الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
وضع الميثاق العام لسكان المدينة:
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بتحقيق الإخاء بين المسلمين، وإنما وضع ميثاقًا لكل سكان المدينة، يوضح ما لهم، وما عليهم، ويعرفهم بمصدر الحكم والتوجيه، ويجدد لهم وسائل التعامل داخل المدينة وخارجها، حتى عد بعضهم هذا الميثاق بأنه أول دستور إسلامي شرعه الله تعالى لحكم دولة الإسلام في المدينة.
ويلاحظ أن هذا الميثاق أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أوحى الله تعالى إليه به، ولم يشاورا أحدًا من سكان المدينة فيه، فهو تشريع خالص من الله تعالى، ملزم لسكان المدينة جميعًا.
وقد روى ابن إسحاق نص هذه الميثاق، وعنه روى العلماء والمؤرخون، وسوف أورد هذا الميثاق مقسمًا على فقرات، ومع كل فقرة أضع رقمًا مسلسلا، تسهيلا للفهم وتحديدًا لمبادئ الميثاق وذلك فيما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
هذا كتاب محمد النبي رسول الله، وبين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعه، فلحق بهم وجاهد معهم.
2-
إنهم أمة واحدة من دون الناس.
3-
المهاجرون من قريش على ربعتهم "حالهم"، يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم "أسيرهم" بالعروف والقسط بين المؤمنين.
4-
وبنو عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
5-
وبنو الحارث بن الخزرج على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين.
6-
وبنو ساعدة على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
7-
وبنو جشم على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
8-
وبنو النجار على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
9-
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
10-
وبنو النبيت على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
11-
وبنو الأوس على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
12-
وأن المؤمنين لا يتركون مفرحًا "مثقلا بدين" بينهم إلا أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
13-
وأن لا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
14-
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة أو إثمًا أو عدوانًا أو فسادًا بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم.
15-
ولا يقتل مؤمن مؤمنًا في كافر، ولا ينصر مؤمن كافرًا على مؤمن.
16-
وأن ذمة الله واحدة، يجبر عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
17-
وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرًا عليهم.
18-
وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم.
19-
وأن كل غازية "غزاة" غزت معنا، يعقب بعضها بعضًا.
20-
وأن المؤمنين يبئ "يتعادل" بعضهم عن بعض، بما نال دماءهم في
سبيل الله.
21-
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
22-
وأن لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول "يحجز" دونه على مؤمن.
23-
وأنه من اعتبط "قتل" مؤمنًا قتلا عن بينة فإنه قود "قصاص" به، إلا أن يرضى ولى المقتول بالعفو، وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا القيام عليه.
24-
وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا "قاتلا" أو يؤويه، وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه عدل "فداء" ولا صرف "توبة".
25-
وأن أهل المدينة مهما اختلفوا في شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد.
26-
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
27-
وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم، فإنه لا يوتغ "يهلك" إلا نفسه وأهل بيته.
28-
وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بن عوف.
29-
وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
30-
وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
31-
وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
32-
وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
33-
وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
34-
وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
35-
وأن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف، وأن البر دون الإثم "الخبث".
36-
وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.
37-
وأن بطانة يهود "اليهود خارج المدينة" كأنفسهم.
38-
وأنه لا يخرج منهم أحد "خارج المدينة" إلا بإذن محمد.
39-
وأنه لا ينحجز "يمنع" على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته، إلا من ظلم، وأن الله على أبر هذا.
40-
وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.
41-
وأنه لا يأثم امرؤ بخليفة، وأن النصر للمظلوم.
42-
وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين م داموا محاربين.
43-
وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
44-
وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
45-
وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
46-
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث "أمر منكر" أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
47-
وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
48-
وأن بينهم النصر من دهم يثرب.
49-
وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه، ويلبسونه "يشتركون فيه" فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
50-
على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قَبِلَهم.
51-
وأن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
52-
وأنه لا يحول دون هذا الكتاب ظالم أو آثم، وأنه من خرج من المدينة
فهو آمن ومن قعد بالمدينة فهو آمن إلا من ظلم أو أثم، وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله1.
وهذه الوثيقة تؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رئيس الدولة، وهو المرجع في التفسير والحكم والتنفيذ، وهو صلى الله عليه وسلم المسئول عن تحقيق أمن المدينة وسلامة المقيمين فيها، وهو صلى الله عليه وسلم المصدر الوحيد الذي يتلقى الوحي الإلهي، ويبلغه لهم وللناس أجمعين.
وهذه الوثيقة تبين أن مواطني الدولة الإسلامية هم المسلمون وغيرهم، وأن الجميع مسئولون عن ضمان الحقوق داخل المدينة، وعدم التعامل مع المجرمين، وترك التعاون مع المعتدين داخل المدينة أو خارجها، بحيث لا يخرج أحد من المدينة إلى مكة إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يأوى أحد إلا بإذنه صلى الله عليه وسلم كذلك.
وتنظم الوثيقة العلاقة بين قبائل المدينة جميعًا، وفي إطار قبول الجميع لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي يضمن لكل دينه وكرامته وحريته.
وبوضع هذا الميثاق، وإحاطة جميع القبائل به يكون قد تم تحديد مسار الجميع، ومعرفة كل فرد في المدينة لما له، وما عليه، وبهذا الميثاق بدأت الملامح السياسية لدولة المدينة تترسخ، وتخضع لحكم تشريع واحد هو الإسلام، ويقودها إمام واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والكل فيها مواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة، وعليهم واجباتها.
وبذلك تم تنظيم المجتمع في المدينة، وأصبح الطريق مفتوحًا لنشر دعوة الله في كل مكان، وبكل الوسائل الممكنة، ولذلك بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاد الدعوة بالسرايا والغزوات، وهذا ما سيتضمنه مبحث حركة الرسول بالدعوة في المدينة الذي سيأتي بعد الانتهاء من سيرته صلى الله عليه وسلم.
1 السيرة النبوية لابن هشام ج1 من ص501 إلى 504.