الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:
لما انهزم المشركون، وولوا الأدبار، أقبل المسلمون على الغنائم والأسلاب، وهنا جاء خطأ الرماة تركوا الجبل، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره لهم وهو ينظم المعركة، وغرتهم الأسلاب والغنائم، وقال بعضهم لبعض: تقيمون ها هنا في غير شيء؟
قد هزم الله العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم! فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم!!
فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم: "احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا".
فقال الآخرون: لم يرد رسول الله هذا، وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد الله بن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون1.
انتهز خالد بن الوليد فرصة ترك الرماة لمكانهم، وكان قريبًا منه على ميمنة خيل المشركين، فهجم على موضع الرماة، واحتله بفرسانه، وتمكن وجنوده من قتل قائد الرماة عبد الله بن جبير رضي الله عنه وجرح من بقي معه، ولم يفطن المسلمون لهذه المباغتة، وصاح خالد في قريش ليعودوا إلى الميدان مرة أخرى، ويلتقوا وراء المسلمين، فعادت قوات قريش المهزومة للقيام بهجوم جديد، بينما خالد وفرسانه يحكمون قبضتهم على جبل الرماة، الموجود خلف المسلمين، وبذلك أصبح المسلمون محاطين من كافة جوانبهم، وتحرج موقفهم وصاروا عرضة للسهام تأتيهم من كل جانب، فانهارت مقاومتهم، وبخاصة أن صفوفهم لم تكن ثابتة في مواضعها، لتستطيع الصمود بعد تبعثر أفرادها لجمع الغنائم.
تفككت صفوف المسلمين وقام إبليس بمهمته فنادى عند جبل عينين وظهر للناس في صورة جعال بن سراقة وصرخ في الناس إن محمدًا قد قتل، ثلاث صرخات دوت في الوادي2.
وبهذه الصورة تحول الموقف بسرعة كبيرة، وعاد المشركون من هزيمتهم إلى انتصار يتحقق، وبعدما كان المسلمون يعيشون فرحة الانتصار صاروا إلى هزيمة مؤلمة، وتخبط حالهم، واختلط توجههم، وتداخل المسلمون، وصاروا يقتتلون فيما بينهم، ويضرب بعضهم بعضًا ولا يشعرون بسبب ما هم فيه من العجلة، والدهشة، والمفاجأة.
وجرح أسيد بن حضير جرحين، ضربه أحدهما أبو بردة بن نيار وهو لا يدري.
1 انظر صحيح البخاري كتاب المغازي ج6 ص287.
2 المغازي ج1 ص232 وهذا ابتلاء نزل بجعال لأنه كان يقاتل في صفوف المسلمين فظن المسلمون أنه ارتد حين صاح إبليس فيهم.
وضرب أبو زعنة أبا بردة ضربتين وما يشعر.
والتقت أسياف المسلمين على اليمان حسيل بن جابر وهم لا يعرفونه حين اختلطوا، وحذيفة يقول أبي، أبي حتى قتل، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، فزادته مقالته هذه عند رسول الله خيرًا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته أن تخرج، فتصدق حذيفة بن اليمان بديته على المسلمين، ويقال: إن الذي أصابه عتبة بن مسعود، وأقبل الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح: يا آل سلمة!! فأقبلوا إليه جماعة واحدة: لبيك داعي الله! فيضرب يومئذ جبار بن صخر في رأسه وما يدري1.
ولم ينقذهم من هذا الاضطراب إلا ظهور صيحتهم التي تميز المسلم من المشرك فأظهروا الشعار بينهم، فجعلوا يصيحون: أمت أمت! فكف بعضهم عن بعض.
وأصاب الوهن المسلمين، وتصوروا أن دولتهم قد زالت، وأن كيانهم تهدم، وبخاصة بعدما سمعوا صيحة إبليس المؤذنة بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد زعزعت صيحة إبليس المعسكر الإسلامي كله، وفي نفس الوقت قوت عزيمة المشركين لشعورهم بقرب تحقيق أمانيهم، ولم يدم ذلك الحال طويلا، فلقد جاء الخبر بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجاته.
وكان أول من بشرهم بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك، فجعل يصيح ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إليه بإصبعه على فيه أن "اسكت". ودعا بلأمة كعب فلبسها، ونزع لأمته فلبسها كعب، وقاتل كعب حتى جرح سبعة عشر جرحًا لشدة قتاله.
وأخذ أبو سفيان في البحث عن حقيقة خبر مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهدأ نفسه، ويتيقن من تحقيق هدف المشركين الأول، فأخذ يسأل من يقابله، ويقول: يا معشر قريش أيكم قتل محمدًا؟
فقال ابن قمئة: أنا قتلته.
قال أبو سفيان: نسورك كما تفعل الأعاجم بأبطالها.
وأخذ أبو سفيان يطوف بأبي عامر في أرض المعركة عساه يرى محمدًا ويتأكد من قتله؟
1 المغازي ج1 ص234.