الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
تحقيق القيم النبيلة:
إن غرس القيم من أساسيات التكوين والتنشئة لأنها مرتبطة بالنفس الإنسانية مع ما فيها من تنوع ونزوع إلى الشهوة والهوى.
وكان القرآن الكريم يربي المجتمع المسلم ويحاول وضعه في إطاره الإيماني الصحيح.
إن القمة التي كان المنهج القرآني ينقل خطى هذه الأمة لتبليغها هي قمة التجرد لله، والخلوص لدينه، وقمة المفاضلة على أساس العقيدة مع كل أواصر القربى وكل لذائذ الحياة وهي قمة النبل، والخلق، والحياة.
وقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرس القيم عند أصحابه قبل الحاجة إليها لأن وجود الدواء حين وجود الداء أنجع فقد خاف المسلمون من الفقر نتيجة فتح مكة ونتيجة منع المشركين من المجيء إلى مكة بعد البراءة منهم، وأن المواسم التجارية ستقطع فنبههم القرآن الكريم ورباهم على أن الرزق بيد الله الخالق لا بيد خلقه يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 1 وقد ساعدهم يقينهم بقدرة الله وعلمه وحكمته على طرد ما اعتراهم من خوف قبل نزول الآية.
ولما أعجب المسلمون بكثرتهم في غزوة حنين حينما صاروا أثني عشر ألف رجل، وقالوا معجبين بكثرتهم: لن نغلب اليوم من قلة، وذلك نسيان لقيمة الإيمان والإخلاص لله فكان أن انهزموا يقول الله تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2 فعادوا إلى إيمانهم، وتابوا عن تصوراتهم فنصرهم الله تعالى.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليتخلى عن الله ناصره وكافله، فهو يعلم المسلمين أنه عبد
1 سورة التوبة: 28.
2 سورة التوبة: 28-27.
من عبيد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يستمد قوته إلا من الله، ومع هذا يثبت ولا يفر، ويصمد ولا يتخاذل، فكان يدعو ربه بدعائه الخاشع قائلا:"اللهم بك أحاول وبك أصاول، وبك أقاتل".
وهكذا يكون الموقف سببًا لتقويم الانحراف الذي يظهر في وسط المجتمع.
ولما أحب المسلمون القعود عن الخروج إلى تبوك، أحبوا القعود في وقت يطلب فيه السكون والدعة، فالثمار قد حان قطافها، والأشجار الوارفة تمد المستظلين بها بنسماتها الساحرة كل هذا كان يدعو للقعود، ولا يدعو إلى الأسفار المرهقة، وقطع الصحاري والفيافي الحارقة المهلكة، ومع هذا يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين الخروج رغم كل ذلك، فيجتمع له في حدود ثلاثين ألف مقاتل، ليكون أكبر جيش يقوده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحينما نشاهد الذين تخلفوا عن هذا الجيش لأنهم إما جماعة حبسهم العذر فلم يجدوا ما يحملهم، وإما منافق قد كشف عن نفاقه أو قدم عذره فقبل، أو مسلم صادق لم يقدم عذرًا فتوجهوا إلى الله تائبين فتاب عليهم ونزل قول الله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1.
1 سورة التوبة: 117-118.