الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجبُ استيعابُ الأصنافِ الثَّمَانِيَةِ في كُلِّ زكاةٍ
؟ :
لا خلافَ عندَ العلماءِ في بقاءِ مصارفِ الزكاةِ للأصنافِ الثمانيةِ بعدَ وفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إلَّا المؤلَّفةَ قلوبُهُمْ؛ ففد اختَلَفُوا في بقاءِ سَهْمِهم على قولَيْنِ؛ كما يأتي بيانُه.
وقد اختَلَفَ العلماءُ في استيعابِ الأصنافِ الثمانيةِ: هل هو واجبٌ في كلِّ مالٍ زكَويٍّ، أو ذلك بحسَبِ الحاجةِ والإمكانِ؟ على قولَيْنِ للفقَهاءِ:
قالتْ طائفةٌ: إنَّ استيعابَ الأصنافِ الثمانيةِ واجبٌ؛ وهذا قولُ الشافعيِّ.
وقالتْ أُخرى: إنَّ الاستيعابَ غيرُ واجبٍ، وإنَّه يجوزُ الدَّفْعُ لواحدٍ مِن الأصنافِ الثمانيةِ ما كان أحوَجَ مِن غيرِه؛ وهذا قول أكثرِ السلفِ والفقهاء، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ وأحمدَ، وبه قال ابنُ عمرَ وحذيفةُ وابنُ عبَّاسٍ وأبو العاليةِ وميمونُ بن مِهْرانَ وابنُ جُبيرٍ وعطاءٌ والحسنُ، ومَن تأمَّلَ فِعْلَ الصحابة، وجَدَ أنَّهم لا يَختلِفونَ في جوازِ جَعْلِها في صِنْفٍ واحدٍ، وعدمِ وجوبِ الاستيعابِ.
وقد حكى الإجماعَ العَمَلِيَّ مالكُ؛ فقد نقَلَ عنه ابنُ وهبٍ قولَهُ: أدرَكْتُ أهلَ العِلْمِ ومَن أَرْضَى لا يَختلِفونَ في أنَّ القَسْمَ في سُهْمَانِ الصَّدقاتِ على الاجتهادِ مِن الوَالي (1).
والآيةُ إنَّما ذكَرَتِ المصارفَ الثمانيةَ لبيانِ مستحِقِّيها، لا لوجوبِ القسمةِ بينَهم مُتساوِيًا أو غيرَ متساوٍ؛ وذلك لأمورٍ:
منها: أنَّ اللهَ ذكَرَ الأصنافَ المستحِقَّةَ للزَّكَاة، ولو كان الاستيعابُ
(1)"أحكام القرآن" للطحاوي (1/ 371).
مقصودًا، لَما أَخَّرَ البيانَ فيه، مع العلمِ أنَّ استيعابَ جميعِهم مِن الأمورِ الشاقَّةِ التي تحتاجُ إلى كُلْفةٍ وتَحَرٍّ شديدٍ؛ وهذا يحتاجُ إلى بيانٍ شبيهٍ ببيانِ الأصنافِ الثمانيةِ مِن بينِ بقيَّةِ الأصنافِ المحتاجةِ للمال، فليس أصلُ بيانِ الثمانيةِ بأحوَجَ مِن بيانِ وجوبِ استيعابِهم لو كان واجبًا.
ومنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَدَ زكَواتِ كثيرٍ مِن الناس، وكذلك خلفاؤُه، ولم يثبُتْ أنه تَعمَّدَ استيعابَ الأصنافِ الثمانية، ولا نقَلَ ذلك عنه أحدٌ مِن أصحابِهِ صريحًا، ومِثلُ هذا لو كان عمَلًا لَنُقِلَ، فكيف يُقالُ بوجوبِهِ وإثمِ تارِكِه؟ !
ومنها: أنَّ استيعابَ الثمانيةِ غيرُ ممكِنٍ أو شاقٌّ جِدًّا في كثيرِ مِن الزَّكَوات، كمَنْ تجبُ عليه مِن مالِهِ زكاةٌ شاةٌ أو بقرةٌ، أو يجبُ في نقدَيْهِ مالٌ قليلٌ كدِرْهَمٍ ودِينارٍ؛ فكيف له قِسْمةُ ذلك على جميعِ الأصنافِ؟ ! ومثلُ هذا تكلُّفٌ؛ إذْ لا فَرْقَ في الوجوبِ بينَ كثيرِ الزكاةِ وقليلِها.
ومنها: أنَّ وجوبَ استيعابِ الأصنافِ الثمانيةِ يَلزَمُ منه إخراجُ الزكاةِ مِن بلَدِها إلى غيرِها مِن البُلْدانِ؛ فما كلُّ البُلْدانِ يُوجَدُ فيها قتالٌ في سبيلِ الله، ولا على أطرافِها ثغورٌ يُرابَطُ فيها، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ:(فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ)(1)، فجعَلَها في الففقراءِ ولم يُفصِّلْ له، وجعَلَها فيهم لا في غيرِهم، وقد لا يُوجَدُ فيهم جميعُ مصارفِ الزكاةِ الثمانيةِ.
ومنها: أنَّ اللهَ صدَّرَ آيةَ الأصنافِ الثمانيةِ بكَلِمةِ الحصرِ (إنَّما)؛ لبيانِ الحصرِ فيهم، لا الاستيعابِ لجميعِهم، فهي لإخراجِ غيرِهم منهم، لا لِتَسَاويهِم.
ومنها: أنَّ اللهَ بيَّنَ وجوبَ المساواةِ والعَدْلِ في العطيَّةِ في أمورٍ
(1) أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19).