الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان
الجهاد ضرورة عامة
…
المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان
شرع الله الجهاد لتعيش الدعوة إلى الله في إطار خلقي كريم، يقدر الإنسان، ويبرز مزايا الدين، ويشجع الناس على الدخول في دين الله تعالى.
وحينما نتأمل في تشريع الإسلام للجهاد، وننظر في مساره التطبيقي من خلال الغزوات والسرايا، ومدى مساهمته في خدمة الدعوة، وتجلية صدق الإسلام وخيريته تظهر الحقائق التالية:
1-
الجهاد ضرورة عامة:
قد يتساءل سائل ما، بحسن نية أو بسوء نية، ويقول:
ما سبب كل هذه التضحيات التي يحتاجها الجهاد الإسلامي؟
وهل يستحق كل هذا؟
وما الغاية منه؟ وما الحكمة في تشريعه؟
وهل استنفد المسلمون كافة الوسائل السلمية حتى يلجئوا إلى الجهاد والحرب؟ مع ما في الحرب من قتل، ودم، وإزهاق للأموال والأرواح.
وهل تتساوى غايات الجهاد مع مسئولياته؟
وهذه تساؤلات تحتاج لإجابات واضحة منعًا للبس، وردًا لشبهات يثيرها أعداء الإسلام حول مشروعية الجهاد الإسلامي.
إن الإسلام دين الله تعالى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بعدما أوحى الله إليه به لإنقاذ الناس من ظلمات الجهل، وعبودية المادة، وطغيان الأقوياء حتى يعيشوا حياة آمنة مستقرة بالعدل والحق، وانتشار الخير والسلام.
ولم يبدأ الإسلام بتشريع الجهاد والقتال. وإنما بدأ بالكلمة الصادقة والدعوة الآمنة والحوار الجاد، يناقش العقول، ويحرك العواطف، ويثبت للناس صدق الإسلام، وأحقيته، بلا عدوان على أحد، أو سب لمخلوق، أو مصادرة لرأي واتجاه.
أعلن الإسلام غايته بوضوح وهي تنحصر في تحقيق السعادة للناس، ونشر السلام
في العالم كله بواسطة منهج رباني خالص حدد الإسلام معالمه، وبين غاياته ومراميه.
ومع هذا أبى جبابرة الأرض أن يواجهوا الدعوة بالدعوة، والحجة بالحجة، والرأي بالرأي، وإنما بدءوا باضطهاد من يدعونهم، وقتل من يكلمهم، ووضعوا سياجًا يمنع الدعوة من الحركة والانطلاق. ولم يكن موقفهم هادئًا، ولم يكتفوا بالحديث مهما كان توجهه ومستواه. وإنما اعتمدوا على القتل والأذى، ولم يفرقوا في عدوانهم بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، واستمروا في مباشرة العدوان وتصعيده حتى أجبروا المسلمين على الهجرة وترك الديار إلى أماكن لا عهد لهم بها كالحبشة والمدينة، ولم يترك الأعداء المسلمين أحرارًا حتى في مواطن هجرتهم، وإنما تتبعوهم بالعدوان، ولاحقوهم بالأذى ودبروا المؤامرات لاغتيار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقهر المسلمين وجيشوا الجيوش لقتل المسلمين في دارهم، وكان أملهم هو القضاء التام على المسلمين، وإطفاء نور الله في الأرض.
وبتحقق هذه الأمور في عالم الواقع يظهر أن مشروعية الجهاد جاءت بعد استنفاد كافة الوسائل التي يتصورها العقل لصيانة الحقوق، وضمان الخير للناس.
وقد شرع الله الجهاد لرد العدوان، ومنع الأذى، وتحقيق وضع يحقق الاستقرار للدعوة وللناس، ويصون الكرامة، ويحمي الحقوق، وذلك أمر تدعو إليه المواثيق الدولية القديمة والمعاصرة وتعمل له.
ولذلك كان تشريع الجهاد ضرورة عامة، ووحيدة بعد ما استنفد المسلمون كافة الطرق للتعامل مع أعدائهم الذين بدءوهم بالأذى، ولاحقوهم بالعدوان، ولم يسمعوا لهم كلمة، ولم يناقشوهم بحجة.
لو لم يشرع الله الجهاد وتركه المسلمون لتمكن المشركون من كل مسلم، ولقضوا على المسلمين ودينهم.
ولو لم يشرع الجهاد لاستمرت البشرية في ظلمات الجهل، وسوءات القهر والاستعباد.
ومن هنا ندرك ضرورة تشريع الجهاد، وسبب تكليف المسلمين به، وأهمية
التضحية والبذل إنقاذًا لأنفسهم، وحماية لدينهم، وتحقيقًا لخير الإنسانية وسعادتها.
إن الأمم المعاصرة تحتفل بما بذلته في حروبها العالمية، وتتباهى بتضحياتها من أجل الحرية والديموقراطية، وتجعل قتلاها خلال هذه الحروب أبطالا تصنع لهم التماثيل، وتشيد بهم في كل مجال، فإذا نظرنا إلى الجهاد الإسلامي من زاوية هؤلاء الناس مع ربطه بوسائله وأهدافه، وتطبيقاته فإن ذلك يعد برهانًا على ضرورته، وحتمية استمراره لخير الناس مع وضوح الفرق بين الجهاد الإسلامي وهذه الحروب من ناحية أخلاقيات الجهاد ونتائجه.
إن الجهاد الإسلامي في إطار مشروعيته يحتاج إلى كل ما بذل له من تضحية وعطاء، ولو تضاعف الجهد لكان خيرًا وبركة.
ويبقى الجهاد في مشروعيته محافظًا على حقيقته، وغايته على الزمن كله.
ومن حكمة الله أن آيات الجهاد تورده مرتبطًا بسببه وعلته، يقول الله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 1.
ويقول سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 2.
ويقول سبحانه: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} 3.
ويقول سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} 4.
ويقول سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ
1 سورة الحج: 39.
2 سورة البقرة: 190.
3 سورة التوبة: 36.
4 سورة البقرة: 251.