الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل دعاة من المدينة إلى مختلف قبائل الجزيرة لتعليم المسلمين ما يحتاجون إليه من قرآن وفقه، ودين، ولعرض الإسلام على الذين لم يعلنوا إسلامهم ولتقوية إيمان من أعلن إسلامه حتى لا تتناوشه الظنون والوساوس، وتلعب به شياطين الإنس والجن من ذلك:
1-
بعثه صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن.
يروي البخاري بسنده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن شمالي، كلاهما يرجو أن يكون من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ويسأل في ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك، ويسمع.
فلما فرغا من سؤالهما قال صلى الله عليه وسلم: "ما تقول يا أبا موسى"؟.
فقلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في نفسيهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل.
يقول أبو موسى: فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفتيه وقد قلصت.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "لن نستعمل على عملنا من يريده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى". قال أبو موسى: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذًا إلى اليمن.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذاك فأخبرهم أن الله عز وجل قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"1.
2-
أرسل صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ثم علي بن أبي طالب إلى همدان لدعوتهم إلى الإسلام
1 سبل الهدى والرشاد ج6 ص350.
يروي البخاري عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب مكان خالد وأمره أن يعيد خالدًا إلى المدينة وقال له صلى الله عليه وسلم:"مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء أن يقبل فليقبل". فكنت فيمن عقب مع عليّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي ثم صفنا صفًا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعًا، فكتب عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدًا ثم رفع رأسه، وقال:"السلام على همدان"1.
3-
أرسل صلى الله عليه وسلم أبا أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام وفي ذلك يقول أبو أمامة: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله عز وجل وأعرض عليهم شرائع الإسلام، فأتيتهم وقد سقوا إبلهم، وحلبوها.
فلما رأوني قالوا: مرحبًا بالصدي بن عجلان، وأكرموني ثم قالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل.
فقلت: لا ولكن آمنت بالله ورسوله، وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أعرض عليكم شرائع الإسلام، فبينا نحن كذلك إذ جاءوا بقصعتهم فوضعوها واجتمعوا حولها يأكلونها وقالوا: هلم يا صدي.
قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم إلا ما ذكيتم كما قال الله تعالى.
قالوا: وما قال؟
1 سبل الهدى والرشاد ج6 ص358.
2 سورة المائدة: 3.
فجعلت أدعوهم إلى الإسلام فكذبوني وهجروني، وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد، فقلت لهم: ويحكم ايتوني بشربة من ماء فإني شديد العطش.
قالوا: لا، ولكن ندعك تموت عطشًا.
فاعتممت وضربت برأسي في العمامة ونمت في حر شديد، فأتاني آت في منامي بقدح فيه شراب من لبن لم ير الناس ألذ منه فشربته حتى فرغت من شرابي، ورويت وعظم بطني.
فقال القوم: أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه فاذهبوا إليه وأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي، فأتوني بالطعام والشراب.
فقلت: لا حاجة لي في طعامكم ولا شرابكم، فإن الله تعالى أطعمني وسقاني، فانظروا إلى الحال التي أنا عليها، فأريتهم بطني فنظروا فأسلموا عن آخرهم بما جئت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو أمامة: ولا والله ما عطشت ولا عرفت عطشًا بعد تيك الشربة1.
4-
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني عبد المدان.
يقول ابن هشام: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام فخرج إليهم خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون إلى الإسلام ويقولون: يا أيها الناس، أسلموا تسلموا، فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد بن الوليد يعلمهم شرائع الإسلام وكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم، وإني قدمت عليهم
1 سبل الهدى والرشاد ج6 ص370.