المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

تم توقيع الصلح في شهر ذي القعدة، والعرب بقبائلهم، وأعرابهم في مكة يقيمون أسواقهم، ويؤدون منسكهم وفق ما بقي عندهم من علم بدين إبراهيم عليه السلام.

فشاهدوا ما حدث بين المسلمين وبين قريش، وعلموا بالصلح الذي تم.

لقد كانت قريش تقود الحرب ضد الإسلام والمسلمين، وتجمع حولها المنافقين، واليهود، والأعراب، وكل معارض لظهور دين الله تعالى.

فلما تم صلح الحديبية التزمت قريش به، وتخلت عن كافة أنشطتها المناوئة للإسلام، فانفرط عقد الأحزاب، وخمدت فتن المنافقين، وانحسر خطر اليهود، وتبعثرت القبائل الوثنية في أرجاء الجزيرة العربية، وأخذت قريش تهتم بمصالحها، وتجارتها وبخاصة بعدما أمنت طريق قوافلها.

وأدى هذا الوضع إلى هدوء عام للعواصف القرشية التي كانت تثار ضد الإسلام وأخذ المسلمون يهتمون بتعريف الناس دينهم بالحسنى، ومخاطبة القبائل وإقناعها بالإسلام الأمر الذي أدى إلى دخول الناس في الإسلام بأعداد غفيرة، حتى إن الذين دخلوا في الإسلام في العام ما بين الصلح وعمرة القضاء كانوا أكثر عددًا من الذين أسلموا في المدة من أول البعثة حتى الحديبية.

ولذلك تأكد الصحابة من أن صلح الحديبية هو الفتح الأعظم كما أخبرتهم سورة الفتح.

يروي الزهري: أن صلح الحديبية أعظم فَتْحٍ فُتِحَ في الإسلام.

ويستدل ابن إسحاق على عظمة هذا الفتح بأن عدد الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية كانوا ألفًا وأربعمائة والذين خرجوا يوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف.

إن صلح الحديبية أظهر الوجه الحقيقي للإسلام، فبدأ الناس يتأملونه؛ ولذلك سارعوا إلى الدخول فيه بعدما انزاحت العقبة الكئود أمام إيصال الحق للناس، واستمر تطبيق بنود الصلح المتفق عليها، ولم يحدث لها تغيير، إلا بعد أن طلب القرشيون تعديل البند الثالث الذي أظهر التطبيق العملي ضرره على قريش بعدما كون أبو بصير رضي الله عنه مفرزته في طريق أهل مكة.

لقد جلبت قريش الشر لنفسها باشتراطها ضرورة إعادة من يسلم من أهل مكة إليها إذا هاجر إلى المدينة، وأثبتت الحوادث أن هذا الشرط أفاد الجبهة الإسلامية

ص: 508

كثيرًا وذلك بوقوع ما عرف بقصة "أبي بصير" وهو عتبة بن أسيد الثقفي رضي الله عنه فلقد أسلم بعد الصلح في مكة، وهرب منها وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فأرسل قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون رده إلى قريش تطبيقًا لبنود الصلح، وحمل الطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "خنيس بن جابر العامري" ومولى لهم يسمى "كوثر" على بعير لهم ليعود بأبي بصير إلى مكة.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا بصير أن يرجع معهم، ودفعه إليهما.

فقال أبو بصير: يا رسول الله! تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني!

فقال صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بصير! إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجًا ومخرجًا".

فقال أبو بصير: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تردني إلى المشركين.

قال صلى الله عليه وسلم: "انطلق أبا بصير، فإن الله سيجعل لك مخرجًا". ودفعه إلى العامري وصاحبه.

فخرج أبو بصير معهما، وجعل المسلمون يسرون إلى أبي بصير: يا أبا بصير! أبشر فإن الله جاعل لك مخرجًا، والرجل يكون خيرًا من ألف رجل، فافعل، وافعل يأمرونه بالذين معه لينقذ نفسه منهم فهذا حقه، وليفعل ما سيفعله قبل أن يفعل به، وقد أعد القرشيون للعودة به عدتهم، فلما وصلا به إلى ذي الحليفة عند صلاة الظهر صلى أبو بصير في مسجدها ركعتين صلاة المسافر، ومعه زاد له من تمر يحمله فمال إلى جدار المسجد فوضع زاده فجعل يتغدى ودعاهما للطعام فقالا له: لا حاجة لنا في طعامك.

فقال لهم: ولكني لو دعوتموني إلى طعامكم لأجبتكم وأكلت معكم، فاستحيوا وأكلوا.

وقد علق العامري سيفه أثناء الطعام على الجدار، وتحادثوا وقد أمن كل منهم للآخر فقال أبو بصير: يا أخا بني عامر ما اسمك؟

قال: خنيس.

قال: ابن من؟

ص: 509

قال: ابن جابر.

قال: يا أبا جابر أصارم سيفك هذا؟

قال: نعم.

قال: ناولنيه أنظر إليه إن شئت، فناوله وكان قريبًا من السيف منه فأخذ أبو بصير بقائم السيف والعامري ممسك بالجفن فعلاه به وضربه حتى برد1.

فخرج "كوثر" هاربًا يعدو نحو المدينة، وأبو بصير في إثره فأعجزه حتى سبقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه بعد العصر، إذ طلع كوثر يعدو فقال صلى الله عليه وسلم:"هذا رجل قد رأى ذعرًا".

وأقبل "كوثر" حتى وقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك! ما لك"؟

قال: قتل صاحبكم صاحبي وأفلت منه وكاد أن يقتلني.

وأقبل أبو بصير، فأناخ بعير العامري بباب المسجد، ودخل متوشحًا سيف العامري، فقال: يا رسول الله وفت ذمتك، وأدى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، أو أكذب بالحق.

فقال صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مِحَشُ حَرْبٍ لو كان معه رجال"2.

وقدم أبو بصير سلب العامري، ورحله، وسيفه، ليخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:"إني إذا خمسته رأوا أني لم أوف لهم بالذي عاهدتم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك".

ثم قال صلى الله عليه وسلم لكوثر: "ترجع به إلى أصحابك"؟

فقال كوثر: يا محمد ما لي به قوة ولا يدان تقدر عليه.

فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: "اذهب حيث شئت"3.

1 المغازي ج2 ص626.

2 المرجع السابق.

3 المغازي ج2 ص627.

ص: 510

فخرج حتى أتى العيص، فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشام.

وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: "ويل أمه مِحَشّ حَرْبٍ لو كان معه رجال". وأخبرهم أنه بالساحل، فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلمًا على رأسهم "أبو جندل بن سهيل"، فكانوا بالعيص، وضيقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عير إلا اقتطعوها، ومر بهم ركب يريدون الشام، معهم ثمانون بعيرًا، فأخذوا ذلك، وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارًا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير، فكان يصلي بهم، ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون فغاظ قريشًا صنيع أبي بصير، وشق عليهم، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه، فلا حاجة لنا بهم فكتب صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير أن يتقدم بأصحابه معه، فجاءه الكتاب وهو يموت فجعل يقرؤه رضي الله عنه ومات، والكتاب في يده فدفنه أصحابه، وأقبلوا إلى المدينة وهم سبعون رجلا1.

وهكذا تم إلغاء الشرط الذي وضعه القرشيون لأنفسهم، ظنًا منهم أنه يفيدهم في منع أهل مكة من اعتناق الإسلام.

وقد استمرت جبهة قريش على هدوئها إلى أن نقضت قريش العهد بمناصرة بني بكر حلفائها على بني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أن تم فتح مكة.

1 المغازي ج2 ص631.

ص: 511