الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} 1 والآية واضحة الدلالة في طريقة التعامل مع أعداء الله تعالى، الذين كفروا بالإسلام، وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هؤلاء لا يفيد معهم الود لامتلاء قلوبهم بالحقد، والكراهية.
إن ولاية المؤمن الحقة هي للمؤمنين وحدهم، ومن يوالي أعداء الله فقد ضل الطريق المستقيم الذي أمر الله به.
وأما "سارة" فقد تركها الصحابيان بعد أخذ الرسالة منها، وكانت لا تدري ما بها فمضت إلى مكة تباشر مهمتها في الغناء، فأقبلت تتغنى بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتدت عن الإسلام.
1 سورة الممتحنة: 1.
4-
الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:
غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة متجهًا إلى مكة في عشرة آلاف من الصحابة رضي الله عنه واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري رضي الله عنه في العاشر من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.
ولما كان بالجحفة أو فوق ذلك لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله من مكة مسلمًا مهاجرًا، ثم لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية، فأعرض عنهما، لما كان يلقاه منهما من شدة الأذى والهجو، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، وقال علي لأبي سفيان بن الحارث: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} 1.
فأنشده أبو سفيان أبياتًا منها:
1 سورة يوسف: 91.
لعمرك إني حين أحمل راية
…
لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله
…
فهذا أواني حين أهدى فأهتدي
هداني هاد غير نفسي ودلني
…
على الله من طردته كل مطرد
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: "أنت طردتني كل مطرد"1. {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} 2.
وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو صائم، والناس صيام، حتى بلغ "الكديد" وهو ماء بين عسفان وقديد، فأفطر وأفطر الناس معه، ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران في وادي فاطمة، نزله عشاء، فأمر الجيش بإيقاد النيران فأوقدت عشرة آلاف نار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وركب العباس بعد نزول المسلمين بمر الظهران بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وخرج يلتمس أحدًا يخبر قريشًا ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها.
وكان الله قد عمى الأخبار عن قريش، فهم على وجل وترقب، وكان أبو سفيان يخرج ومعه حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار.
قال العباس: والله إني لأسير على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا عسكرًا.
ويقول بديل: هذه والله خزاعة، خمشتها الحرب.
فيقول أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وقال العباس: أبا حنظلة؟ فعرف أبو سفيان صوته.
قال: أبا الفضل؟
قلت: نعم.
قال: ما لك؟ فداك أبي وأمي.
قلت: والله لئن ظفر بك أحد من المسلمين ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه
1 بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني ج21 ص145.
2 سورة يوسف: 92.
البغلة، حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، فركب خلفي، ورجع صاحباه.
يقول العباس: فجئت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما مررت به على نار من نيران المسلمين، قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته صلى الله عليه وسلم، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إليّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال عمر: أبو سفيان عدو الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضت البغلة فسبقت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل عليه عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان فدعني أضرب عنقه.
قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلا يا عمر فوالله لو كان من رجال بني عدي ما قلت مثل هذا.
قال عمر: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك كان أحب إلي من الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فائتني به". فذهبت فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال:"ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله"؟.
قال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك؟ لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لأغنى عني شيئًا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله".
قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك، وأوصلك؟ أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئًا.
فقال له العباس: ويحك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تضرب عنقك، فأسلم وشهد شهادة الحق.
قال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئًا منه.
قال صلى الله عليه وسلم: "نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن"1.
وفي صباح يوم الثلاثاء للسابع عشر من شهر رمضان سنة ثمان غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها ففعل، فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فيقول مثلا: سليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال: ما لي ولبني فلان؟ حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء.
قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المهاجرين والأنصار.
قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيمًا.
قال العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة.
قال: فنعم إذن2.
وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة، فلما مر بأبي سفيان قال له: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا، فلما حاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان قال أبو سفيان: يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟
قال: وما قال؟
قال: كذا وكذا.
وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيها قريشًا".
1 زاد المعاد ج3 ص401، 402، بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج6 ص244.
2 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج6 ص241.
ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس1.
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال له العباس: النجاء إلى قومك، فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأخمش الساقين، قبح من طليعة قوم.
قال أبو سفيان: ويلكم، لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
قالوا: قاتلك الله، وما تغني عنا دارك؟
قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، وبثوا أوباشًا لهم، وقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لقريش شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فتجمع سفهاء قريش مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين، وكان فيهم رجل من بني بكر حماس بن قيس، كان يعد قبل ذلك سلاحًا، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟
قال: لمحمد وأصحابه.
قالت: والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء.
قال: إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم.
ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فما لي عله
…
هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السله
فكان هذا الرحل فيمن اجتمعوا في الخندمة.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى "ذي طوى" وكان يضع رأسه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل، وهناك وزع جيشه، وكان خالد بن الوليد على الميمنة، ومعه أسلم، وسليم، وغفار ومزينة، وجهينة قبائل من العرب، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة من أسفلها، وقال لخالد: "إن عرض لكم
1 صحيح البخاري كتاب غزوة الفتح ج7 ص8.
أحد من قريش فاحصدوهم حصدًا، حتى توافوني على الصفا".
وكان الزبير بن العوام على الميسرة، وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يدخل مكة من أعلاها، من كداء، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه.
وكان أبو عبيدة على الرجالة والحسر، وهم الذين لا سلاح معهم، فأمره أن يأخذ بطن الوادي، ويدخل مكة من الشمال الغربي في اتجاه جبل هند حتى يأتي لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق حدده لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما خالد وأصحابه فلم يلقهم أحد من المشركين إلا أناموه، وقتل من أصحابه كرز بن جابر الفهري، وخنيس بن خالد بن ربيعة، كانا قد شذا عن الجيش، فسلكا طريقًا غير طريقه فقتلا جميعًا، وأما السفهاء من قريش فلقيهم خالد وأصحابه بالخندمة فناوشوهم شيئًا من قتال، فأصابوا من المشركين اثني عشر رجلا وانهزم المشركون شر هزيمة.
وانهزم حماس بن قيس، الذي كان يعد السلاح لقتال المسلمين، حتى دخل بيته، فقال لامرأته: أغلقي عليّ بابي.
فقالت: وأين ما كنت تقول؟
فقال لها:
وأنت لو رأيتنا بالخندمه
…
إذ فر صفوان وفر عكرمه
واستقبلتنا بالسيوف المسلمه
…
يقطعن كل ساعد وجمجمه
ضربًا فلا يسمع إلا غمغمه
…
لهم نهيت خلفنا وهمهمه
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
وأقبل خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا.
وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس وحول