المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة ‌ ‌عمرة القضاء … خامسًا: تطبيق بنود - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة ‌ ‌عمرة القضاء … خامسًا: تطبيق بنود

‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

‌عمرة القضاء

خامسًا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

حافظ المسلمون والقرشيون على ما تعاهدوا عليه في الحديبية، وتفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل في جبهات جديدة عديدة بعد أن أمن جبهة قريش، ولذلك تضاعف العمل، ونشطت الدعوة بعد صلح الحديبية، ومر عام من الجهاد والدعوة، وجاء موسم الحج وهو الموعد المتفق عليه لأداء العمرة، فتحرك المسلمون لأداء عمرتهم وتم لهم وعد الله تعالى حينما قال لهم سبحانه:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} 1.

وبعد أداء العمرة واصلوا حركتهم بالدعوة ومواجهة الطغيان والمتمردين:

وفي هذه الدراسة سنتناول الأمور الآتية:

1-

عمرة القضاء:

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى المدينة أقام بها شهري ربيع وجماديين، ورجبًا وشعبان ورمضان وشوالا.

فلما أهل شهر ذي القعدة من العام السابع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتجهزوا لأداء العمرة التي أجلوها من العام الماضي.

وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء لأنها قضاء عن عمرة العام السابق.

كما تسمى عمرة القصاص لأن الله كتبها لهم عوضًا عن الأولى التي لم تمكنهم قريش منها فتمت مثلا بمثل، وتسمى عمرة الصلح لأنها تمت بناء على بنود صلح الحديبية.

وتسمى عمرة القضية لأن رسول الله قاضى أهل مكة وصالحهم على هذه العمرة. والبعض يسميها: غزوة القضاء لخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسها قاصدًا مكة

1 سورة الفتح الآية 27.

ص: 551

ليدخلها، رغم أنف المشركين فيها1.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا، وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف من أهلها أحد، ممن هو حي، وخرج معهم عدد من غير أهل الحديبية فبلغ عدد الخارجين للعمرة ألفين.

وقال جماعة من المسلمين: والله يا رسول الله ما لنا زاد، وما من أحد يطعمنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينفقوا في سبيل الله، وأن يتصدقوا، وألا يكفوا أيديهم فيهلكوا.

فقلوا: يا رسول الله بما نتصدق، وأحدنا لا يجد شيئًا؟

فقال: "بما كان ولو بشق تمرة، ولو بمشقص يحمل به أحدكم في سبيل الله"2.

فأنزل الله تعالى في ذلك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3 يعني أن ترك النفقة في سبيل الله يؤدي إلى الهلكة.

وساق صلى الله عليه وسلم ستين بدنة جعل عليها ناجية بن جندب الأسلمي رضي الله عنه، يطلب الرعي بها في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، وكان أبو رهم كلثوم بن حصين الغفاري، ممن يسوقها ويركبها.

وقلد صلى الله عليه وسلم هديه بيده، وحمل السلاح وفيها البيض والدروع، وقاد مائة فرس أمر عليها محمد بن مسلمة، واصطحب العتاد والسلاح، واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وأحرم من باب المسجد، وسار يلبي والمسلمون معه يلبون.

فلما انتهى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران، وجد بها نفرًا من قريش، فسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يصبح في هذا المنزل غدًا إن شاء الله.

فلما رأوا سلاحًا كثيرا مع بشير بن سعد، أسرعوا إلى مكة، وأخبروا قريشًا ففزعوا، وقالوا: والله ما أحدثنا حدثًا، ففيم يغزونا محمد؟

ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قدم السلاح إلى بطن يأجج، وترك معه مائتين من

1 البداية والنهاية ج4 ص226، 227.

2 إمتاع الأسماع ج1 ص336 والمشقص السهم العريض النصل.

3 سورة البقرة: 195.

ص: 552

أصحابه، عليهم أوس بن خولى رضي الله عنه.

وخرج مكرز بن حفص في نفر حتى لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن يأجج.

فقالوا: يا محمد! والله ما عرفت صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر! تدخل بالسلاح الحرم! وقد اشترطت ألا تدخل إلا بسلاح المسافر والسيوف في القرب؟

فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لا أدخل عليهم السلاح".

فعاد مكرز إلى مكة فخرجت قريش إلى رءوس الجبال وقالوا: لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه وحبس صلى الله عليه وسلم الهدى بذي طوى، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلع على الحجون وقد ركب القصواء، وأصحابه حوله متوشحو السيوف يلبون، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يلبي حتى استلم الركن1.

وتحدثت قريش عن جهد المسلمين وضعفهم، ووقف منهم جماعات عند دار الندوة ليروا ما تصوروه فاضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه، وأخرج عضده الأيمن، ثم قال:"رحم الله امرأ أراهم اليوم قوة"!. فلما انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمامها، وقد صف له المسلمون دنا من الركن فاستلمه بمحجنه، وهو مضطبع بثوبه، وهرول هو والمسلمون في الثلاثة الأشواط الأول، وكان ابن رواحة يرتجز في طوافه، وهو آخذ بزمام الناقة، فقال صلى الله عليه وسلم:"إيه يابن رواحه! قل: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده! فقالها ابن رواحة وقالها الناس".

فلما قضى صلى الله عليه وسلم طوافه، خرج إلى الصفا فسعى على راحلته، والمسلمون يسترونه من أهل مكة أن يرميه أحد منهم أو يصيبه بشيء، ووقف عند فراغه قريبًا من المروة، وأوقف الهدي عندها فقال:"هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر"2.

ونحر عند المروة وكان قد اعتمر معه قوم لم يشهدوا الحديبية فلم ينحروا، وشركه في الهدي من شهد الحديبية، فمن وجد بدنة من الإبل نحرها، ومن لم يجد بدنة رخص له في البقرة، وكان قد قدم رجل من الأعراب ببقر فاشتراه الناس منه، وحلق صلى الله عليه وسلم عند المروة حلقه معمر بن عبد الله العدوي.

1 الفتح الرباني باب عمرة القضاء ج21 ص131.

2 البداية والنهاية ج4 ص231.

ص: 553

ثم دخل صلى الله عليه وسلم البيت، ولم يزل فيه حتى أذن بلال بالظهر فوق ظهر الكعبة.

وخطب صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو في مكة فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فتزوجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وقيل: بل تزوجها لما أحل بسرف.

ولما حان موعد خروج المسلمين من مكة ورجوعهم إلى المدينة جاءتهم عمارة بنت حمزة رضي الله عنها تنادي: يا عم، يا عم.

فأخذها علي رضي الله عنه.

وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة، فقال: علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين! فخرج بها، حتى إذا دنوا من المدينة أراد زيد بن حارثة أن يتزوجها لأنه كان وصي حمزة وأخوه أخوة المهاجرين، وقال: أنا أحق بها، إنها ابنة أخي.

فقال جعفر بن أبي طالب: الخالة والدة وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي، أسماء بنت عميس.

فقال علي رضي الله عنه: ألا أراكم في ابنة عمي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق بها منكم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحكم بينكم، أما أنت يا زيد فمولى الله ورسوله، وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي، وأما أنت يا جعفر فتشبه خَلقي وخُلقي، أنت يا جعفر أولى بها، تحبك خالتك". فقضى بها لجعفر.

فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا يا جعفر"؟.

قال: يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى أحدًا قام فحجل حوله.

فقال علي رضي الله عنه: تزوجها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال صلى الله عليه وسلم: "هي ابنه أخي من الرضاعة"1.

ولما كان الظهر في اليوم الرابع، أتى سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار، وهو يتحدث مع سعد بن عبادة، فقالا: قد انقضى

1 زاد المعاد ج3 ص372.

ص: 554

أجلك يا محمد، فاخرج عنا.

فقال صلى الله عليه وسلم: "وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعت طعامًا"؟.

فقالا: لا حاجة لنا في طعامك، اخرج عنا، ننشدك الله والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا! فهذه الثلاث قد مضت!

فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل: كذبت لا أم لك! ليست بأرضك ولا أرض أبيك والله لا يبرح منها إلا طائعًا راضيًا.

فتبسم صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا سعد! لا تؤذ قومًا زارونا في رحالنا". فأسكت الرجلين عن سعد، وروي أنهم بعثوا عليًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج عن بلدهم1.

وأمر صلى الله عليه وسلم أبا رافع بالرحيل، وقال:"لا يمسين بها أحد من المسلمين". وركب حتى نزل سرف، وخلف أبا رافع ليحمل إليه ميمونة حين يمسي، فخرج بها مساء، ولقي عنتًا من سفهاء المشركين فبنى صلى الله عليه وسلم على ميمونة بسرف.

ولم ينزل بمكة بيتًا، وإنما ضربت له قبة من أدم بالأبطح، وظل هناك حتى سار منها وأثناء إقامته بعث بمائتي رجل ممن طافوا بالبيت إلى بطن يأجج، فأقاموا عند السلاح حتى أتى الآخرون فقضوا نسكهم، وبعد أن أدى المسلمون عمرتهم عادوا إلى المدينة في ذي الحجة من نفس العام2.

وفي صفر من العام الثامن، وبعد استقرار المسلمين في المدينة خرج عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي من مكة، بعد مرجعه من الحبشة، يريد المدينة، فهاجر فوجد في طريقه خالد بن الوليد القرشي المخزومي، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة القرشي العبدري، وقد قصدوا قصده، فقدموا المدينة، ودخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه خالد أولا، ثم بايعه عثمان، ثم عمرو فقال لهم صلى الله عليه وسلم:"إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها".

وهكذا أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص بعد هذه الرحلة الطويلة من الجهاد والمعاناة، وصارا من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولله في خلقه شئون.

1 زاد المعاد ج3 ص372.

2 إمتاع الأسماع ص336 إلى ص341.

ص: 555