المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: غزوة بني قريظة - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌أولا: غزوة بني قريظة

‌أولا: غزوة بني قريظة

نقض بنو قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت عصيب، وانضموا إلى الأحزاب وأخذوا في إمدادهم بالمؤن والطعام وعلف الدواب، وعاش المسلمون بسببهم لحظات عصيبة، خافوا خلالها على أطفالهم ونسائهم من غدر يهود بني قريظة، فلما أتم الله نصره، ورجع الأحزاب إلى ديارهم، عاد المسلمون متعبين إلى دورهم يريدون أن يدفئوا من القر، ويشبعوا من الجوع، لكن الله أمرهم بمواصلة الجهاد.

ولما علم يهود بني قريظة بانصراف الأحزاب ملكهم الخوف، وتوقعوا أن يكر المسلمون عليهم لما كانوا يعرفون من تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني قينقاع، وبني النضير، وحدث ما توقعوه فإنه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه السلام وقال: قد وضعت السلاح يا محمد؟ والله ما وضعناه، فاخرج إليهم.

قال صلى الله عليه وسلم: "فإلى أين"؟.

قال جبريل عليه السلام: ها هنا وأشار إلى ديار بني قريظة.

فخرج صلى الله عليه وسلم إليهم وقال لأصحابه: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة". فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك "وفعل كل ما فهمه" وذكروا ذلك للنبي حين رؤيته فلم يعنف واحدًا منهم1.

وتقدمت الملائكة زحف الجيش الإسلامي، يقول أنس رضي الله عنه كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة2.

1 صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ج6 ص328.

2 صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ج6 ص329.

جاء في صحيح مسلم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم تناول صلاة الظهر، مخالفًا ما رواه البخاري في صحيحه، والجمع بين الروايتين في كونها الظهر أو العصر محمول على أن هذا الأمر كان بعد دخول وقت الظهر، وقد صلى الظهر بالمدينة بعضهم دون بعض، فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة، وللذين صلوا بالمدينة لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة.

ويحتمل أنه قيل للجميع: لا تصلوا العصر ولا الظهر إلا في بني قريظة، ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وللذين ذهبوا بعدهم لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة والله أعلم.

ص: 456

واستعمل الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، ودفع اللواء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان اللواء على حاله الذي كان عليه عند الخندق لم يتغير.

وأخذت الملائكة تدعو المسلمين إلى الخروج لبني قريظة، فعن محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من بني النجار فيهم حارثة بن النعمان، قد صفوا صفين عليهم السلاح فقال:"هل مر بكم أحد"؟.

قالوا: نعم، دحية الكلبي، مر على بغلة، عليها رحاله، عليها قطيفة من إستبرق، وأمرنا بحمل السلاح، فأخذنا سلاحنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الآن.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم"1.

وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لسبع بقين من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وتبعه المسلمون في ثلاثة آلاف مقاتل، ومعهم ستة وثلاثون فرسًا، وعسكر الجيش الإسلامي عند بئر لبني قريظة يعرف ببئر "أنَّا" بأسفل حرة بني قريظة2.

وتكامل تجمع المسلمين عند البئر، واجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصونهم، وعبأ أصحابه، ونظمهم حول الحصون، وأمرهم أن يرموهم بالنبال، وأن يتعاقبوا في الرمي، حتى لا يتركوا لهم وقتًا يستريحون فيه.

وفي آخر النهار أيقن اليهود بالهلكة، فأمسكوا عن الرمي، وأرسلوا نباش بن قيس فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من الأموال والسلاح، وتحقن دماؤهم، ويخرجوا من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة.

فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال نباش: تحقن دماءنا، وتسلم لنا النساء والذرية، ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكمه.

1 سيرة النبي لابن هشام ج2 ص234.

2 المغازي ج2 ص496، 499.

ص: 457

وعاد نباش إليهم بذلك.

فلما أتاهم نباش برفض رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اقترحوه، قال كعب بن أسد: يا معشر بني قريظة والله إنكم لتعلمون أن محمدًا نبي الله، وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب، حيث لم يكن نبيًا من بني إسرائيل فهو حيث جعله الله، ولقد كنت كارهًا لنقض العهد والعقد، ولكن البلاء وشؤم حيي بن أخطب فاتبعوه وكونوا أنصاره وأولياءه، وقد آمنتم بالكتابين كليهما الأول، والآخر، فتعالوا فلنتابعه ولنصدقه ولنؤمن به فنأمن على دمائنا وأبنائنا ونسائنا وأموالنا.

فردوا عليه لن نكون تبعًا لغيرنا نحن أهل الكتاب والنبوة ونكون تبعًا لغيرنا.

فجعل كعب يرد عليهم الكلام بالنصيحة لهم.

قالوا: لا نفارق التوراة وندع ما كنا عليه من أمر موسى.

قال كعب: فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج في أيدينا السيوف إلى محمد وأصحابه فإن قتلنا قتلنا وما وراءنا أمر نهتم به، وإن ظفرنا فلعمري لنتخذن النساء والأبناء.

قالوا: ما في العيش من خير بعد هؤلاء.

قال: فواحدة قد بقيت من الرأي لم يبق غيرها، الليلة السبت ومحمد وأصحابه آمنون لنا فيها.

فنخرج فلعلنا أن نصيب منه غرة.

قالوا: نفسد سبتنا وقد عرفت ما أصابنا فيه؟

فصاحت اليهود: لا نكسر السبت.

وسقط في أيديهم، وندموا على نقض العهد يوم الأحزاب، ورقوا على النساء والصبيان حينما رأوا ضعف أنفسهم وهلاك النساء والصبيان.

فقال لهم كعب: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة حازمًا1.

إلا أن فريقًا من بني هدل خالف قومه اليهود، ودخل في الإسلام، ونجا بنفسه، وأمواله، وأولاده، وهم: ثعلبة وأسيد ابنا سعية، وأسيد بن عبيد وأبناؤهم2.

1 البداية والنهاية ج4 ص120.

2 سيرة النبي ج2 وبنو هدل ليسوا من بني النضير، ولا من بني قريظة لأن نسبهم فوق ذلك فهم بنو عمومتهم.

ص: 458

بعد أن بذلوا النصح الأمين لقومهم ولم ينقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.

واشتد الأمر على اليهود، فطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل لهم أبا لبابة بن المنذر، وكان لهم نصيحًا، لما بينهم وبينه من حلف؛ ولأن أمواله وأهله بينهم.

فلما أتاهم أبو لبابة قال له كعب بن أسد: يا أبا لبابة إنا قد اخترناك على غيرك، إن محمدًا قد أبى إلا أن ننزل على حكمه أفترى أن ننزل على حكمه؟

قال: نعم وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح.

قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله فندمت واسترجعت وأخذت في البكاء، فنزلت وإن لحيتي مبتلة من الدموع، والناس ينتظرون رجوعي إليهم فأخذت من وراء الحصن طريقًا أخرى حتى جئت المسجد ولم آت رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتبطت، وكان ارتباطي على الأسطوانة المخلقة التي يقال لها "أسطوانة التوبة" وقلت: لا أبرح من مكاني حتى أموت، أو يتوب الله عليّ مما صنعت، وعاهدت الله تعالى بألا أطأ أرض بني قريظة أبدًا، ولا أرى في بلد خنت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيه أبدًا.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهابي وما صنعت، فقال:"دعوه حتى يحدث الله تعالى فيه ما شاء لو كان جاءني استغفرت له، فإذا لم يأتني وذهب فدعوه".

وأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1.

قال أبو لبابة: فكنت في أمر عظيم في حر شديد عدة ليال لا آكل فيهن، ولا أشرب ولا أزال هكذا حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليّ، وأذكر رؤيا رأيتها في النوم، ونحن نحاصر قريظة، كأني في حمأة آسنة، فلم أخرج منه حتى كدت أموت من ريحها، ثم أرى نهرًا جاريًا فأراني اغتسلت فيه حتى استنقيت، وأراني أجد ريحًا طيبة، فاستعبرتها أبا بكر فقال: لتدخلن في أمر تغتم له ثم يفرج عنك، فكنت أذكر قول أبي بكر وأنا مرتبط، فأرجو أن ينزل الله تعالى قبول توبتي.

1 سورة الأنفال: 27.

ص: 459

يقول أبو لبابة: فلم أزل كذلك حتى ما أسمع الصوت من الجهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ.

ومكث أبو لبابة مرتبطًا ست ليال تأتيه امرأته مرة، وابنته مرة أخرى، فتحله حتى يتوضأ، ويصلي ثم يرتبط.

واستمر الحال على ذلك حتى نزل قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط: إن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر، وهو في بيت أم سلمة، قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك.

فقلت: يا رسول الله مما تضحك أضحك الله سنك.

قال صلى الله عليه وسلم: "تيب على أبي لبابة".

قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟

قال صلى الله عليه وسلم: "بلى إن شئت".

فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك.

فسار الناس إليه ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مر صلى الله عليه وسلم خارجًا إلى صلاة الصبح أطلقه2.

ثم نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بأسراهم فكتفوا رباطًا وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحوا ناحية، وأخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية، واستعمل عليهم عبد الله بن سلام وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة دارع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وحجفة، وأثاث كبير، وآنية كثيرة، وخمر وجرار سكر فهريق ذلك كله، ولم يخمس ووجد من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية شيء كثير

1 سورة التوبة: 102.

2 سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 ص237، 238.

ص: 460

فجمع هذا كله1.

وطلبت الأوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لهم بني قريظة فإنهم حلفاؤهم، كما وهب لابن أبي بني قينقاع حلفاءه.

فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ترضون أيها الأوس أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم"؟.

قالوا: بلى.

قال صلى الله عليه وسلم: "فذلك إلى سعد بن معاذ". وسعد يومئذ في المسجد في خيمة "رفيدة بنت سعد الأسلمية" وكانت تداوي الجرحى وتلم الشعث، وتقوم على الضائع الذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل سعد بن معاذ فيها منذ جرح فخرجت الأوس فحملوه على حمار، والتفوا حوله وأخذوا يقولون له: يا أبا عمرو! إن رسول الله قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبي وما صنع من حلفائه، وأكثروا في هذا وشبهه وهو لا يتكلم.

ثم قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم.

فقال الضحاك بن خليفة بن عبد الأشهل الأنصاري: واقوماه.

وقال غيره منهم: نحو ذلك، ثم رجع إلى الأوس فنعى لهم قريظة.

فلما جاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله قال: "قوموا إلى سيدكم! فقاموا له على أرجلهم صفين يحييه كل منهم".

وقالت الأوس الذين حضروا: يا أبا عمرو! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك الحكم فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك.

فقال سعد: أترضون بحكمي لبني قريظة؟

قالوا: نعم.

فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن الحكم ما حكم، ثم قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه الموسى، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات"2.

1 المغازي ج2 ص509، 210.

2 المغازي ج3 ص511، 512.

ص: 461

فنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الله تعالى، فقتل من بلغ منهم، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنق كعب بن أسد وهو بين يديه، وأمر بـ"نبانة" امرأة الحكم القرظي، وهي من السبي، فقتلت لأنها ألقت من حصن الزبير بن باطا رحى بإشارة زوجها على نفر من المسلمين كانوا يستظلون في فيئه، فشحذت رأس خلاد بن سويد بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مالك الأغر فمات، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم بعدما وزعهم على المهاجرين والأنصار، كما أمر بترك من لم ينبت، وتمادى القتل فيهم إلى الليل فقتلوا على شعل السعف، ثم رد عليهم التراب في الخنادق، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة والخمسين، ولما قتلوا صاحت نساؤهم، وشقوا جيوبهم، ونشروا شعورهم وضربوا خدودهم وملئوا المدينة عويلا وصراخًا1.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقسيم الأموال، والنساء والذراري قسمة الفيء حيث كان الخمس لله، ورسوله، والأربعة أخماس الباقية للناس بسهمها عليهم، وقد أعطى رسول الله الفارس ثلاثة أسهم، والراجل سهمًا واحدًا2.

ووصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق بالأسارى، وأمر بأن لا يفرق بين الأم وأولادها، ولا بين الأخوات، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام على الأسرى فمن أسلم باعه إلى صحابي مسلم، ومن أبي أمر ببيعه في الشام إلى يهودي، وإذا كان الأسير لا أم له ولا أخوة فإنه يباع لرجل مسلم في المدينة.

وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الأسرى فبيعت في نجد، وطائفة أخرى بيعت في الشام وأوصى صلى الله عليه وسلم بشراء أسلحة بثمنها.

واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ريحانه بنت زيد، فلما أسلمت ملكها، ودخل بها3.

وتخلص المسلمون من بؤرة خطيرة، هددت أمن المسلمين، كانت دائمة التآمر للفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد أعدوا عدتهم بالسلاح الضخم الذي استولى عليه المسلمون.

1 المغازي ج3 ص516-517 بتصرف.

2 سيرة النبي ج2 ص244.

3 المغازي ج3 ص521.

ص: 462

وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني قريظة حيي بن أخطب بعدما دخل معهم في حصنهم وفاء لما عاهدهم عليه يوم أن ضمهم إلى الأحزاب.

وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مقتله: "ألم يمكن الله منك يا عدو الله"؟.

فقال: بلى والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العز في مظانه، وأبى الله إلا أن يمكنك مني، ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكنه من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس لا بأس بأمر الله، قدر وكتاب، ملحمة كتبت على بني إسرائيل1.

ولم يقتل من النساء إلا واحدة هي زوجة الحكم القرظي، واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة، رجلان هما: خلاد بن سويد من الخزرج، وأبو سفيان بن محصن، ودفن الأول في البقيع، ودفن الثاني في ديار بني قريظة2.

ولما تم أمر بني قريظة استجاب الله دعوة سعد بن معاذ الذي جرح يوم أحد وحكم في بني قريظة بحكم الله ثم قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها، واجعل موتي فيها فقد أقررت عيني من بني قريظة3.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضعه بعد أحد يعالج في المسجد، في خيمة أقامها لعلاج الجرحى، وهي الخيمة المعروفة بخيمة "رفيدة بنت سعد الأسلمية"، وقد أتى به الأوس من الخيمة، وأركبوه حمارًا ليحكم في بني قريظة، فلما تم الأمر وعاد سعد إلى الخيمة انفجر جرحه ومات رضي الله عنه، فحمل إلى بيته، فغسل وكفن وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى أمام جنازته، ويعد سعد رضي الله عنه من شهداء أحد4.

يروي الواقدي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: لما انتهى رسول الله وصحابته إلى

1 إمتاع الأسماع ج1 ص248.

2 الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد الشيباني ج21 ص85.

3 صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي من الأحزاب ج6 ص231.

4 المغازي ج3 ص513.

ص: 463

قبر سعد نزل فيه أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن حضير، وأبو نائلة وسلمة بن سلامة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على قدميه عند قبره، فلما وضع في لحده تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبح ثلاثًا، فسبح المسلمون ثلاثًا حتى ارتج البقيع بتسبيحهم، ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، وكبر أصحابه ثلاثًا حتى ارتج البقيع بتكبيرهم، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقيل: يا رسول الله رأينا لوجهك تغيرًا وسبحت ثلاثًا وكبرت ثلاثًا.

قال صلى الله عليه وسلم: "تضايق على صاحبكم قبره، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد، ثم فرج الله عنه"1.

وجاءت أم سعد، وهي كبشة بنت عبيد، تنظر إلى سعد ولدها في اللحد، فردها الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوها".

فأقبلت حتى نظرت إليه، وهو في اللحد قبل أن يبنى عليه اللبن والتراب، ثم قالت: أحتسبك عند الله، وعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره، وجعل المسلمون يردون تراب القبر ويسوونه، وتنحى رسول صلى الله عليه وسلم فجلس حتى سوى على قبره ورش عليه الماء، ثم أقبل فوقف عليه فدعا له، ثم انصرف.

يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنت مع من حفر قبر سعد بن معاذ، وكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا تراب قبره2.

يروي البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اهتز عرش الرحمن لموت سعد3، وفي الترمذي عن أنس بن مالك: إنه لما حملت جنازة سعد قال المنافقون ما أخف جنازته، وفسروا ذلك بسبب قتله بني قريظة.

فقال صلى الله عليه وسلم لهم: "إن الملائكة كانت تحمله"4.

1 سير أعلام النبلاء ج1 ص290.

2 سير أعلام النبلاء ج1 ص295.

3 صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار باب مناقب سعد ج1 ص156.

4 صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ج6 ص231.

ص: 464