الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: التحرك للعمرة
استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة "عبد الله بن أم مكتوم" ونادى أصحابه للخروج لأداء العمرة، واستنفر العرب وأهل البوادي ليخرجوا معه، وأمر بالبدن فأخذت إلى "ذي الحليفة"1 وتجهز الجميع لأداء العمرة، إلا أن كثيرًا من الأعراب أبطئوا في الخروج معتذرين بعلل واهية2.
وخرج المسلمون في يوم الاثنين أول ذي القعدة عام ست للهجرة وبلغ عددهم ألفًا وأربعمائة في أصح الأقوال3، ومعهم أربع نسوة هن أم سلمة، وأم عمارة وأم منيع أسماء بنت عمر، وأم عامر الأشهلية4، وليس معهم سلاح فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ألم تخش علينا من أبي سفيان بن حرب وأصحابه ولم نأخذ للحرب عدتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أدري ولست أحب أن أحمل السلاح معتمرًا".
وقال سعد بن عبادة: لو حملنا يا رسول الله السلاح معنا، فإن رأينا من القوم ريبًا كنا معدين لهم.
فقال صلى الله عليه وسلم: "لست أحمل السلاح، إنما خرجت معتمرًا" 5
ونوى المسلمون السفر إلى مكة فدخلوا المسجد النبوي، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم أحرم، وركب راحلته، وأخذ يلبي بأربع كلمات هي:"لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وأحرم عامة المسلمين بإحرامه صلى الله عليه وسلم ومنهم من أخر إحرامه فأحرم من ذي الحليفة وهي ميقات أهل المدينة6.
وقلد المسلمون الهدي بذي الحليفة، وأحرم من لم يحرم بالعمرة، وأشعروا البدن وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينًا من خزاعة ليأتيه بخبر أهل مكة، حتى كان بعسفان جاءه من أخبره بموقف قريش7.
أتاه "بسر بن سفيان الكعبي" وكان قد سبق بالهدي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا ومعهم "العوذ المطافيل"8 قد لبسوا جلود
1 زاد المعاد ج3 ص86.
2 سيرة النبي ج2 ص308.
3 صحيح البخاري ك المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص353، 354.
4 المغازي ج2 ص574.
5 إمتاع الأسماع ج1 ص275.
6 المغازي ج2 ص574.
7 صحيح البخاري ك المغازي باب غزوة الحديبية ج6 ص356.
8 العوذ الإبل والظباء، والمطافيل التي معها أطفالها وذراريها وهذه استعارة إلى خروج المكيين بنسائهم وأطفالهم.
النمور، وقد نزلوا بذي طوى1 يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم2.
ثم قال: "من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم الذي هم فيه"3.
قال رجل من أسلم: أنا يا رسول الله.
فسلك الرجل بالمسلمين طريقًا وعرًا بين شعاب ملتوية، فساروا فيه محتملين المشاق، والصعاب حتى وصلوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، وعندها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال:"اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق يوصلنا إلى ثنية المرار -مهبط الحديبية- من أسفل مكة". فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل المسلمون إلى ثنية المرار، وعندها بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس: خلأت.
فقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها"4.
ثم قال للناس: "انزلوا".
قيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالوادي ماء ينزل عليه.
فأخرج سهمًا من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن، وعسكر المسلمون في الحديبية منتظرين أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لأداء العمرة5.
1 موضع عند مكة.
2 المغازي ج2 ص580.
3 بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ج6 ص210.
4 الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني باب غزوة الحديبية ج21 ص96.
5 المرجع السابق.