الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة
أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن
…
المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة
استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأحضر أبناءه، وزوجته سودة من مكة، وتمت هجرة المؤمنين جميعًا وصارت الأمة مهيأة لانطلاقة الإسلام الكبرى، وتعددت مهمات النبي صلى الله عليه وسلم، فهو في بيته مع زوجاته، وأبنائه، زوجًا، وأبًا، وموجهًا، ومع سائر الناس داعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا.
وقد وفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما كلف به، حتى صار الأسوة الكاملة في كل مجال يحتاج له الناس، وفي هذا المبحث سأتناول الجانب الأسري لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ألصق بسيرته صلى الله عليه وسلم مع رد الافتراءات الموجهة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعدد زوجاته وذلك فيما يلي:
أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن
أجمع المؤرخون وعلماء السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج إحدى عشرة امرأة، مات عن تسعة منهن، واختلفوا فيما فوق هذا العدد.
وسأورد تعريفًا موجزًا بأمهات المؤمنين المتفق على أنهن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجمل أسماء المختلف فيهن زواجا أو خطبة أو غير ذلك فيما يلي:
الزوجة الأولى: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
هي خديجة بنت خويلد القرشية من بني أسد بن عبد العزى، تلتقي مع رسول الله في جده "قصي" تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام مع أنها تكبره بخمسة عشر عامًا1.
وكانت خديجة رضي الله عنها خير معاشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له نعم الزوجة يصور ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول عنها: "ما أبدلني الله خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس
1 انظر الكتاب الثاني من السلسلة ص237.
ورزقني الله أولادها، وحرمني أولاد الناس" 1.
يقول ابن إسحاق: كانت وفاة خديجة، وأبي طالب، في عام واحد، وتوفيت وهي بنت خمس وستين سنة، ودفنت في الحجون، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حفرتها، ولم تكن شرعت صلاة الجنازة بعد2.
الزوجة الثانية: سودة بنت زمعة رضي الله عنها
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة رضي الله عنها، وكانت قبله زوجًا لابن عمها السكران بن عمرو، من السابقين إلى الإسلام الذين هاجروا إلى الحبشة الهجرة الثانية، جاء إلى مكة مع زوجته فتوفي بها ودفن بالحجون.
والحكمة في زواجه صلى الله عليه وسلم منها صيانتها من الشرك؛ لأنها لو عادت لقومها واحتاجت لهم لأهانوها، وعذبوها، وفتنوها في دينها، ولذلك صانها النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج وكفلها.
توفيت سودة رضي الله عنها في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفنت بالبقيع.
الزوجة الثالثة: عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها
عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها في مكة قبل الهجرة وهي بنت ست سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات، في شوال من السنة الأولى من الهجرة، وفي زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة تكريم لأول أصحابه، وأعلاهم قدرًا، وأحبهم إلى قلبه صلى الله عليه وسلم.
وكان لعائشة منزلة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:"فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"3.
تقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: "أين أنا اليوم؟! أين أنا غدًا"؟ ، استبطاء ليوم عائشة: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري4.
ولم ينس الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر سبقه للإسلام، ونصره لدين الله تعالى، وإعانته
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص361.
2 صفوة الصفوة لابن الجوزي ج2 ص9.
3 صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل عائشة ج15 ص211.
4 صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل عائشة ج15 ص207، 208.
للمستضعفين، ولذا صاهره وتزوج ابنته عائشة رضي الله عنها1 بأمر الله تعالى.
توفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين من الهجرة، وصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع وعمرها ثمان وستون سنة.
الزوجة الرابعة: حفصة بنت عمر رضي الله عنها
تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها في شهر شعبان على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة.
كانت حفصة زوجة لـ"خنيس بن حذاقة السهمي" الصحابي الجليل، الذي شهد بدرًا وأحدًا، وتوفي بالمدينة بعد أحد مباشرة بجرح أصابه فيها فلما انقضت عدتها فكر أبوها في تزويجها، يقول أبوها عمر رضي الله عنه: فلقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة، فقال: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر.
قال: سأنظر في أمري.
فلبثت ليالي ثم قال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا.
قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان.
فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه.
فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك؟
قلت: نعم.
قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها2.
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة في السنة الأولى من الهجرة، فكان هذا قرة عين لصاحبه أبي بكر، وخير مكافأة له في الدنيا على صدقه وإخلاصه.
1 انظر صحيح البخاري كتاب المناقب باب تزويج النبي عائشة ج6 ص202.
2 صحيح البخاري كتاب المغازي باب حدثنا أبو اليمان ج6 ص262، وانظر الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج22 ص129، 130.
فلما توفي زوج السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يساوي بين عمر وبين أبي بكر في تشريفهما بمصاهرته، ولم يكن في الإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا، فتزوج حفصة في السنة الثالثة.
فما أجل سياسته صلى الله عليه وسلم!!
وما عظم وفائه للأوفياء له.
ويقابل ذلك إكرامه لعثمان رضي الله عنه، ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، بتزويجهما ببناته "رقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن".
وهؤلاء الأربعة أعظم أصحابه في حياته، وخلفاؤه في أمته ونشر دعوته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهم أفضل الصحابة على الإطلاق1.
توفيت حفصة رضي الله عنها سنة خمس وأربعين من الهجرة في خلافة معاوية وصلى عليها مروان بن الحكم ودفنت بالبقيع وعمرها ثلاث وستون سنة.
الزوجة الخامسة: زينب بنت خزيمة رضي الله عنها
تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وهي المعروفة في الجاهلية بأم المساكين، وكانت قبله زوجة للصحابي "عبيدة بن الحارث" الذي استشهد يوم بدر، وكان دخوله صلى الله عليه وسلم بها في رمضان من السنة الرابعة من الهجرة، وقد توفيت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر ودفنت بالبقيع، ولم يمت من أزواجه صلى الله عليه وسلم في حياته إلا هي وخديجة رضي الله عنهما وكان عمر زينب يوم وفاتها ثلاثين عامًا2.
الزوجة السادسة: أم سلمة رضي الله عنها
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة وهي هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، تزوجت أولا ابن عمها "عبد الله بن عبد الأسد المخزومي" من السابقين إلى الإسلام، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاع، شهد بدرًا واستشهد يوم أحد.
وكان زوجها يحبها قالت له مرة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهما من
1 منتقى النقول ص450.
2 الطبقات الكبرى ج8 ص116.
أهل الجنة ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها، فتعال أعاهدك أن لا تتزوج بعدي ولا أتزوج بعدك.
قال: أتعطيني؟
قالت: ما سألتك إلا لأعطيك.
قال: فإذا أنا مت فتزوجي، ثم قال: اللهم أرزق أم سلمة بعدي رجلا خيرًا مني لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما مات أبو سلمة قلت: من هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة فلبثت ما لبثت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني ثم تزوجني1.
وكانت أم سلمة وضيئة جميلة، تقول السيدة عائشة عنها: لما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حزنت حزنًا شديدًا لما ذكر لي من جمالها فذكرت ذلك لحفصة فقالت: ما هي كما يقال فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي، فذكرت ذلك لحفصة فقالت: نعم ولكني كنت غيرى2.
وأبلت أم سلمة بلاء حسنًا في الهجرة، وعزاها النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها وقال لها:"سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك، ويخلفك خيرًا".
فقالت: ومن يكون خيرًا من أبي سلمة؟
فلم ير صلوات الله وسلامه عليه عزاء ولا كافلا لها ولأولادها ترضاه غيره صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فخطبها.
ولما خطبها لنفسه اعتذرت بأنها مسنة وأم أيتام وذات غيرة3.
فأجابها صلى الله عليه وسلم بأنه أكبر منها سنا، وبأن الغيرة يذهبها الله تعالى، وبأن الأيتام إلى الله ورسوله، وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها في شهر شوال من السنة الرابعة من الهجرة4.
وتوفيت أم سلمة سنة ثلاث وستين من الهجرة في خلافة يزيد بن معاوية رضي الله عنه وصلى عليها والي المدينة مروان بن الحكم، وهي آخر من مات من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
1 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج22 ص131.
2 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج22 ص132.
3 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص394.
4 الطبقات الكبرى قسم النساء ج8 ص91.
الزوجة السابعة: زينب بنت جحش رضي الله عنها
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد زواجه من أم سلمة، سنة ست من الهجرة، وكان اسمها "برة" فسماها النبي صلى الله عليه وسلم بـ"زينب".
وقد أمر الله رسوله بتزوجها بعدما كان يخشى صلى الله عليه وسلم قالة الناس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي زوجها لمولاه زيد بن حارثة رغم معارضتها، وقد تعود الناس أن لا يتزوج السيد مطلقة مولاه، وحتى لا يتحدث الأفاكون عن طلاقها من زيد، وزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمالها وحسنها.
تحكي زينب رضي الله عنها قصتها فتقول:
خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين هي ممن يعلمها كتاب ربها، وسنة نبيها"؟.
قالت: ومن هو يا رسول الله؟
قال: زيد بن حارثة.
فغضبت حمنة غضبًا شديدًا وقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بنت عمك مولاك؟ وجاءتني فأعلمتني فغضبت أشد من غضبها وقلت أشد من قولها، فأنزل الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 1.
فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أستغفر الله، وأطيع الله ورسوله، افعل ما رأيت يا رسول الله.
فزوجني زيدًا، وكنت أرنى عليه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عدت، فأخذته بلساني، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنه في فراقي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك زوجك واتق الله".
فقال يا رسول الله: أنا أطلقها.
1 سورة الأحزاب: 36.
تقول زينب: فطلقني.
فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل عليّ، وأنا مكشوفة الشعر، فقلت: إنه أمر من السماء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خطبة ولا شهادة.
فقال صلى الله عليه وسلم: " الله هو المزوج وجبريل هو الشاهد"1.
وقد بين القرآن الكريم قصة زواج زينب فقال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} 2.
والمراد بالذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم "زيد بن حارثة" رضي الله عنه، الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم من زينب، وكانت لذلك رافضة لما كانت تتمتع به من حسب، وجمال، ودين إلا أنها أطاعت رسول الله، وتزوجته.
وتمضي الأيام، ويفكر زيد في طلاق زينب لما رآه من استعلائها، ويأتي لرسول الله يستأذنه في ذلك، فينهاه لعلمه بأمر الله تعالى في هذا الشأن، إلا أن زيدًا طلق زينب، وأمر الله تعالى رسوله بالزواج من زينب.
والحكمة واضحة في الآية {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} .
ذلك أن العرب كانوا يعدون الابن بالتبني مثل الابن الأصلي، في تحريم زوجته إذا دخل بها على والده، ولذلك زوج الله نبيه بزينب، قطعًا لهذه العادة التي لا سند لها في شرع الله تعالى.
وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه من زينب عادة جاهلية أخرى، وهي استعلاء السادة عن الزواج بزوجات مواليهم كبرًا وفسادًا.
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص396.
2 سورة الأحزاب: 37.
كما بين للمؤمنين قضية عقدية هامة، وهي أنه لا خيار لمؤمن ولا مؤمنة بعد قضاء الله وحكمه كما تفيد الآيات.
وقد توفيت زينب سنة عشرين للهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد صلى عليها عمر رضي الله عنه ودفنت بالبقيع1.
الزوجة الثامنة: جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
كانت جويرية من سبايا بني المصطلق، جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم تستعين به في كتابتها، فأدى صلى الله عليه وسلم عنها كتابتها وتزوجها بعد ذلك، وكان قومها جميعًا سبايا عند الصحابة، وبعد أن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصحابة: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون فأرسلوا ما بأيديهم من السبايا وأعتقوهم فصاروا جميعًا أحرارًا.
تقول عائشة: فلا نعلم امرأة كانت أكثر بركة على قومها من جويرية.
وقد توفيت جويرية بالمدينة سنة ست وخمسين من الهجرة وصلى عليها والي المدينة مروان بن الحكم ودفنت بالبقيع وكان عمرها يوم وفاتها خمسًا وستين سنة2.
الزواجة التاسعة: أم حبيبة رضي الله عنها
هي رملة بنت أبي سفيان من السابقات للإسلام، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة، وهناك ارتد عبد الله عن الإسلام وتنصر وثبتت هي على الإسلام، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يخطبها له، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة دينار.
تقول أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان: فارقت عبد الله بن جحش فما شعرت إلا بجارية يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثياب النجاشي تأتيني وتقول: إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجكه.
قالت: بشرك الله بخير.
قالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجلي وخواتيم
1 انظر بغية الرائد باب مناقب زينب ج9 ص398.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد باب مناقب صفية ج9 ص403.
فضة سرورًا بما بشرتها، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب والمسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن رسول الله كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله وقد أصدقتها أربع مائة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.
فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله رسول الله، ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال النجاشي: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا1.
وقد حضرت أم حبيبة رضي الله عنها إلى زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة في المدينة المنورة وتوفيت زمن أخيها معاوية سنة أربع وأربعين من الهجرة، ودفنت بالبقيع2.
الزوجة العاشرة: صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، سيد بني النضير، وكانت من أجمل نساء العالمين، ولم تبلغ سبع عشرة سنة.
وقد صارت له من سبي خيبر أمة فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق الرجل أمته، ويجعل عتقها صداقها فتصير زوجة حرة بذلك.
قال أنس: لما جمع "صلى الله عليه وسلم" بني خيبر جاءه دحية الكلبي فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي.
1 الطبقات الكبرى ج8، 97، 98.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد باب مناقب أم حبيبة ج9 ص402.
فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فخذ جارية فذهب وأخذ صفية بنت حيي".
فجاء رجل وقال: يا رسول الله إنها سيدة قريظة والنضير، وإنها لا تصلح إلا لك نظرًا لما قد كانت فيه.
قال صلى الله عليه وسلم: "ادعو دحية إليّ بها".
فجاء دحية بها، فلما جاءت نظر إليها صلى الله عليه وسلم وقال لدحية الكلبي:"خذ جارية من السبي غيرها"، ثم أعتقها وتزوجها.
يقول الحجاج: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها وتكون زوجته أو تلحق بأهلها، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته1.
ويقول ابن شهاب: كانت مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم، فحجبها وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها2.
وعن ابن عمر قال: كان بعيني صفية خضرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"ما هذه الخضرة بعينيك"؟
قالت: قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كأن قمرًا وقع في حجري، فلطمني وقال: أتريدين ملك يثرب؟ أتريدين ملك يثرب؟
قالت: وما كان أبغض إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل أبي، وزوجي.
فما زال يعتذر إليّ ويقول: "يا صفية إن أباك ألب عليَّ العرب، وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي"3.
وعن وحشي بن حرب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أفاء الله عليه صفية، قال لأصحابه:"ما تقولون في هذه الجارية"؟
قالوا نقول: إنك أولى الناس بها وأحقهم.
قال صلى الله عليه وسلم: "فإني أعتقها وأستنكحها، وجعلت عتقها مهرها".
فقال رجل: يا رسول الله الوليمة.
1 صحيح البخاري ك النكاح بباب من جعل عتق الجارية صداقها ج8 ص135.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص404.
3 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد باب مناقب صفية ج9 ص404.
قال صلى الله عليه وسلم: "الوليمة حق، والثانية معروف، والثالثة، فخر وحرج"1.
وعن صفية قالت: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من أحد أكره إليّ منه فقال: "إن قومك صنعوا كذا وكذا". فما قمت من مقعدي ومن الناس أحد أحب إليّ منه صلى الله عليه وسلم2.
وفي رواية عن السيدة صفية رضي الله عنها قالت: ما رأيت قط أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد رأيته ركب بي من خيبر على عجز ناقته ليلا، فجعلت أنعس فيضرب رأسي مؤخرة الرحل، فيمس بيده ويقول:"يا هذه مهلا يا بنت حيي".
حتى إذا جاء الصهباء قال: "أما إني أعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك إنهم قالوا لي كذا وكذا"3.
وكانت صفية حليمة، عاقلة، فاضلة، ماتت سنة خمسين في رمضان، وقيل سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية ودفنت بالبقيع.
الزوجة الحادية عشرة: ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد صفية بنت حيي: ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوجه إياها العباس عمه، وكانت خالة ابن عباس رضي الله عنه.
وكانت في الجاهلية عند "مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي" ففارقها وخلف عليها "أبا رهم بن عبد العزى" فتوفي عنها، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة سبع بمكة في عمرة القضاء بعدما أحل.
وبنى بها بسرف حيث تزوج بها، وقد ماتت سنة إحدى وستين في خلافة يزيد بن معاوية، وقد بلغت ثمانين سنة، وهي آخر من تزوج صلى الله عليه وسلم4.
وهي التي وهبت نفسها للنبي، يقول السهيلي: لما جاءها الخاطب، وكانت على بعير رمت بنفسها من على البعير، وقالت: البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم5.
1 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص406.
2 المرجع السابق ج9 ص406.
3 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج9 ص404-406.
4 الطبقات الكبرى ج8 ص132 إلى 134.
5 الروض الأنف ج4 ص78 وفيها نزل قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} .
أجمع المؤرخون، وكتَّاب السيرة على تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأحدى عشرة امرأة، هن أمهات المؤمنين المذكورات:
ست منهن قرشيات وهن: خديجة، وعائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة رضي الله عنهن.
وأربع عربيات وهن: زينب بنت جحش من بني خزيمة، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت خزيمة من بني صعصعة، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق.
ومن غير العربيات، صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير.
وقد توفي صلى الله عليه وسلم عن تسع لوفاة خديجة وزينب بنت خزيمة في حياته وكان يقسم لثمان، بعد أن تنازلت سودة عن ليلتها لعائشة رضي الله عنهن، وأول أزواجه لحوقًا به زينب بنت جحش، وآخرهن وفاة أم سلمة رضي الله عنهن جميعًا.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم سريتان اختلفت الروايات حول زواج الرسول بهما وهما:
الأولى: مارية بنت شمعون القبطية المصرية، أهداها له صاحب الإسكندرية واسمه جريج بن مينا، وكانت جميلة، بيضاء، أعجب بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحبها وحظيت عنده، ولا سيما بعدما وضعت إبراهيم ولده.
ولما ولدت له إبراهيم غار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتدت عليهن الغيرة حين صارت بذلك أم ولد حرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعتقها ولدها".
وماتت في المحرم سنة خمس عشرة فصلى عليها عمر ودفنها بالبقيع رحمها الله1.
الثانية: ريحانة بنت زيد القرظية نسبت لبني قريظة لتزوجها واحدًا منهم وليست منهم لأنها عربية وكانت في سبي بني قريظة، وقد سباها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع، وتوفيت سنة عشر، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنها بالبقيع2 وقيل بل أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وفرض عليها الحجاب وتزوجها.
1 الطبقات الكبرى ج8 ص112.
2 انظر الطبقات الكبرى ج8 ص129 إلى 132.