الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره
نشأت الأمة الإسلامية وسط عالم مليء بالمذاهب والعقائد، والاتجاهات المختلفة وكان تميزها عن كل ما عداها أمرًا ظاهرًا بارزًا.
وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على استقلالية الأمة بوحي الله تعالى، ولم يدخل في نظام الأمة شيئًا من عند غيرها، وفصل كل ما هو إسلامي عن غيره.
والحكمة في هذا أن الأخذ من الغير لا يصح إلا حين الحاجة إليه، وحين يكون متلائمًا مع ثوابت الأمة وقيمها، فلقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفرس فكرة حفر الخندق وأخذ من سياسات الفرس والروم فبعث الرسل، واستقبل الوفود، وأرسل الكتب أما في الجوانب التي تسيء لدين الله تعالى فهو صلى الله عليه وسلم منها بريء.
لقد حاولها أهل مكة ورفضها صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1.
فلو داهنهم صلى الله عليه وسلم بأن عبد إلههم يومًا، وعبدوا معه إلهه يومًا لضل وغوى، وبعد عن دين الله بالكلية، ولكنه صلى الله عليه وسلم أبى ذلك ورفضه بأمر من الله تعالى.
إن الكفر صور شتى، وحيل الكافرين عديدة وهم يعملون على القضاء على الإسلام والمسلمين، وقد يئسوا من كفر المسلمين صراحة، ولذلك خططوا لإبعاد المسلمين عن دينهم جزءًا جزءًا لإفراغ الإسلام من محتواه، وبذلك يتحول دين الله إلى جسد ميت لا روح فيه ولا حراك.
إن الإسلام عقيدة وشريعة وخلق، يكمل بعضها بعضًا، وتتعاون جميعًا في تقديم الحقيقة الثابتة للإسلام؛ لأن التفريط في جزء منها يعد تفريطًا في الإسلام كله.
إن العقيدة تعني امتلاء الباطن بحب الله، والخشوع له، والتوجه الكلي نحو الخالق في كل همسة ولمسة، وفي كل فكرة وخاطرة، ومع كل اتجاه وسلوك، وبذلك يعيش المسلم مؤمنًا بقدر الله مستسلمًا لأوامره، متوكلا عليه، راضيًا بما يراه الله له لأنه يوقن بأن ما قدره الله سوف يكون.
1 سورة القلم: 9.
والشريعة تعني الامتثال المطلق لتعاليم الله تعالى، المنظمة لكل حركة في الوجود وقصر نية التوجه في الفكر والقول والعمل لله تعالى.
والخلق هو مجموعة القيم التي تزين الإنسان ظاهرا وباطًنا، وتملأ الوجود بالخير والجمال.
إن الإسلام بهذا المعنى كاف للناس ظاهرًا وباطنًا، وفكرًا وعملا، نشاطًا وخلقًا.
إن الإقرار بالتوحيد لا بد معه من الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا الكون وهو المتصرف فيه، وهو الذي يتقدم إليه العباد بالشعائر التعبدية، ويتقربون إليه سبحانه بنشاط الحياة كله.
إن الله هو الذي أنزل لعباده الشرائع، وهم يخضعون لحكمه في شأن حياتهم كلها.
وأيما فرد شهد أن لا إله إلا الله وفرط في لوازمها وتبعاتها ففي شهادته خلل كائنًا ما كان اسمه ولقبه ونسبه.
وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين، وهم من سلالات المسلمين، وديارهم يسكنها المسلمون ولكنهم لا يدينون لله على الوجه الصحيح ويعيشون الإسلام ثقافة ومظهرًا، ويتركونه حقيقة وعملا، وهذا أشق ما تواجهه حركة الدعوة مع هؤلاء الناس، لأنهم يعدون معها وهم في الحقيقة عبء عليها.
أشق ما تعانيه الدعوة هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله، ولوازم الإسلام في جانب، وبمدلول الشرك وبمدلول الجاهلية في الجانب الآخر.
أشق ما تعانيه هذه الدعوة هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين، وطريق العصاة المجرمين، واختلاط الشارات والعناوين، والتباس الأسماء والصفات، والتيه الذي لا تحدد فيه مفارق الطريق.
ويعرف أعداء الدعوة هذه الثغرة، فيعكفون عليها توسيعًا وتمييعًا وتلبيسًا وتخليطًا حتى يصبح الجهر بكلمة الفصل تهمة، ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس واصطلاحهم، لا إلى قول الله ولا إلى قول رسول الله.
يجب أن يهتم الدعاة إلى الله باستبانة سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين.
ويجب ألا تأخذ أصحاب الدعوة إلى الله في كلمة الحق والفصل هوادة ولا مداهنة
وألا تأخذهم فيها خشية ولا خوف، ما داموا مع الحق بأدلته وبراهينه، ومع الصدق بوضوحه وأعماله، ومع الله بقرآنه وسنته.
ولهذا
…
يبقى الإسلام نظامًا فريدًا في إصلاح الحياة والأحياء، وأي تغيير فيه يفسده بمقدار ما داخله من تغيير.
إن أي تغيير يجربه الإنسان في أمر ما يكون مفيدًا حين يكون في أمر ثبت فساده أو ظهر قصوره، أو بان تخلفه، والإسلام بعيد عن كل ذلك ولهذا كان أي تغيير فيه عبث لا يجوز.
وأعداء الإسلام من الجن والإنس ينشطون لإيجاد التغيير الضار الذي يفسد الإنسان ويبعده عن دين الله بحيل شتى، وطرق عديدة.
يعمل أعداء الإسلام على إشغال باطن الإنسان وفكره بأمور تافهة لا تفيد شيئًا كالحرص المادي، وتزيين الشهوات، والاهتمام بما لا فائدة فيه من فوازير ومسابقات وأعياد، ولقاءات.
ويزينون أمام المسلمين ما يلهيهم عن طاعة الله كزخرفة الشهوات، وتيسير الفحش، ونشر ألوان الهوى، وإشعال الغرائز، مع التوقف عن إيجاد حلولها الشرعية. وينشر الأعداء الخلق السيئ، ويبرزون القيم النبيلة في أثواب بالية لصرف الجادين عنها.
ويصل الأمر بالمسلمين إلى جلب الحلول لمشاكل حياتهم من عند غير المسلمين والرضا بغير ما أنزل الله.
وبذلك يبتعد المسلم عن دينه شيئًا فشيئًا، وتصعب عودته إلى الله تعالى وهذا الأمر يحتاج للتصدي له توقيًا منه، وعلاجًا لخطورته.
ولا يصح التصدي إلا بالبراءة التامة من كل ما يتعارض مع الإسلام، وتفصيل الإسلام تفصيلا يؤدي إلى تميز الخبيث من الطيب، وليظهر الصالح، ويعرف الفاسد ولتستبين سبيل المجرمين.
إن أخطر ما وقع فيه المسلمون المعاصرون هو اشتراك الإسلام وغيره في حياتهم حتى تم تشويه كل ثوابتهم، فهو ينادون بالعفة ويتمسكون بالاختلاط، يدعون إلى
العبادة والنساء عاريات سافرات، تملأ المادة قلوبهم ويزعمون الإخلاص لله. إن المسلمين بذلك مشتتون مذبذبون فلا هم أخلصوا لله، ولا هم كانوا مع أعدائه وهذا في دين الله لا يفيد.
إن كل نظام له إيجابياته وسلبياته، ولا يصح أن ننسب إيجابيات نظام لغيره، ولا نكلف نظامًا بعلاج سلبيات غيره، وفي حالة التشتت الإسلامي هذه نرى عجبًا؛ لأننا لا يمكننا أن ننسب السلبيات للإسلام وغيره يفعلها!
ولا يصح أن نطالب الإسلام بالعلاج وغيره فاعل المرض!
ومنطق العقل والنقل تجعل الفاعل مسئولا عن فعله، والجريمة يحملها المجرم فـ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة} 1 ومعاقبة البريء ظلم لا يرضاه عقل أو دين.
ومن هنا
…
وجب على المسلمين أن يمحصوا حياتهم، ويجعلوها خالصة لمنهج الله، وحينئذ تثمر حياتهم دولة الإسلام بمالها، وما عليها وتتحمل كل ما يجد فيها من سلبيات، وتسعد بما يتحقق لها من إيجابيات.
لقد وقع في دولة الإسلام الأولى بعض الأخطاء من أفراد عصوا الله في حياتهم فأقيم عليهم الحد، واقتص منهم، وأخذت الدية وفق منهج الدولة المسلمة، ولكن حين ننظر في العقوبات التي طبقت كما وكيفًا ونقارنها بحياة الناس نشاهد ندرتها وقلتها مما يجعلها طرفًا في إثبات إيجابية النظام الإسلامي ورفعته.
إن المسلم مطالب حين يلتزم الإسلام بتحقيق ذاته، والاعتزاز بما التزم به، والتمسك بكل ما يؤمر به، والابتعاد عن كل ما ينهى عنه، وبذلك تبرز إيجابية الإسلام في حياة الفرد وفي نشاط الجماعة، الأمر الذي يؤدي إلى مساهمة هذه الإيجابية في حركة الدعوة إلى الإسلام.
وقد التزم المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما جاءهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وساروا على نمطه بكل دقة، فكانوا خير الدعاة، وخير ما ظهر في أفق الحياة.
1 سورة المدثر: 38.
إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى الأمة المسلمة الصادقة التي تساند الدعاة، وتؤكد مقالتها بعملها، وتشهد على صدقهم بنشاطها، وإيجابياتها.
لقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيل أمته تمييزًا كاملا، جعلها بعيدة كل البعد عن سبيل المجرمين، وأخذ القرآن الكريم يوضح هذا التمايز ويفصله، وبذلك يعرف الإيمان ويتضح الخير لأن الشيء بضده يتميز، وأيضًا فإن هذا التوضيح يعد دعوة في حد ذاته لأنه يبرز ما في الإسلام من خير وإصلاح، ويشير إلى ما عند معارضيه من فساد وضرر.