المذهب الأشعري والمنطق، وصنف تصانيف كثيرة، منها:(المغني في شرح الإيضاح) لأبي علي الفارسي، وهو نحو ثلاثين مجلداً، واختصره في كتاب سماه (المقتصد) ثلاثة مجلدات، و (إعجاز القرآن)، و (دلائل الإعجاز)، و (العوامل)، و (الجمل)، وشرحه المسمى بـ (التلخيص)، وغيرهم. ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء (1/ 264)[لأبي البركات الأنباري ت: 577 هـ، تحقيق: إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، ط: الثالثة، 1405 هـ - 1985 م]، فوات الوفيات (2/ 369) [لمحمد بن شاكر ت: 764 هـ، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت، ط: الأولى].
(6)
لم أقف عليه في كتاب دلائل الإعجاز.
أو ادخُلوا في الإسلام بكلّيته، ولا تخلِطوا به غيَره، والخطابُ لمؤمني أهلِ الكتاب.
فإنهم كانوا يراعون بعضَ أحكام دينهم القديمِ بعد إسلامهم.
ــ
ظاهرا وباطنا، ولا يصح حينئذ أن يكون الخطاب للمؤمنين الخلص سواء كانوا من أهل الكتاب أو غيرهم؛ لكونهم مؤمنين بجملتهم، ولا للكفار منهم لعدم الإيمان لهم رأسا." (1) أهـ وهذا أول وجه في المفسر (2).
(أو ادخلوا في الإسلام [بكليته) عبارة (ق)] (3): " بكليتكم."(4) أهـ
كتب (ع): " فـ {السِّلْمِ} بمعنى: الإسلام، و {كَافَّةً} حال من الضمير، ومعنى دخولكم في الإسلام بكليتكم: أن لايبقى شاء من ظاهركم أو باطنكم إلا والإسلام يستوعبه، لا يبقى مكانا لغيره؛ ولذا عطف عليه (ولا تخلطوا به غيره)، والخطاب حينئذ: لمؤمني أهل الكتاب حيث قصد نفي التخليط، ولا معنى لخطاب المؤمنين الخلص، ولا الكافرين الخلص؛ لعدم التخليط فيهما، حتى يكون محط الفائدة: التقييد بـ {كَافَّةً}."(5) وهذا وجه المفسر الثاني (6).
(فإنهم كانوا إلخ): " أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: نزلت في ثعلبة (7)، وعبد الله بن سلام (8)،
(1) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (338 / ب - 339 / أ).
(2)
حيث قال: " والمعنى: استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملةً ظاهراً وباطناً، والخطابُ للمنافقين." تفسير أبي السعود (1/ 212).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من ب.
(4)
تفسير البيضاوي (1/ 134).
(5)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (339 / أ).
(6)
حيث قال: " أو ادخُلوا في الإسلام بكلّيته، ولا تخلِطوا به غيَره، والخطابُ لمؤمني أهلِ الكتاب؛ فإنهم كانوا يراعون بعضَ أحكام دينهم القديمِ بعد إسلامهم." تفسير أبي السعود (1/ 212).
(7)
ثعلبة: هو ثعلبة بن سعية، أحد من أسلم من اليهود، نزل هو وأخوه أسيد بن سعية في الليلة التي في صبيحتها نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، ونزل معهما أسد بن عبيد القرظي فأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم، لهم خبر في السير يخرج في أعلام نبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وقال البخاري: توفي ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: الاستيعاب (1/ 211)، أسد الغابة (1/ 468).
(8)
عبد الله بن سلام: هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، أبو يوسف، المتوفى: 43 هـ، صحابي، قيل: إنه من نسل يوسف بن يعقوب. أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه:" الحصين " فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وفيه الآية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَاءِيلَ عَلَى مِثْلِهِي} [الأحقاف: 10]، والآية:{وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]، وشهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية. ولما كانت الفتنة بين علي ومعاوية، اتخذ سيفا من خشب، واعتزلها. وأقام بالمدينة إلى أن مات. له 25 حديثا. ينظر: الاستيعاب (3/ 921)، أسد الغابة (3/ 265).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابن يامين (1)، وأسد وأسيد ابني كعب (2)، وسعيد بن عمرو (3)، وقيس بن زيد (4)، كلهم من يهود، قالوا يا رسول الله، يوم السبت يوم كنا نعظمه فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها الليل. فنزلت (5). " (6) سيوطي
وفي (ق):
" فإنهم بعد إسلامهم عظموا السبت، وحرموا الإبل وألبانها."(7)
(1) ابن يامين: هو يامين بن يامين، من مسلمي أهل الكتاب، روى أبو صالح، عن ابن عباس، فِي قَوْله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِي} [النساء: 136]، قَالَ: نزلت هَذِه الآية فِي عبد الله بن سلام، وأسد، وأسيد ابني كعب، وثعلبة بن قيس، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام، وسلمة ابن أخي عبد الله ابن سلام، ويامين بن يامين، هؤلاء مؤمنو أهل الكتاب، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، نؤمن بك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه، فقال لَهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمنوا بالله، ورسوله مُحَمَّد، وبكتابه القرآن، وبكل كتاب ورسول كَانَ قبل "، فقالوا: نفعل ذَلِكَ، فأسلموا.
…
ينظر: أسد الغابة (5/ 434)، الإصابة (6/ 502).
(2)
أسد وأسيد ابنا كعب: روى ابن جرير من طريق ابن جريج، قال في قوله تعالى:{مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113] قال: " هم: عبد اللَّه بن سلام، وأخوه ثعلبة، وسعية، وأسد وأسيد ابنا كعب." ينظر: الإصابة (1/ 207).
(3)
سعيد بن عمرو: ما في الطبري (4/ 255) هو: "سَعْيَة بن عمرو"، وفي هامشه يقول المحقق:" في المطبوعة: " شعبة "، وفي "الدر المنثور" [(1/ 579)]: "سعيد"، والذي في أسماء يهود: "سعية" و"سعنة" وأكثر هذه الأسماء من أسماء يهود مما يصعب تحقيقها ويطول، لكثرة الاختلاف فيها." انتهى
قلت: ولم أقف على من اسمه " سعيد " أو " سعية " أو " شعبة " بن عمرو من اليهود.
(4)
قيس بن زيد: لم أقف على من اسمه " قيس بن زيد" من اليهود.
(5)
أخرجه الطبري في " تفسيره "(4/ 255)، رقم: 4016، من قول عكرمة، وفي إسناده: ابن جريح، وهو مدلس. وذكره الواحدي في " أسباب النزول "(1/ 67)، من تفسير عبد الغني بن سعيد - وهو الثقفي -، وعبد الغني الثقفي واهٍ في الحديث لا يعتدُّ بنقله، كما ذكره ابن حجر في "العجاب"(1/ 530). وعزاه ابن الجوزي في " زاد المسير"(1/ 224) لابن عباس من رواية أبي صالح، وأبو صالح متروك. وذكره السيوطي في " لباب النقول في أسباب النزول " (1/ 30) [صححه: أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية بيروت]، وفي " الدر المنثور "(1/ 579) عن عكرمة.
وضعفه الحافظ ابن كثير من جهة المعنى، حيث قال في " تفسيره " (1/ 565):" وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ .... إلخ، ثم قال: وَفِي ذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَعَ هَؤُلَاءِ نَظَرٌ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي إِقَامَةِ السَّبْتِ، وَهُوَ مَعَ تَمَامِ إِيمَانِهِ يَتَحَقَّقُ نَسْخَهُ وَرَفْعَهُ وَبُطْلَانَهُ، وَالتَّعْوِيضَ عَنْهُ بِأَعْيَادِ الْإِسْلَامِ."
(6)
حاشية السيوطي على البيضاوي (2/ 404).
(7)
تفسير البيضاوي (1/ 134).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي (ك):
" عن عبد الله بن سلام: أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم على السبت، وأن يقرأ من التوراة في صلاته من الليل."(1) أهـ
" قلت: لم يذكر جار الله (2) خلافه، وتمامه: أنه عليه السلام لم يأذن لعبد الله بن سلام بذلك؛ لما في ذلك من لزوم الإخلال بالمواجب الشرعية، إذ الإقامة على السبت مخصوصة باليهود، ويجب علينا مخالفتهم.
وترك الواجب إخلال بأمر الشرع، وأنه غير جائز، ألا يرى أنه عليه الصلاة والسلام لما رأى في يد عمر بن الخطاب أوراقا، فسأله عن ذلك، فأخبره أنها من التوراة، فغضب على ذلك وقال:" لو كان أخي موسى حيا، ما وسعه إلا اتباعي."(3) لما في خلافه من لزوم توجه خلل على شريعة نبينا، فلا يجوز ارتكاب ذلك، فاعرفه." (4) سيوطي
(1) تفسير الكشاف (1/ 252 - 253). وينظر: مواضع تخريج الحديث السابق.
(2)
لقب الإمام الزمخشري.
(3)
هذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في " مسنده "(23/ 349)، رقم: 15156، في مُسْنَد جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكتاب، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ، وَقَالَ:" أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا بنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي." وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(13/ 334): " رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا."
وأخرجه الدارمي في " سننه "(1/ 403)، رقم: 449، بَاب: مَا يُتَّقَى مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، [لعبد الله الدارمي، التميمي السمرقندي ت: 255 هـ، تحقيق: حسين الداراني، دار المغني للنشر - السعودية، ط: الأولى، 1412 هـ - 2000 م]، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله "(2/ 805)، رقم: 1497، بَاب: مُخْتَصَرٌ فِي مُطَالَعَةِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ، [لابن عبد البر النمري القرطبي ت: 463 هـ، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، السعودية، ط: الأولى، 1414 هـ - 1994 م]، والبغوي في " شرح السنة "(1/ 270)، رقم: 126، كِتَاب: الْعِلْم، بَاب: حَدِيث أَهْلِ الْكِتَابِ. [للحسين بن مسعود البغوي ت: 516 هـ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: المكتب الإسلامي - دمشق، ط: الثانية، 1403 هـ - 1983 م].
(4)
لم أجده في حاشية السيوطي على البيضاوي. ينظر: (2/ 402) وما بعدها.
أو في شرائع الله -تعالى- كلِّها، بالإيمان بالأنبياء- عليهم السلام، والكتب جميعا، والخطابُ لأهل الكتاب كلِّهم، ووصفُهم بالإيمان إما على طريقة التغليب، وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم.
أو في شعب الإسلام وأحكامِه كلها، فلا يخلوا بشئ منها،
ــ
(أو في شرائع إلخ): " فالمراد بـ {السِّلْمِ} : جميع الشرائع، بذكر الخاص وإرادة العام، فإن الإسلام: شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم. وحمل اللام على الاستغراق (1)، و {كَافَّةً} حال من {السِّلْمِ} ، والخطاب لأهل الكتاب من الكفار.
والمعنى: ادخلوا أيها المؤمنون بشريعة واحدة في الشرائع كلها، ولا تفرقوا فيها.
ولا يصح على هذا أن يكون الخطاب للمؤمنين؛ لاتصافهم بذلك، ولا للمنافقين؛ لعدم أصل الإيمان فيهم." (2) وهذا وجه المفسر الثالث (3).
(كلهم) عرفت عن (ع): " أنه للكفار منهم."
(إما على طريقة التغليب): لا يلائم ما عرفت عن (ع).
(وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم) هذا هو الملائم لما عن (ع)(4).
(أو في شعب إلخ): " فالإسلام: على معناه الحقيقي، و {كَافَّةً} حال عن {السِّلْمِ} ، والخطاب: للمؤمنين الخلص، وأما المنافقون والكفار فيطلب منهم أصل الإيمان، لا تكميله بالدخول في جميع شعبه.
(1) اللام التي للاستغراق: هي أحد أقسام (أل) المعرفة، وَالاستغراق على قسمَيْنِ: إِمَّا أَن يكون بِاعْتِبَار حَقِيقَة الْأَفْرَاد، نَحْو:{وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، أَي: كل وَاحِد من جنس الانسان ضَعِيف.
وَضَابِطه: أَن يَصح حُلُول (كل) محلهَا على جِهَة الْحَقِيقَة، فَإِنَّهُ لَو قيل: وَخلق كل إِنْسَان ضَعِيفا، لصَحَّ ذَلِك على جِهَة الْحَقِيقَة.
أَو بِاعْتِبَار صِفَات الْأَفْرَاد، نَحْو قَوْلك: أَنْت الرجل، أَي: الْجَامِع لصفات الرِّجَال المحمودة.
وَضَابِطه: أَن يَصح حُلُول (كل) محلهَا على جِهَة الْمجَاز، فَإِنَّهُ لَو قيل: أَنْت كل الرجل، لصَحَّ ذَلِك على جِهَة الْمُبَالغَة. ينظر: شرح قطر الندى (1/ 113).
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (339 / أ).
(3)
حيث قال: " أو شرائع الله تعالى كلِّها بالإيمان بالأنبياء عليهم السلام والكتب جميعا، والخطابُ لأهل الكتاب كلِّهم، ووصفُهم بالإيمان إما على طريقة التغليب، وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم." تفسير أبي السعود (1/ 212).
(4)
انظر النص السابق للإمام عبد الحكيم السيالكوتي.
والخطاب للمسلمين.
ــ
وشعب الإسلام: هي ما روي عنه عليه السلام أنه قال: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ."(1) " (2)(ع)
وهذا وجه المفسر الرابع (3).
(والخطاب للمسلمين): " في التعبير بالمسلمين؛ إشارة إلى علة عدم جواز إرادة الدخول في نفس الإسلام، وما قال الزجاج: " من أن المراد ثباتهم على الإسلام كما في: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِي} (4)" (5) ففيه: أن التعبير عن الثبات على الإسلام: بالدخول فيه - بعيد غاية البعد."(6)
(1) أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه "(1/ 63)، رقم: 58، كِتَاب: الْإِيمَان، بَاب: شُعَب الْإِيمَانِ، وتتمته:" وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ."، وأخرجه الإمام أبو داود في " سننه "(4/ 219)، رقم: 4676، كِتَاب: السُّنَّة، بَاب: فِي رَدِّ الْإِرْجَاءِ، وصححه الألباني، وأخرجه الإمام الترمذي في " سننه"(4/ 306)، رقم: 2614، أَبْوَابُ الْإِيمَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِكْمَالِ الإِيمَانِ وَزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ، وقال عنه:" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "، وأخرجه الإمام النسائي في " سننه "(8/ 110)، رقم: 5005، كِتَاب: الْإِيمَان وَشَرَائِعه، باب: ذِكْر شُعَبِ الْإِيمَانِ، وصححه الألباني.
(2)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (339 / أ، ب).
(3)
حيث قال: " أو في شعب الإسلام وأحكامِه كلها، فلا يخلوا بشاء منها، والخطاب للمسلمين." تفسير أبي السعود (1/ 212).
(4)
سورة: النساء، الآية:136.
(5)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 279).
(6)
مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (339 / ب).
قال الإمام الرازي في " مفاتيح الغيب "(5/ 352) وهو يذكر أوجه الخطاب ما ملخصه: " ورابعها: -أي: رابع هذه الأوجه - هذا الخطاب واقع على المسلمين، أَيْ: دُومُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِيمَا تَسْتَأْنِفُونَهُ مِنَ الْعُمُرِ، وَلَا تَخْرُجُوا عَنْهُ وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِهِ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.
فإن قيل: الموصوف بِالشَّيْءِ يُقَالُ لَهُ: دُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ فِيهِ. وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ: {ادْخُلُوا} .
قُلْنَا: إِنَّ الْكَائِنَ فِي الدَّارِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ خُرُوجًا عَنْهَا، فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُؤْمَرَ بِدُخُولِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ كَائِنًا فِيهَا فِي الْحَالِ، لِأَنَّ حَالَ كَوْنِهِ فِيهَا، غَيْرُ الْحَالَةِ الَّتِي أُمِرَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَإِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي قَدْ يَخْرُجُ عَنْهَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِدُخُولِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يَخْرُجُونَ عَنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِالنَّوْمِ وَالسَّهْوِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحْوَالِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْمُرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالدُّخُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْإِسْلَامِ."