الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم
لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم الشرب على الطعام، وكان يشرب العسل الممزوج بالماء، تقول عائشة رضي الله عنها: كان أحب شراب النبي صلى الله عليه وسلم الحلو البارد1، وكان الصحابة يأتون بالماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر عرس مرة، ومن السقيا مرة.
وكان صلى الله عليه وسلم يشرب اللبن ويقول: "اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه"2.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الإناء ثلاثًا، ويقول:"إنه أبرأ، وأروى، وأمرأ"2.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب واقفًا، وقاعدًا، يقول ميسرة: رأيت عليًا يشرب قائمًا، فقلت له: أتشرب قائمًا؟
فقال: إن شربت قائمًا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا، وإن شربت قاعدًا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعدًا4.
هذا وقد روى مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا5 وقد تصور البعض من هذا النهي حرمة الشرب قائمًا، وهذا تصور مردود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا، وقاعدًا، وهذا يدل على الجواز؛ لأنه فعله لبيان الجواز، وأقصى ما يفيده النهي أنه خلاف الأولى.
1 سنن الترمذي باب أي الشراب كان أحب إلى رسول الله ج4 ص307.
2 سنن أبي داود ج2 ص304.
3 صحيح مسلم ك الأشربة ج4 ص711 الشعب.
4 سنن أبي داود باب في الشرب قائمًا ج2 ص302 ط الحلبي.
5 صحيح البخاري كتاب الأشربة باب الشرب قائمًا ج9 ص96.
ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم ينام، إذا دعته الحاجة إلى النوم، ينام على شقه الأيمن، ذاكرًا الله حتى تغلبه عيناه، وكان يضطجع على الوسادة، ويضع يده تحت خده أحيانًا.
وكان صلى الله عليه وسلم ينام بعينه ولا ينام قلبه1.
1 الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج8 ص78.
ومن تدبر صفة نومه ويقظته صلى الله عليه وسلم وجده أعدل نوم وأنفعه للبدن، فإنه كان ينام على الفراش تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة، وكان له بساط ينام عليه بعد أن يثنيه ثنيتين، وكانت وسادته جلدًا حشوها ليف، وإنه كان ينام أول الليل ويستيقظ النصف الثاني لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} .
فيحمد الله تعالى ويكبره، ويدعوه، ويستاك، ثم يقوم إلى وضوءه، ثم يقف للصلاة بين يدي ربه عز وجل خاشعًا، راهبًا، متدبرًا.
وقد حدد الله عز وجل أوقات النوم في اليوم والليلة التي يجب فيها الاستئذان إذ قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم النوم وقت القيلولة2.
- عن أنس رضي الله عنه قال: إن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعًا3 فيقيل عندها على ذلك النطع4.
- وعن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"5.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك يخبرنا بأن هذا وقت لا تهدأ فيه الشياطين، بل تزداد ثورة في وقت الظهيرة، لأنها خلقت من نار السموم، فمن المستحب أن ننام، ونريح جسدنا في وقت القيلولة، حتى نستعد لقيام الليل، وكان هذا دأبه، وعمله، صلى الله عليه وسلم حتى
1 سورة النور: 58.
2 القيلولة: وقت الظهيرة.
3 نطعًا: بساط من الجلد.
4 صحيح مسلم بشرح النووي. ك الفضائل ج5 ص184 الشعب.
5 قال الألباني في الجامع: رواه الطبراني وأبو نعيم بسند حسن. حديث رقم 4431.
لقي ربه، وكان صلى الله عليه وسلم ينام غالبًا على قفاه.
- يقول الشافعي رضي الله عنه: النوم على أربعة أنحاء:
نوم على القفا، وهو نوم الأنبياء عليهم السلام، يتفكرون في خلق السماوات والأرض ونوم على اليمين وهو نوم العلماء والعباد.
ونوم على الشمال وهو نوم الملوك ليهضم طعامهم.
ونوم على الوجه وهو نوم الشياطين.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام الرجل على وجهه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل مضطجع على بطنه، فقال:"هذه ضجعة لا يحبها الله عز وجل"1.
- وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة2.
ورؤي النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيًا على ظهره واضعًا إحدى رجليه على الأخرى3.
وفي ذلك إباحة الاستلقاء على الظهر ووضع إحدى الرجلين على الأخرى للراحة، ولكن هذه ليست نومة النبي صلى الله عليه وسلم المستديمة ولكنه صلى الله عليه وسلم نام بها، ويمكن فعلها في أوقات الراحة، وفي غيرها لمن أراد بعدما أباحها صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قبل نومه.
- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال: "اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت"4.
قال النووي في زاد المعاد:
1 سنن الترمذي باب ما جاء في كراهية الاضطجاع على البطن ج5 ص97.
2 صحيح البخاري كتاب الأذان باب من انتظر الإقامة ج2 ص14.
3 صحيح البخاري كتاب الصلاة باب الاستلقاء في المسجد ج1 ص317.
4 صحيح البخاري كتاب الدعوات ج10 ص88.
معنى وضع رأسه على كفه، أي: وضع راحته مع أصابعه اليمنى تحت شقه الأيمن من وجهه، فالكف للراحة مع الأصابع، وسميت به لأنها تكف الأذى عن البدن وتريح صاحبها لوضعها تحت خده الأيمن.
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضطجعه من الليل قال: "اللهم باسمك أموت وأحيا".
فإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"1.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه يقول: "اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت"2.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما، وقرأ فيهما سورة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
وسورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} .
وسورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .
ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما رأسه، ووجهه، وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات3.
- عن جبلة بن حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتى تمر بآخرها فإنها براءة من الشرك"4.
- عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "باسمك اللهم
1 صحيح البخاري كتاب الدعوات باب وضع اليد تحت الخد اليمنى ج10 ص87.
2 صحيح البخاري كتاب الدعوات باب ما يقول إذا نام ج1 ص88.
3 سنن الترمذي باب ما يقرأ من القرآن عند المنام ج5 ص473 والحديث حسن صحيح غريب.
4 المرجع السابق ج5 ص474.
أموت وأحيا"، وإذا قام من نومه، قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور" 1.
- عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: اللهم رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، منزل التوراة، والإنجيل، والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر2.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: "اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك"3.
1 صحيح البخاري كتاب الدعوات ج10 ص87.
2 صحيح مسلم كتاب الدعاء ج17 ص35.
3 صحيح البخاري كتاب الدعوات باب الدعاء بالليل ج10 ص89.