الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة
مدخل
…
المبحث الثاني: تشريح الجهاد وحركة الدعوة
لم يرض القرشيون بما آل إليه شأن المسلمين، ولم يقبلوا أن يعيش المسلمون في مجتمع آمن مستقر.
كان المظنون أن تهدأ ثائرة كفار مكة، وعباد الأوثان بعدما هاجر المسلمون إلى المدينة، وتركوا ديارهم وأموالهم عندهم، وابتعدوا عن مقابلتهم، وتخلصوا من مضايقاتهم وعدوانهم المتكرر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين.
كان المظنون ذلك لكن الواقع شهد بغير هذا لأن أهل مكة درسوا موقف المسلمين بعد الهجرة، وتصوروا أن تواجدهم في مجتمع خاص بهم سوف يؤدي إلى بروز الإسلام، ووصوله إلى الأماكن البعيدة لعلمهم أن الإسلام هو دين الحق، وأنه يتلاءم مع الإنسان السوي، ويرضي العقل السليم.
ومن أجل هذا التصور وضعوا خطة حصار المسلمين، وحالوا القضاء عليهم في مستقرهم الجديد.
علم كفار مكة ما كان من عبد الله بن أبي سلول من كراهيته للإسلام فكتبوا إليه ومن كان يعبد معهم الأوثان قائلين لهم: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم2.
فجمع ابن أبي أشياعه لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه، فلقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم:"لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم، وإخوانكم، فلما سمعوا ذلك من النبي تفرقوا"2.
كما عملوا على منع المسلمين من زيارة البيت الحرام بمكة، وقد حدث أن سعد بن معاذ دخل مكة معتمرًا، ونزل على أمية بن خلف، فقال لأمية: انظر لي ساعة
1 سنن أبي داود باب خبر النضير ج2 ص139، 140 ط الحلبي.
2 المرجع السابق ونفس الصفحة.
خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبًا من لقف النهار.
فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، من معك؟
فقال: هذا سعد.
فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالمًا.
فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على أهل المدينة1.
وحاولوا العدوان على المسلمين في المدينة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت ساهرًا، واتخذ لنفسه حرسًا.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مقدمه المدينة ليلة، فقال صلى الله عليه وسلم:"ليت رجلا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة".
تقول عائشة: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح.
فقال صلى الله عليه وسلم: "من هذا"؟.
قال: سعد بن أبي وقاص.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جاء بك"؟.
فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام2.
ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه أنهم أمام عدو لا يريد السلام، ولا يفكر إلا في القضاء على الإسلام، ورأوا ضرورة التصدي لهذا الطاغوت الظالم الذي يعمل على إفساد الحياة، والقضاء على دين الله تعالى.
وشاءت إرادة الله تعالى أن ينصر جنده، فكلفهم بالجهاد، وأذن لهم فيه.
ودراستنا للجهاد هنا تتناول النقاط التالية:
1 صحيح البخاري بشرح فتح الباري. ك المغازي. باب ذكر النبي من قتل ببدر ج7 ص282.
2 صحيح مسلم.