الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام
بعد أن أتم الله نصره، وفتحت مكة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إزالة الأصنام والأوثان وكافة ألوان الشرك والضلال من صور، وبيوت، وهياكل. فبدأ أول دخوله مكة بتكسير الأصنام الموجودة حول البيت وعددها ثلاثمائة وستون صنمًا.
ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله وبرسوله فلا يدعن في بيته صنمًا إلا كسره، أو حرقه، وثمنه حرام.
فجعل المسلمون يكسرون الأصنام، ولم يكن في مكة رجل أو امرأة من قريش إلا واتخذ في بيته صنمًا يتمسح به حين الدخول، وحين الخروج.
ونشط عكرمة بن أبي جهل في معاداته للأصنام بعد إسلامه، فكان لا يسمع عن صنم في بيت إلا مشى إليه وكسره.
وجعلت هند بنت عتبة تضرب صنمًا في بيتها بالقدوم، وتكسره جزءًا جزءًا وهي تقول: كنا منك في غرور.
وأرسل صلى الله عليه وسلم سراياه إلى القبائل المشركة لدعوة القوم إلى الإسلام، وتكسير الأصنام التي ألهوها ومن هذه السرايا:
1-
بعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى "العزى" بـ"نخلة" في ثلاثين صحابيًا فهدمه لخمس بقين من رمضان والعزى أكبر أصنام العرب.
2-
وبعث الطفيل بن عمرو الدوسي إلى "ذي الكفين" صنم عمرو بن حممة الدوسي فحرقه بالنار.
3-
وبعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسًا إلى "مناة" بالمشلل فهدمه.
4-
وبعث عمرو بن العاص إلى "سواع" صنم هذيل فكسره وأزاله، وأسلم سادنه.
5-
وبعث هشام بن العاص في مائتين إلى يلملم.
6-
وبعث خالد بن سعيد إلى جهة عرنة وعرفة.
وبهذه السرايا تم بسط سلطان الإسلام على مكة وضواحيها ولم يعد فيها صوت لغير الله تعالى وأزيلت الأصنام من الجزيرة كلها.
7-
وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر من بني كنانة يدعوهم إلى
الإسلام فخرج في أول شوال من السنة الثامنة في ثلاثمائة وخمسين صحابيًا، وانتهى إليهم، فقالوا: نحن مسلمون، فلم يصدقهم خالد، فودعهم أسرى عند الصحابة وأمر بقتلهم، فقتل بنو سليم من كانوا في أيديهم، ورفض المهاجرون والأنصار القتل.
فلما رجع خالد وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرأ مما فعل خالد، وأرسل عليًا رضي الله عنه إلى بني جذيمة يودي لهم ما أصاب خالد.
8-
وبعث صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الخلصة وهو بيت لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد يسمونها الكعبة اليمانية، يقول ابن جرير: فنفرت في مائة وخمسين راكبًا، من أحمس وكانوا أصحاب خيل، فأتيناه فكسرناه وحرقناه وقتلنا من وجدنا عنده.
9-
بعث صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية وقصة ذلك أن عبد ياليل بن عمرو، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا: أرأيت الربة ماذا نصنع فيها؟
قال صلى الله عليه وسلم: "اهدموها".
قالوا: هيهات لو تعلم الربة أنا أوضعنا في هدمها قتلت أهلنا.
قال عمر بن الخطاب: ويحك يا عبد ياليل ما أجهلك. إنما الربة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده.
قال عبد ياليل: إنا لم نأتك يا عمر.
وقالوا: يا رسول الله اتركها ثلاث سنين لا تهدمها، فأبى.
فقالوا: سنتين، فأبى.
فقالوا: سنة، فأبى.
فقالوا شهرًا واحدًا، فأبى أن يوقت لهم وقتًا.
وإنما كانوا يريدون ترك الربة خوفًا من سفهائهم، كما كرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها وأملوا في إقناعهم بالإسلام، وبعدها تزول كل صور الشرك والهوى ولذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعفيهم من هدمها وقالوا: يا رسول الله اترك أنت هدمها فإنا لا نهدمها أبدًا، حتى لا يقال فينا ما لا يجوز، وقد فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيهم
فقال بعد هذا: "أنا أبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها".
فرجع الوفد، وأخبروا قومهم بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال شيخ من ثقيف: فذاك والله مصداق ما بيننا وبينه فإن قدر على هدمها فهو محق ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من بعد هذا شيء.
وخرج أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الربة، فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان: تقدم أنت على قومك.
وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الربة فلما نزلوها عشاء باتوا ثم غدوا على الربة يهدمونها.
فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: لأضحكنكم اليوم من ثقيف.
فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الربة ومعه المعول وضرب الكرزين ثم سقط مغشيًا عليه يركض برجليه فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة وقالوا: أسعد الله المغيرة قد قتلتم الربة، زعمتم أن الربة لا تمتنع بل والله لتمنعن، وفرحوا حين رأوه ساقطًا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها فوالله لا يستطاع أبدًا.
فوثب المغيرة بن شعبة وقال: قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي لكاع، حجارة ومدر، فاقبلوا عافية الله تعالى ولا تعبدوها ثم إنه ضرب الباب فكسره، ثم سورها وعلا الرجال معه فما زالوا يهدمونها حجرًا حجرًا حتى سووها بالأرض.
وهكذا كان فتح مكة سببًا مباشرًا للقضاء على أصنام العرب وأوثانها ليعلو الحق ويدوم1.
1 انظر في سرايا تحطيم الأصنام سيرة ابن هشام والمغازي.