الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافُه، فتلك أخبار كاذبة، وكفارتُهُ: التوبة والاستغفار، وهذا قول الجمهورِ.
خلافًا للشافعي؛ وكأن الشافعيَّ نظَرَ إلى القلبِ، ولم يَنظُر إلى الظاهرِ.
والصوابُ: أنْ لا كفارةَ فيها؛ وذلك لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن حَلَفَ عَلَى يمينٍ يقتطع بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ عَلَيهَا فَاجِرٌ، لَقيَ اللهَ وَهُوَ عليهِ غضبَان)؛ رواهُ الشيخانِ (1).
وقد تقدم الكلامُ على اليمينِ الغموسِ في سورةِ آل عمران، عندَ قولِ اللهِ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: 77].
الأَيمان التي تجبُ فيها الكفارةُ:
واليمين التي تجبُ فيها الكفَّارةُ هي: ما انعقَدَ القلبُ فيها بقسَمِ على فِعلِ شيءٍ أو تركِه، وهذا ظاهر الآية؛ لأن القلوبَ تنعقِد على فعلٍ أو تركٍ، فالقلبُ يَعقِدُ، والكفارةُ تَحل عَقدَه، ثم إن اليمينَ سُميَت يمينًا؛ لأن العربَ تمدُّ أَيمانَها عندَ عهودِها ومواثيقِها بعضِها مع بعض، وعندَ قَسَمِها ويمينِها لغيرِها بفعلٍ أو تركٍ، ثمَّ غلَب ذلك على اللفظِ؛ لأنَّ مجردَ المصافَحةِ تقعُ على غيرِ العهدِ؛ كالسلامِ ونحوِه.
الحلفُ بغيرِ الله، وحكم الحلفِ بالصفاتِ:
وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الحلفِ بغيرِ الله، ولو كان معظمًا مبجلًا؛ كالنبي والكعبةِ والولي والأبَوينِ والرحِمِ ونحوِها، ولا خلافَ عندَ العلماءِ
(1) أخرجه البخاري (2356)(3/ 110)، ومسلم (138)(1/ 122).
في جوازِ الحلفِ بأسماء اللهِ جميعًا، وفي الحلفِ بصفاتِه خلاف:
وعامَّة العلماءِ: على جوازِ ذلك؛ نص عليه مالك؛ كما في "المدونَةِ"، والشافعيّ؛ نقلَه عنه البيهقي، ومِثلهم أحمدُ، وحكى ابن هُبَيرَةَ الإجماعَ على انعقادِ اليمينِ بالصفاتِ.
واستثنَى أبو حنيفةَ عِلمَ اللهِ وحق الله، فلم يَره يمينًا (1).
ومَن قالوا بالجوازِ اختلَفوا:
فمنهم: مَن أطلَقَ الجوازَ بكلِّ صفة؛ فلم يَستثنوا منها شيئًا، وهم الأكثرُ.
ومنهم: مَن قيَّدَه بالصِّفاتِ الدالةِ على الذاتِ كالوجهِ؛ لقولِهِ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقالوا: إنَّ ما لا يدُلُّ على الذات، لا يُحلَفْ به؛ كاليدِ والقَدَمِ والساقِ وغيرِها مِن الصِّفاتِ الخبريةِ.
والصحيحُ: جواز اليمينِ بجميعِ الصفَات، وتنعقِدُ اليمينُ بها كما تنعقدُ بالأسماءِ؛ فلو أقسم بعِزَّةِ اللهِ ووجهِهِ ويدِه، جاز وانعقَدَتِ اليمينُ؛ فقد دَلَّ الدليلُ على جواز الاستعاذةِ بالصفة؛ كما في الحديثِ الذي يَرويهِ جابرُ بن عبد اللهِ مرفوعًا:(أعُوذُ بوَجهِك)(2)، وفي الآخَرِ:(أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التاماتِ)(3)، وفي غيرِهِ:(أعُوذُ بِرِضاكَ مِن سَخَطِكَ)(4)، والاستعاذةُ أظهَرُ في التعظيمِ والعبادةِ مِن القَسَمِ.
وقد دل الدليلُ على جوازِ القَسَمِ بالصفَةِ؛ كما في حديثِ أنس بنِ مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الذي يُغمَسُ في الجنة، فيُقالُ له: هَل رَأَيتَ
(1) ينظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 535).
(2)
أخرجه البخاري (4628)(6/ 56).
(3)
أخرجه مسلم (2708)(4/ 2080)، و (2709)(4/ 2081).
(4)
أخرجه مسلم (486)(1/ 352).