الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاف على الذراري منهم، لكن النوم غلب خواتًا، فحمله يهودي، فلما استيقظ خوات تمكن من قتل اليهودي وتمكن المسلمون من هزيمة عشرة من اليهود جاءوا يريدون المدينة فأدى ذلك إلى خوف اليهود من ورائهم.
واجتمعت جماعة منافقة من بني حارثة فبعثوا أوس بن قيظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن بيوتنا عورة، وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا، وليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فائذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرحوا بذلك، وتهيئوا للانصراف.
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله! لا تأذن لهم إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة قط إلا صنعوا هكذا.
ثم أقبل سعد عليهم فقال: يا بني حارثة، هذا لنا منكم أبدًا ما أصابنا وإياكم شدة إلا صنعتم هكذا فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد بلغت حشود المشركين عند الخندق أكثر من عشرة آلاف مقاتل منهم أربعة آلاف من قريش، والباقون من بني سليم، وأسد، وفزارة، وغطفان ومع هؤلاء كان بنو قريظة وأشجع1.
1 سيرة النبي ج2 ص219، 220.
ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب
نشط يهود بني النضير في التحريض على قتال المسلمين، وتمكنوا من تجميع أحزاب عدة، وتعاهدوا معهم على القتال، ولم يكتفوا بالاتفاق مع القرشيين، وغطفان، وعرب نجد، وغيرها، وإنما ظلوا بيهود بني قريظة والمنافقين حتى ضموهم إليهم وكونوا بذلك قوة ضخمة تحيط بالمسلمين من ظاهر المدينة، ومن داخلها، بلغ عددها أكثر من عشرة آلاف من خيرة رجال القبائل وفرسانها، يصور الله تعالى هذا الحال في قوله تعالى:{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا} 1
1 سورة الأحزاب: 11، 12.
ولو تمكن هذا الجمع الغفير من مفاجأة المسلمين وأخذهم على غرة لأتوا عليهم ولقضوا على المدينة قضاء كليًا، لكن معونة الله كانت مع عباده المؤمنين فألهمهم الحق؛ ووفق رسوله صلى الله عليه وسلم في تتبع أخبار أعدائه، فبث العيون لمعرفة ما يعدون له، ولذلك لما جاءت الأخبار بتجمع الأحزاب وتأليب القبائل قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة عدم الخروج من المدينة، وتحصين كافة الطرق الموصلة إليها، وسد جميع المسارات التي تمكن قاصدها من الدخول فيها، ورأوا أن المدينة من الشرق والجنوب والغرب محصنة بحصون طبيعية، تتكون من البساتين الكثيفة، والموانع الطبيعية التي تحول دون إجراء قتال فيها بين قوات كثيرة ما عدا جانبها الشمالي فإنه منطقة مكشوفة واسعة يسهل القتال فيها والولوج منها إلى المدينة.
ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم، على المدينة، وبدأ يستعد لملاقاة الأحزاب فجعل شعار المسلمين "هم لا ينصرون" ثم أخذ رأي أصحابه العالمين بشأن الحرب والقتال في تحصين الجانب الشمالي للمدينة، وتنظيم المجاهدين، والاستعداد للقتال والمواجهة فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق عميق، واسع، يغطي المنطقة الشمالية، المفتوحة بطولها، الممتد من الحرة الشرقية إلى جبل سلع.
ولم يكن للعرب معرفة بالخندق في حروبهم السابقة؛ لأنهم تعودوا المواجهة المباشرة، والتلاحم اللصيق كما حدث في "بدر" و"أحد" ولذلك فوجئ الأحزاب حين مجيئهم بهذا الخندق الذي حفره المسلمون بعدما أخذوه من أساليب الفرس القتالية وكما ذكره لهم سلمان الفارسي رضي الله عنه ولذلك قال المشركون حين رأوا الخندق: والله إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها1.
رحب رسول الله بفكرة الخندق، وأمر أصحابه بالحفر، وأشار لهم صلى الله عليه وسلم بأهميته فعمل المسلمون فيه بجد ونشاط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحثهم، ويساعدهم في عملهم هذا بعدما قسم الحفر على المهاجرين والأنصار، وجعل لكم عشرة من الصحابة أربعين
1 سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 ص224.
ذراعًا يحفرونها ويسوونها، على الطريقة الفارسية ليكون الحرف قائمًا، عموديا على بطن عريض مستقيم.
وقد بلغ طول الخندق خمسة آلاف متر في عرض بلغ ستة أمتار، وعمق بلغ خمسة أمتار، وتم الحفر في مدة تقل عن نصف شهر عمل خلالها المسلمون بكل جد، واشتغل النبي صلى الله عليه وسلم معهم، ففي البخاري عن سهل بن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخره
…
فاغفر للأنصار والمهاجره1
وعن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:
اللهم إن العيش عيش الآخره
…
فاغفر للأنصار والمهاجره
فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا2
وعن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب ويقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد بها صوته بآخرها3 ويرددها، ويقول:"أبينا، أبينا، أبينا".
واستمر المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع الذي يفتت الأكباد ويقعد عن العمل.
1 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الخندق ج6 ص319
2 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الخندق ج6 ص320.
3 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الخندق ج6 ص324.