الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرَّحِيمِ صَلَّى الله عَلَى سَيدنَا مُحَمد وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا](1)
كتَاب الْحُدُود
2864 -
(1) مسلم. عَنْ سَهلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَال: خَرَجَ عَبْدُ الله بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ حَتى إِذَا كَانَا بِخَيبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إِذَا مُحَيّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ الله بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم هُوَ، وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتكلمَ قَبْلَ صَاحِبَيهِ، فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(كبرْ)، لِلْكبْرِ فِي السنِّ. فَصَمَتَ، وَتَكَلمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلمَ مَعَهُمَا، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَقتلَ عَبْدِ الله بْنِ سَهْلٍ، فَقَال لَهُمْ:(أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ (2) دَمَ صَاحِبَكُمْ، أَوْ قَاتِلَكمْ). قَالُوا: وَكَيفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ. قَال: (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا)(3). فَالُوا: وَكَيفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفارٍ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَعْطى عَقْلَهُ (4)(5).
2865 -
(2) وعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافع بْنِ خَدِيجِ، أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُود، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ الله بْنُ سَهْلٍ فَاتهَمُوا
(1) ما بين المعكوفين ليس في (أ).
(2)
في (أ): "وتستحقون".
(3)
"فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا" أي: تبرأ إليكم من دعواكم بخمسين يمينًا. وقيل معناه: يخلصونكم من اليمين بأن يحلفوا فإذا حلفوا انتهت الخصومة.
(4)
"عقله" أي: ديته.
(5)
سلم (3/ 1291 - 1292 رقم 1669)، البخاري (6/ 275 رقم 3173)، وانظر (6143، 6898، 7192).
الْيَهُودَ، فَجَاءَ (1) أَخُوه عَبْد الرَّحْمَنِ، وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَتَكَلمَ عَبْدُ الرحمنِ في أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(كبرِ)، لِلْكُبْرِ (2). أَوْ قَال:(لِيَبْدَأ الأَكْبَرُ). فَتَكَلمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(يُقْسِمُ (3) خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فيدْفَعُ لَهُمْ (4) بِرُمَّتِهِ) (5). قَالُوا: أَمْر لَمْ نَشْهَدْهُ! كَيفَ نَحْلِفُ؟ قَال: (فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ). قَالُوا: يَا رَسُولَ الله قَوْم كُفار! قَال: فَوَدَاهُ رَسُولُ الله مِنْ قِبَلِهِ. قَال سَهْل: فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا (6) لَهُمْ يَوْمًا، فَرَكَضَتْنِي نَاقَة مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا (7). قَال حَمَّاد: هَذَا أوْ نَحْوَهُ (8). [حَمَّاد هُوَ ابْنُ زَيدِ بْنِ دِرْهَم مَذكُور فِي إسنَادِ هَذَا الحَديثِ](9). وفِيٍ طريق أخرى: عَنْ سَهْل: فَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ (10) مِائَة مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ.
2866 -
(3) وعَنْ سَهْلٍ أَيضًا، عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْل وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَينٍ أَوْ فَقِيرٍ (11)، فَأَتَى يَهُودَ فَقَال: أَنْتُمْ والله قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: والله مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ
(1) في (ج): "فجاءوا".
(2)
في (ج): "الكُبْر".
(3)
في (أ): "تقسم".
(4)
قوله: "لهم" ليس في (ج).
(5)
"برُمتِه" الرمه: الحبل، والمراد: الحبل الذي يربط في رقبة القاتل ويسلم فيه إلى ولي القتيل.
(6)
المربد: محبس الإبل، وهو كل شيء حبست فيه الإبل والغنم.
(7)
في (ج): "برجلهما".
(8)
انظر الحديث رقم (1) في هذا الباب.
(9)
ما بين المعكوفين ليس في (أ).
(10)
"فَوَدَاه" أي: أعطى ديته.
(11)
الفقير على لفظ الفقر من الآدميين، والفقير هنا: البئر القريبة القعر الواسعة الفم، وقيل: هو الحفيرة التي تكون حول النخل.
لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ (1) وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلمَ وَهُوَ الذي كَانَ بِخَيبَرَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُحَيِّصَةَ:(كبِّرْ كبِّرْ). يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(إِمَّا أَنْ يَدُوا (2) صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا (3) بِحَرْبٍ) (4). فَكَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلَيهِمْ (5) فِي ذَلِكَ، فَكَتبوا إِنا والله مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبدِ الرَّحمنِ:(أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ). قَالُوا: لا. قَال: (فَتَحلفُ لَكُمْ يَهُودُ). قالُوا: لَيسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ الله مِنْ عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِائَةَ نَاقَةٍ حَتى أُدْخِلَتْ عَلَيهِمُ الدَّارَ، قَال سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضتنِي مِنْهَا نَاقَة حَمْرَاءُ (6). [وفي طريق عَنْ بُشَيرٍ: وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، وأَهْلُهَا يَهُود. يَعْنِي خَيبَرَ](7).
في بعض طرق البخاري من قول اليهود: مَا قَتَلْنَا، وَلا عَلِمْنَا قَاتِلًا. وفيه: أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال، يَعنِي لأَولِياءِ القَتِيلِ:(تَأتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ). قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَة. قَال: (فَيَحْلِفُونَ). قَالُوا: لا نَرْضَى بِأَيمَانِ الْيَهُودِ .. وذكر الحديث. ولم يقل في الحديث الأول: قَال حَمَّادٌ: هَذَا أَوْ نَحْوَهُ. ورواه من طريق حماد أَيضًا.
(1) في (أ) و (ج): "وأخوه وحويصة"، والمثبت من "صحيح مسلم".
(2)
في (ج): "تدوا".
(3)
في (ج): "تؤذنوا".
(4)
"إما أن يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب" معناه: إن ثبت القتل عليهم بقسامتكم فإما أن يدوا صاحبكم، أي: يدفعوا إليكم ديته، وإما أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا فينتقض عهدهم ويصيرون حربًا لنا.
(5)
قوله: "إليهم" ليس فِي (ج).
(6)
انظر الحديث رقم (1) في هذا الباب.
(7)
ما بين المعكوفين ليس في (ج).
2867 -
(4) مسلم. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيمُونَةَ زَوْج النبِيّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانت عَلَيهِ فِي الْجَاهِلِيةِ (1).
وزاد في طريق أخرى: وَقَضَى بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ. وفي أخرى: عَنْ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَدَل: رَجل مِنْ أَصْحَابِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم. لم يذكر البخاري إقرار القسامة على ما كانت عليه.
2868 -
(5) وخرَّج عَنْ أَبِي قِلابَةَ؛ أَنَّ عمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلناسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقَال: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ، قَالُوا: نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَقادَتْ الْخُلَفَاءُ (2) بِهَا. قَال لِي: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلابَةَ وَنَصبَنِي لِلناسِ، فَقُلْتُ يَا أمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الأَجْنَادِ، وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أرَأَيت لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوهُ، أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قال: لا. قُلْتُ: أرأَيْت لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجلٍ مِنْهُمْ بِحِمْصَ أَنهُ قَدْ سَرَقَ، أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوهُ؟ قال: لا. قُلْتُ: فَوَاللهِ ما قَتَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحَدًا قَطُّ إِلا في إِحْدَى ثَلاثِ خصَالٍ: رَجل قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُل زَنَى بَعْدَ إِحْصَان، أَوْ رَجُل حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنِ الإسلامِ، فَقَال الْقَوْمُ: أَوَلَيسَ قَدْ حَدثَ أَنَسُ بْنُ مَالك؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَطَعَ فِي السَّرَقِ (3)، وَسَمَرَ الأَعين (4)، ثُمَّ نَبَذَهُم فِي
(1) مسلم (3/ 1295 رقم 1670)،
(2)
في (أ): "وقد أقاد الخلفاء".
(3)
في (ج): "السرقة".
(4)
"سمر الأعين" أي: أحمى لهم مسامير الحديد ثم كحلهم بها.
الشَّمْسِ. فَقُلْتُ: أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي أَنَس: أَنَّ نَفَرًا مِن عُكْلٍ (1) ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَبَايَعُوهُ عَلَى الإسْلامِ، فَاستَوْخَمُوا الأَرضَ (2) فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُم، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَال (3):(أَفَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَألْبَانِهَا). قالوا: بَلَى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَطَرَدُوا (4) النعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ فِي أثَارِهِمْ، فَأُدرِكُوا فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيدِيهِم وَأَرْجُلُهُمْ وَسَمَرَ أعينَهُمْ، ثمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشِّمْسِ حَتى مَاتُوا. قُلْتُ: وَأَي شَيءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَوُلاءِ: ارتدوا عَنِ الإسْلامِ، وَقَتَلُوا، وَسَرَقُوا، فَقَال عَنْبَسَةُ بن سَعِيدٍ: والله إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قط. قُلْتُ (5): أتردُّ علَيَّ حَدِيثي يَا عَنْبَسَةُ! قَال: لا، وَلَكِنْ أَتَيتَ بالْحَدِيثِ عَلَى وَجْههِ، والله لا يَزالُ هَذا الجُندُ بِخَيرٍ مَا عاشَ هذا الشيخُ بين أَظْهُرِهِم. قُلْتُ: وَقَد كَانَ فِي هَذَا سُنة مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، دخَلَ عَلَيهِ نَفَر مِنَ الأنصَارِ فَتَحَدَّثُوا عِندَهُ فخَرَجَ رَجُل مِنهُمْ بَينَ (6) أيدِيهِمْ فَقُتِلَ، فَخرَجُوا بَعْدَه، فَإِذَا هُمْ بصَاحِبِهِمْ يَتَشحَّطُ (7) فِي الدَّمِ، فَرَجعُوا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ صَاحبُنَا كَانَ تَحَدَّثَ مَعَنَا فَخَرَجَ بَينَ أَيدِينَا فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ في الدَّمِ، فَخرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال:(بِمَنْ تَظنونَ، أَو تروْنَ قَتَلَهُ؟ ). قَالُوا:
(1)"عكل": قبيلة من الرباب.
(2)
"فاستوخموا الأرض" أي: استثقلوها ولم يوافق هواؤها أبدانهم.
(3)
في (ج): "قال".
(4)
رسمت هكذا في (ج): "بما طروا".
(5)
في (ج)"نقلت".
(6)
في (أ): "من".
(7)
"يتشخط في الدم" أي: يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ.
نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ. فَأرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ، فَقَال:(آنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذَا؟ ). قَالُوا: لا. قَال: (أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ (1) خَمْسِينَ مِنَ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ؟ ). فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا (2) أَجْمَعِينَ ثُمَّ يَنْفِلُونَ. قَال: (أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدّيَةَ بِأَيمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ ). قَالُوا: مَا كُنا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا (3) لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَطَرَقَ أَهْلَ بَيتٍ مِنَ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ، فَانْتَبَهَ (4) لَهُ رَجُل مِنْهُمْ فَحَذَفَهُ بِالسَّيف فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ هُذَيل فَأَخَذُوا الْيَمَانِيَّ فَرَفَعُوهُ (5) إِلَى عُمَرَ فِي الْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا. فَقَال: إِنهُمْ قَدْ خَلَعُوهُ، فَقَال: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيل مَا خَلَعُوهُ (6). قَال: فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنَ الشَّامِ، فَسَأَلُوهُ أنْ يُقْسِمَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ (7) مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلًا آخَرَ فَدَفَعَهُ إِلَى أَخِي الْمَقْتُولِ فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ، قَال (8): فَانْطَلَقَا وَالْخَمْسُونَ الذِينَ (9) أقْسَمُوا حَتى إذَا كَانُوا بِنَخْلَةَ أَخَذَتْهُمُ السَّمَاءُ، فَدَخَلُوا فِي غَار فِي الْجَبَلِ فَانْهَجَمَ الْغَارُ عَلَى الْخَمْسِينَ الذِينَ أَقْسَمُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَأَفْلَتَ الْقَرِينَانِ وَاتبَعَهُمَا حَجَرٌ فَكَسَرَ رِجْلَ أَخِي الْمَقْتُولِ فَعَاشَ حَوْلًا ثُمَّ مَاتَ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَقَادَ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ، ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ فَأَمَرَ بِالْخَمْسِينَ الذِينَ أَقْسَمُوا فَمُحُوا مِنَ الدّيوَانِ، وَصَيَّرَهُمْ إِلَى
(1)"نفل": هو الحلف.
(2)
في (أ): "أيقتلونا".
(3)
"خلعوا خليعًا" يقال: تخالع القوم إذا نقضوا الحلف. وفي نسخة (ج): "حليفًا".
(4)
في (أ): "فانتهبه".
(5)
في (أ): "فدفعوه".
(6)
في (ج): "فخلعوا".
(7)
قوله: "يمينه" ليس في (ج).
(8)
قوله: "قال" ليس في (ج).
(9)
في (ج): "الذي".
الشَّامِ (1). خرَّجه في "الديات". وقَال في طريق آخر مختصر: قال أبو قِلابَةَ: هَؤُلاءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ، وَحَاربوا اللهَ وَرَسُولَهُ. وزاد (2) في آخر: وَسَعَوا فِي الأَرْضِ فَسَادًا. وقال أَيضا: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ (3) قَتْلُهَا فِي الإِسْلامِ إلا رَجُل زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ .. الحديث. وذَكَرَ طَرفًا منه في "المغازي" قال: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ فَقَالُوا: حَق قَضَى بِهَا وقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ.
2869 -
(6) وخرَّجَ فِي "بَابِ القَسَامَةِ في الجَاهلِية" عِندَ آخِر المناقِب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: إنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بني هَاشِمٍ، كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأجَرَهُ رَجُل مِنْ قُرَيشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَانْقَطَعَتْ (4) عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ (5)، فَقَال أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لا تَنْفِرُ الإِبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالًا فَشدَّ بِهِ فِي عُرْوَةَ (6) جُوَالِقِهِ، فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتِ الإبِلُ إلا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَال الذي اسْتَأجَرَهُ: مَا شَأنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَينِ الإِبِلِ؟ قَال: لَيسَ لَهُ عِقَال. قَال: فَأَينَ عِقَالُهُ؟ قَال: فَحَذَفَهُ (7) بِعَصًا كَانَ فِيهِ (8) أجَلُهُ، فَمَرَّ بهِ رَجُل مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَال أَتَشهَدُ الْمَوْسِمَ. قَال: مَا أَشْهَدُ، وَرُبَّمَا مَرَّةً (9) شَهِدْتُهُ. قَال: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغ عَني رِسَالةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَكَنَتَ إذا أنْتَ
(1) البخاري (12/ 230 - 231 رقم 6899)، وانظر (233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5727، 6802، 6803، 6804، 6805).
(2)
في (ج): "زاد".
(3)
في (ج): "أحل".
(4)
في (أ): "فانطلقت".
(5)
"عروة جوالقه": الوعاء من جلود وثياب وغيرها.
(6)
قوله: "عروة" ليس في (ج).
(7)
"فحذفه" أي: رماه.
(8)
في (ج): "فيها".
(9)
قوله: "مرة" ليس في (أ).
شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ: يَا آل (1) قُرَيشٍ، فَإِذَا أَجَابُوكَ، فَنَادِ يَا آل (2) بَنِي هَاشِمٍ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَسَلْ عَنْ أَبي طَالِبٍ، فَأَخْبِرْهُ: أَنَّ فُلانًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ، وَمَاتَ الْمُسْتَأجَرُ، فَلَمَّا قَدِمَ الذي اسْتَأجَرَهُ أَتَاهُ أبو طَالِبٍ، فَقَال: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَال: مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ. قَال: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَلِكَ مِنْكَ، فَمَكُثَ حِينًا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الذي أَوْصَى إِلَيهِ أَنْ يبلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ (3)، فَقَال: يَا آل قُرَيشٍ! قَالُوا: هَذِهِ قُرَيش. قَال: يَا بَنِي هَاشم! قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ. قَال: أَينَ أبو طَالِبٍ؟ قَال (4): هَذَا أبو طَالِبٍ. قَال: أَمَرَنِي فُلانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالةً: أَنَّ فُلانا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ. فَأَتَاهُ أبو طَالِبٍ فَقَال لَهُ: اختَرْ مِنا إِحْدَى ثلاثٍ: إِنْ شئتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ فَإِنكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسونَ مِنْ قَوْمِكَ إِنكَ لَمْ تَقتلْهُ، فَإِنْ أَبَيتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ. فَأتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا: نَحْلِفُ فَأَتَتْهُ امْرَأَة مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالتْ: يَا أبَا طَالِب أُحِبّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَحُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَلا تُصْبِرْ يَمِينَهُ (5) حَيثُ تُصْبَرُ الإيمَانُ (6) فَفَعَلَ، فَأتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فقَال: يَا أبا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِبُ كُلَّ رَجُل بَعِيرَانِ هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي، وَلا تُصْبِرْ يَمِيني حَيثُ تُصبرُ الأَيمَانُ فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيَة وَأرْبَعُونَ فَحَلَفُوا. قال
(1) في (أ): "يال".
(2)
قوله: "آل" ليس في (ج).
(3)
"وافى الموسم" أي: أتاه.
(4)
في (ج): "قالوا".
(5)
"ولا تصبر يمينه" أصل الصبر: الحبس والنع، ومعناه في الإيمان الإلزام، تقول صيرته: أي ألزمته أن يحلف بأعظم الأيمان حتى لا يسعه أن لا يحلف.
(6)
"حيث تصبر الأيمان" قال ابن التين: بين الركن والمقام.