الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
القتال:
بدأت الحرب بهجوم شديد من "هوازن" قبيل مطلع الشمس على المسلمين، وقد كانوا في كثرة عجيبة أدهشت المسلمين، وحيرتهم لأنهم لم يتوقعوها.
حملت هوازن على المسلمين حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم، وولت الأدبار، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالا، والناس منهزمون حتى بلغوا مكة، فلم يرجع آخرهم إلا والأسارى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"يا أنصار الله. يا أنصار رسول الله أنا عبد الله ورسوله"!. ثم تقدم بحربته أمام الناس، وانهزم المشركون، وما ضرب أحد من المسلمين بسيف ولا طعن برمح، ورجع صلى الله عليه وسلم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه من المشركين، وقد ولت هوازن، وثاب من انهزم من المسلمين.
ولم يكن معه صلى الله عليه وسلم وقت هزيمة هوازن إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد أخذ بثفر البغلة، والعباس آخذ بحكمتها، وهو يركضها إلى وجه العدو، وينوه باسمه فيقول:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب1
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا عباس! اصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة"!. فنادى بذلك، وكان رجلا صيتًا، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك!! يا لبيك، فأشرف صلى الله عليه وسلم كالمتطاول في ركابيه، فنظر إلى قتالهم وقال:"الآن حمي الوطيس". ثم أخذ بيده من الحصا فرماهم بها وهو يقول: "شاهت الوجوه، حم، ثم لا ينصرون". ثم قال: "انهزموا ورب الكعبة". فما زال أمرهم مدبرًا، وانهزموا، فانحاز صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، وهو على بغلته قد جرد سيفه، وثبت معه سوى من ذكرنا: علي، والفضل بن عباس، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأيمن بن عبيد الخزرجي، وأسامة بن زيد، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهم2.
1 بلوغ الأماني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ج21 ص174.
2 سيرة النبي ج2 ص443.
ولما انكشف الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحارثة بن النعمان الأنصاري: "كم ترى الناس الذين ثبتوا"؟.
فحزرهم مائة، وهذه المائة هي التي كرت بعد الفرار، فاستقبلوا هوازن واجتلدوا والرسول يدعو:"اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان".
ويقال إن المائة الصابرة يومئذ: ثلاثة وثلاثون من المهاجرين، وسبعة وستون من الأنصار، وكان علي، وأبو دجانة، وعثمان بن عفان، وأيمن بن عبيد رضي الله عنهم يقاتلون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وكانت أم عمارة في يدها سيف صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها وهي يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة، وأم سليط، وأم الحارث، حين انهزم الناس، يقاتلن، وأم عمارة تصيح بالأنصار: أية عادة هذه! ما لكم وللفرار! وشدت على رجل من هوازن فقتلته وأخذت سيفه1.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم مصلت السيف بيده، وقد طرح غمده ينادي:"يا أصحاب سورة البقرة". فكر المسلمون، وجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، يا خيل الله، وكان صلى الله عليه وسلم قد سمى خيله خيل الله، وكان شعار المهاجرين بني عبد الرحمن، وشعار الأوس بني عبيد الله، وشعار الخزرج بني عبد الله، فكرت الأنصار ووقفت هوازن حملة ناقة، ثم كانت هزيمتهم أقبح هزيمة، والمسلمون يقتلون ويأسرون.
وأم سليم بنت ملحان تقول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت هؤلاء الذين أسلموا وفروا عنك وخذلوك!! لا تعف عنهم إذا أمكنك الله منهم، تقتلهم كما تقتل هؤلاء المشركين! فقال:"يا أم سليم! قد كفى الله، عافية الله أوسع"2.
وحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى شرعوا في قتل الذرية، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية! ألا لا تقتل الذرية". فقال أسيد بن حضير: يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين! فقال: "أوليس
1 بلوغ الأماني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ج21 ص175.
2 المغازي ج3 ص903، 904.