الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام
وأخيرًا كان تشريع المرحلة الرابعة حيث أمر الله المسلمين بالحرب العامة ضد كل المشركين أيا كان نوعهم، وجنسهم، ومكانهم، وزمانهم، فقال الله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} 1 ودلالة الآية ظاهرة؛ لأن المشركين في مكة، وفي قبائل العرب، وفي البوادي أجمعوا أمرهم على محاربة المسلمين للقضاء عليهم، وأخذوا في الإعداد لتحقيق غاياتهم قبل غزوة الأحزاب، فكان أن نزل تشريع الجهاد العام للتصدي لكافة المشركين.
ويقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 2.
والأمر واضح في قتال أعداء الله لأنهم بسبب كفرهم ونفاقهم تمكنت العداوة منهم فأصبحوا خطرًا يجب الخلاص منه بالجهاد.
وقد أمر الله تعالى بالقتال العام لأعداء الله بعدما اتضح إصرار أحزاب الكفر على إطفاء نور الله في الأرض باذلين كل ما يمكنهم لتحقيق ذلك، ولهذا كان الأمر بالجهاد العام مناسبًا للوضع الموجود الذي يقول الله تعالى عنه:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 3.
ومع هذا التعميم في الحرب لا نسخ في أوامر المرحلة الثالثة لاندراجها في سعة هذا العموم من باب أولى.
والحرب في المرحلة الرابعة لا تعارض مبدأ مقاومة الباطل، ورد العدوان؛ لأن الأمر فيه {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} فقتالهم لكم هو المشبه به وهو السبب؛ لأن
1 سورة التوبة: 36.
2 سورة التحريم: 9.
3 سورة الصف: 8.
الكاف زادت هنا عن مجرد التشبيه فتضمنت معنى المقابلة والعقوبة، وقتالكم يجب أن يشبهه، وذلك يستلزم أن وجه الشبه في قتالهم أوضح وأسبق.
وأيضًا فإن المشركين هم الذين بدءوا في العام الخامس الهجري بالمقاتلة العامة ساعة أن تجمعوا في عدد هائل، ضم قريشًا وأحابيشها، ومن تبعها من بني كنانة وأهل تهامة. ومعهم غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، يعاونهم يهود بني قريظة.
يقول ابن إسحاق في حديثه عن هذا التجمع: فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في مرة، وسعد بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه بني أشجع.
وقد بلغ تجمع المشركين في الأحزاب عشرة آلاف، وكان أملهم القضاء على المسلمين أجمعين كما يوضحه قول حيي بن أخطب لكعب بن أسد القرظي: عاهدني القوم وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدًا ومن معه1.
فكان لزامًا أمام اتجاهات هذا التجمع الشامل أن يأمر الله المسلمين بالمقابلة العامة لتبدأ المرحلة الرابعة قبيل غزوة الأحزاب التي وقعت في الخامس من شوال في العام الخامس الهجري، ومن يومها والمسلمون مكلفون بقتال من قاتلهم من سائر الفئات المشركة ومن ظاهرهم من بقية الناس.
وإذا نظرنا إلى وقائع الجهاد، وأعمال المجاهدين، والتزامهم بأخلاق الإسلام لظهر جليًا براءة الجهاد الإسلامي من أي اتهام يوجه إليه؛ لأن في كل صوره يحقق الحرية، ويضمن الكرامة، ويحفظ للإنسان حقوقه وكل ما هو ضروري له. كما سيتضح عند دراسة الغزوات.
1 سيرة النبي ج2 ص214، 215.