الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: تعريف الجهاد
الجهاد في اللغة مشتق من الجهد وهو بذل الوسع، والطاقة، قولا وعملا، ويعرفه العلماء بأنه بذل الوسع والطاقة مع أعداء الله بالكلمة، والمال، والقتال، لتحقيق غايات عليا.
والجهاد شامل لكل جهد يبذل لترقية الروح وتهذيب النفس ونشر الإسلام ومقاتلة الأعداء إلا أنه عند الإطلاق ينصرف إلى مقاتلة الأعداء ودعوتهم، وهو مرادنا في هذه الدراسة.
وبعد تعريف صاحب الفتاوى الهندية للجهاد أو في تعريف الفقهاء وفيه يقول: إن الجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق، والقتال مع من امتنع، وتمرد عن القبول إما بالنفس، أو بالمال، أو بالكلمة، أو بغير ذلك1.
وهذا التعريف الفقهي للجهاد يشتمل على الحقائق التالية:
1-
اشتمل هذا التعريف على سائر العناصر التي تضمنتها أقوال الفقهاء، وهم يتحدثون عن حقيقة الجهاد، إذ فيه الدعوة إلى الدين الحق، والقتال الموجه ضد الممتنعين، والمتمردين، والطغاة الذين يصدون عن دين الله تعالى، ويقفون سدًا بين الحق والناس.
2-
قدم هذا التعريف الدعوة بالحسنى قبل القتال، وهو الترتيب الطبيعي لشريعة الإسلام في الجهاد، كما أن هذا الترتيب هو واقع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث مكث ثلاثة عشر عامًا في مكة يدعو بالحجة، والبرهان، مع الصبر على ما وقع عليهم من الكفار وتحمل الأذى، ولم يلجأ النبي وأصحابه إلى القتال إلا بعد استنفاد كافة الوسائل السلمية التي ينشرون بها دعوة الله، ويصونون حياتهم معها.
3-
قيد التعريف القتال بأنه ضد من امتنع عن القبول، وتمرد على الأدلة، صادًا عن سبيل الله ليخرج من الجهاد قتال المستأمن، والمعاهد، والذمي، لأن قتالهم لا يسمى جهادًا، ولا تقره شريعة الإسلام.
4-
ذكر التعريف وسائل الجهاد وأشار إلى أنها تكون بالمال، وبالنفس، دعوة أو قتالا، وبذلك فحصر الجهاد في القتال أمر غير مستساغ في دين الله تعالى.
5-
وصف التعريف الدعوة في الجهاد بأنها الدعوة إلى الدين الحق، فأغلق بذلك
1 الفتاوى الهندية ج2 ص174.
الأبواب في وجه دعاة الهوى، الذين يلتصقون بالدين زورًا للكيد له، أو التكسب به، ومنع التعريف بهذا القيد وصف دعاة الوثنية، ودعاة الأديان المحرفة بالمجاهدين؛ لأن دعوة هؤلاء وأمثالهم، ليست إلى الدين الحق؛ لأن الدين الحق هو الإسلام يقول الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} 1.
ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2.
6-
يتفق هذا التعريف مع القرآن الكريم في تقييد الجهاد بأنه في سبيل الله، وسبيل الله هو دينه جاء في الفتوحات الإلهية "أن المراد بالسبيل دين الله؛ لأن السبيل في الأصل الطريق فتجوز به عن الدين لما كان طريقًا إلى الله بعلاقة المجاورة3.
يقول الرازي: سبيل الله أي طاعته وطلب رضوانه، وهذا لا يكون إلا باتباع دين الله وتطبيق تعاليمه4.
ومن الملاحظ أن لفظ "سبيل الله" الذي هو اتباع الدين، كما جاء في القرآن الكريم قيدًا للقتال لإعلاء دين الله، جاء أيضًا قيدًا للإنفاق لتقوية دين الله تعالى كقوله تعالى:{وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 5.
وجاء قيدًا لأي عمل يؤدي إلى الهدف المذكور كقوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} 6 حيث جعلت الآية الهجرة من أجل الدين في سبيل الله.
1 سورة آل عمران: 19.
2 سورة آل عمران: 85.
3 الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين ج1 ص153.
4 تفسير الرازي ج2 ص255 ط دار الفكر.
5 سورة التوبة: 41.
6 سورة النساء: 100.
وبهذا ندرك شمول الجهاد للدعوة، وللقتال بالنفس، والمال، واللسان، وتكثير السواد، وعمل الخير، وإعداد الناس بالعلم، وتقويتهم بالعمل والسلوك القويم، ما دام ذلك لإعزاز الدين، ولإعلاء كلمة الله، وهذا ما عناه جمهور الفقهاء عند تعريفهم للجهاد بمعناه الشامل.
والحق مع هؤلاء الفقهاء لأن الجهاد الإسلامي يعني بذل الجهد لتبليغ الدعوة بالوسائل السليمة، وبلوغ الغاية المرجوة في ذلك، ولا يلجأ إلى القتال إلا عند حدوث مقتضاه كاعتداء على الدعوة، أو على الدعاة، أو على الوطن.
إنه باختصار لنشر العقيدة الإسلامية، ولحمايتها من الفتنة، ولحماية دعاتها في ديارهم وبين سائر الناس.
وإذا تبين الجهاد بهذا المعنى الشامل فإن من الخطأ فهم الجهاد على أنه اعتداء، أو إيذاء، أو قهر، أو جبر على الدخول في الإسلام.
إن الجهاد في سبيل الله كما اتضح من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لا يصادر الحرية، بل هو صيانة لها.
وليس الجهاد وسيلة لاندلاع نيران الحروب؛ لأنه في الواقع يضع النهايات السليمة للصراع ويريح البشرية من شرور الحروب.
وليس الجهاد نهبًا للأموال، بل هو الوسيلة لحماية الإيمان، والإيمان هو العاصم الحافظ للمقدسات، والأعراض، والأموال.
ليس الجهاد لقهر الناس وإخضاعهم مهما كانت الغاية؛ لأنه إفساح الطرق للدخول في دين الله، وهو الدين الذي ينشر لواء العزة، ويحمي الذمار، ويصون الكرامات، ويعتمد على الاختيار الحر، والاقتناع السليم والله تعالى يقول:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1.
1 البقرة: 256.
إن الجهاد يتقرر في الإسلام حماية للحرية، وصيانة للفكر، ليحول بين الناس وبين من يصدهم عن اختيارهم للدين القويم.
إن الأمر في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1 يحدد الوسائل المشروعة وهي تعني أن تكون الدعوة في الإسلام بالحجة والبرهان لا بالسيف والمعارك، وأن التاريخ ليسجل دائمًا أن العقائد لا تتحقق بالطغيان، إذ هي اعتقاد بحل في القلب وتتبوأ في الضمير، وتسكن في الباطن الأمين.
ولم يدع الله أمر القلوب للكشف، والبروز، والظهور، حتى لا تكون هدفًا يدركه الطغاة، ويحركونه تبعًا لأهوائهم بضربات الأيدي، أو برشقات السيوف، أو بما شاكلها من أدوات الحديد والنار.
إن القلب غيب عن الناس لا تدرك مشاعره إلا بالإحساس الروحي، أو المعنوي، ولا سبيل للسلاح إلى هذه المعاني حتى تفتح بالضرب، وتغلف بالضراب.
وما دام شأن القلب هكذا، فإنه من الحال أن يوجه السيف إليه، أو يغير بقوة وإرهاب وذلك يؤكد سمو غايات الجهاد، وبعده عن أي عنت أو ظلم، أو عدوان.
لقد أمضى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًا وهو يتلقى مع أصحابه كل يوم منذ أن جهر بالدعوة صنوفًا من العذاب تحملوها صابرين، وصمدوا لكل مكروه، فلم يفتنهم عن دينهم عذاب مهما طال، ولا إيذاء مهما عظم، بل اعتزوا بالله ورسوله، وكفوا حتى عن مقابلة الإساءه بمثلها.
وعلى كل حال فإن الجهاد في سبيل الله لم يمتهن كرامة، ولم يبدأ بعدوان، ولم يلجأ المجاهدون في سبيل الله إلى أموال الوادعين لنهبها، وإن كانت ظروف القتال قد ألقت إليهم أموال العدو، ووضعت في أكفهم الغنائم فأحلها الله لهم.
وهكذا كان الجهاد، وعلى هدي ذلك يجب أن يستمر2.
1 سورة النحل: 125.
2 الجهاد في الشريعة ص14 رسالة ماجستير مخطوطة بكلية الدراسات الإسلامية للبنات القاهرة تأليف الدكتورة نعمات محمد علي الهاشي.