الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل
"
مدخل
…
ثانيًا: العمل في المحيط العام "إرسال الرسائل"
انفتحت السبل، وأصبح الطريق آمنًا أمام الدعاة ليصلوا بدينهم للناس، وتشوق الجميع ليتعلموا هذا الدين الذي أعلنه محمد صلى الله عليه وسلم وتغلب به على قريش، وانتشر بسببه السلام بين العرب جميعًا، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الجبهة أمام الدعوة قد اتسعت لتشمل الجزيرة كلها، والعالم كله، ما عدا جيوب صغيرة تأبى قبول الإسلام، والاستماع لدعاته، وهداه الله سبحانه وتعالى لوسيلة تناسب هذا التوسع، هي وسيلة الرسائل يحملها الصحابة، الذين يختارهم لحملها إلى رؤساء القبائل، وشيوخ العشائر، وملوك الدنيا، وفيها يدعونهم ومن وراءهم إلى الدخول في الإسلام.
فأنشأ صلى الله عليه وسلم لـ"كتابة الرسائل" وهو الذي عرف بديوان الإنشاء، وقصد به إعداد المكان الذي تكتب فيه الرسائل التي يمليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملها من يختاره صلى الله عليه وسلم، كما يستقبل الرسائل التي تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أول ديوان وضع في الإسلام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكاتب أمراءه، وأصحاب سراياه من أصحابه، ويكاتبونه، وكتب إلى من أمكنه من ملوك الأرض ورؤساء العالم، يدعوهم إلى الإسلام.
واتخذ من أصحابه من يكتب له، وقد ذكر ابن عساكر أنهم كانوا خمسة وعشرين صحابيًا فذكر منهم: عليا، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وأخاه "أبان"، وحنظلة بن أبي عامر الأسدي، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، وشرحبيل ابن حسنة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، والزبير بن العوام، ومعيقب بن أبي فاطمة الدوسي، والمغيرة بن شعبة، وخالد بن الوليد، والعلاء بن الحضرمي، وعمرو بن العاص، وجهيم بن الصلت، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح1.
وقد أوصلهم العراقي إلى اثنين وأربعين كاتبًا2، وأوصلهم الدكتور/ عبد الحي الفرماوي إلى ست وأربعين كاتبًا3.
وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كتَّابًا يعرفون لغة من سيكتب إليهم، وعلى رأسهم زيد بن ثابت،
1 الاستيعاب ج1 ص51.
2 التراتيب الإدارية ص192.
3 رسالة مخطوطة بكلية أصول الدين بعنوان: رسم المصحف ونقطه ورقة 18، 19.
وأبي بن كعب، وعبد الله بن الأرقم، يقول ابن إسحاق: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، ويكتب إلى الملوك، وكان إذا غاب عبد الله بن الأرقم، وزيد بن ثابت واحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى أمراء الأجناد والملوك أمر من حضر أن يكتب له1، وكان اختيار الرسول لكتابه على أساس اتصافهم بالصدق، والأمانة، والدقة والورع يقول أبو بكر لزيد بن ثابت: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، فقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن واجمعه2.
يقول ابن حجر: لأنه لو لم تثبت أمانته، وكفايته، وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما وصفه بالعقل، وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة إلى استمرار ذلك فيه3.
وكان الكتبة من الصحابة يكتبون على اللوح، والرق "الجلد المرقق" والكاغد "الصحيفة" واللخاف "الحجارة البيضاء الرقيقة"، والنحاس، والحديد، وعسيب النخل، وعلى عظم أكتاف الإبل، والغنم، والأدم4.
يروي ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك وكان الملوك لا يقرءون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ رسول الله صلى اله عليه وسلم يومئذ خاتمًا من فضة وفصه منه، نقش عليه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله، وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم، الذين بعثه إليهم.
وقد تميزت رسائله صلى الله عليه وسلم بالمواصفات التالية:
1-
كان يضع عنوانًا لرسائله هو: "من محمد رسول الله إلى فلان"، ويجعل العنوان قسمين، مفصول بينهما مثل:
"من محمد رسول الله.. إلى فلان".
2-
كان يصدر رسائله بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" يقول ابن حجر: جمعت كتبه
1 الفتح الرباني بشرح مسند الإمام أحمد الشيباني ج1 ص145.
2 صحيح البخاري كتاب الحكام باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا ج13 ص183.
3 فتح الباري ج13 ص184.
4 التراتيب الإدارية ص197.
صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وغيرهم، فلم يقع لي شيء منها البداءة بالحمد، بل بالبسملة1.
3-
كان يبدأ رسائله بعد البسملة بذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، واسم المرسل إليه، أو شهرته فإن كان المكتوب إليه ملكًا كتب بعد ذكر اسمه عظيم القوم الفلانيين، وربما كتب ملك القوم الفلانيين، وربما كتب صاحب مملكة كذا، وكان يعبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم في أثناء كتبه بلفظ الإفراد، مثل إني، ولي، وجاءني، ووفد علي، وما أشبه ذلك، وربما أتى بلفظ الجمع مثل بلغنا، وجاءنا، ونحو ذلك، وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب، مثل لك، وعليك، وتاء المخاطب، مثل أنت قلت كذا وكذا، وجعلت كذا، وعند التثنية بلفظها مثل أنهما، ولكما، وعليكما، وعند الجمع، بلفظه مثل أنتم، ولكم، وعليكم، وما أشبه ذلك2.
4-
كان صلى الله عليه وسلم يكتب في رسائله: أما بعد، ويضعها فاصلة بين المقدمة وعرض الموضوع.
5-
كان يختم رسائله: بالسلام، فيقول لأهل الكفر، والسلام على من اتبع الهدى، ويكتفي في بعضها بقوله والسلام.
6-
كانت الرسائل تذيل باسم كاتبها، وبخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوب فيه "محمد رسول الله" تكتب على ثلاثة أسطر في كل سطر كلمة "محمد""رسول""الله" من أسفل إلى أعلى، ليكون لفظ الله هو الأعلى3.
7-
كانت الرسائل تؤرخ بالهجرة، حيث عرف التاريخ بها في زمنه صلى الله عليه وسلم.
وقد كانت الرسائل عملا، دقيقًا، حسنًا، فبلغت الإسلام، وخاطبت الأمم والملوك بالحسنى، واشتملت على الحقائق التالية:
أولا: وجهت الرسائل إلى الملوك والأمراء فهم قادة الناس، ورعيتهم على دينهم، قد تضمنت الرسائل ما يفيد مسئولية الملوك عن رعاياهم ومن ذلك:"فإنما عليك إثم المجوس"، "عليك إثم الإريسيين"، "فإنما عليك إثم النصارى"، "فإنما عليك إثم القبط"
1 فتح الباري ج8 ص68.
2 التراتيب الإدارية ص203.
3 الرسائل النبوية ص118.