الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب الأنصاري سبعة أشهر حتى أقام بيوتًا لزوجاته رضي الله عنهن.
وقد أسس النبي صلى الله عليه وسلم تسعة بيوت حول المسجد في الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية.
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيسها بعد الهجرة، واحدًا بعد الآخر فبنى أولا بيتًا لسودة بنت زمعة، كما بنى بيتًا ثانيًا لعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فهما زوجتاه حين الهجرة وبعد ذلك كان صلى الله عليه وسلم كلما أحدث أهلا بنى بيتًا، واستمر هكذا حتى بنى سائر البيوت، وعددها تسعة.
والأرض التي أقيمت فيها البيوت كانت مملوكة لحارثة بن النعمان الخزرجي رضي الله عنه وكان يتنازل لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأرض بقدر الحاجة، فكلما بنى النبي بزوجة تنازل الحارث لرسول الله عن أرض لإقامة بيت لها فيه!!
وأول البيوت تأسيسا هو بيت سودة وثانيها هو بيت عائشة الذي يلي الروضة مباشرة من جهة الشرق، وفيه دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يعرف الآن بالحضرة النبوية وقد أقيم فوقها قبة خضراء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وبعدها كان بيت سودة بنت زمعة رضي الله عنها ملاصقًا لبيت عائشة من جهة الشرق، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بيتًا لابنته
فاطمة حين تزوجها ابن عمها علي رضي الله عنه في شمال بيت عائشة عن يسار المصلى إلى القبلة في الروضة الشريفة، أي أنه كان خلف بيت عائشة، وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم طريقًا إلى بيت فاطمة يعرف بخوخة علي حيث كان يأتي بابها كل يوم، ويأخذ بعضادتيه ويقول:"الصلاة، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} "1.
يقول عمر بن علي بن الحسين رضي الله عنه: كان في بيت فاطمة كوة إلى بيت عائشة رضي الله عنها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج اطلع من الكوة إلى فاطمة وعلي يعلم خبرهم2.
وقد توزعت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حول مسجده فلقد أقيم بيت زينب بنت خديجة الهلالية شرق بيت فاطمة وشمال بيت سودة رضي الله عنهن.
كما أقيم بيت زينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش إلى الشرق من بيت سودة وزينب الهلالية وأقيم بيت حفصة بنت عمر أمام بيت عائشة من جهة الجنوب وقد أقيمت الحجر الباقية خلف المسجد من الجهة الشمالية، والشمالية الغربية المواجهة للقبلة وتعرف هذه البيوت ببيوت النبي، أو بيوت أزواج النبي، أو حجر النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان البيت مكونًا من حجرة وفناء، حيث حوائط الحجرة من جريد النخل المغطى من الخارج بالشعر والوبر، والمطين من الداخل، وللحجرة باب يفتح على الموجود أمامها وللبيت باب مرتبط بالخارج.
وقد بلغت مساحة كل واحدة من الحجرة والفناء ثمانية أذرع طولا، وعرضًا، وبذلك بلغ الطول ستة عشر ذراعًا أني أن مجموعهما معًا كان مائة وثمانية وعشرين ذراعًا.
ويبدو أن مساحة البيوت لم تكن واحدة لأن خمسة منها كان مكونًا من فناء فقط.
يقول عمران بن أنس: ترك النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أبيات بلبن، لها حجر من جريد وخمسة أبيات مطينة لا حجر لها، على أبوابها مسوح الشعر، أي أنها لم تكن على
1 سورة الأحزاب آية 32.
2 رحلة المحبين إلى سيد المرسلين ص162.
مساحة واحدة1.
يروي ابن سعد في طبقاته: أن حوائط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت مكونة من جريد مطين بالطين، وسقفها من الجريد، وأبوابها من خشب العرعر الذي كان ينبت في بلاد العرب وللباب حلقة من ساج2.
وقد استدل بعض العلماء بما ورد من أن الصحابة كانوا ينقرون باب النبي صلى الله عليه وسلم بأظافرهم على أن الأبواب لم تكن بها حلقة، إلا أن الظاهر من قوله بأظافرهم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك تأدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة إزعاجه إذا ضربوا بأيديهم على الحلقة.
وكانت الحجرة متوسطة الارتفاع، ينال الواقف فيها السقف بيده، وكانت بسيطة الفرش.
وقد أعد النبي صلى الله عليه وسلم مكانًا خلف بيت فاطمة من جهة الشمال وجعله لمبيت الفقراء وهو المعروف بمكان الصفة.
أمر الوليد بن عبد الملك واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز بهدم حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وضمها للمسجد فبكى أبناء الصحابة وقالوا: ليتها تركت ولم تهدم حتى يطلع الناس على البناء، ويروا ما رضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومفاتيح خزائن الدنيا بيده3.
ولعل في هدم الحجرات أسبابًا من أهمها عدم الحاجة إليها، وللاستفادة بها في توسعة المسجد، وحتى لا يتخذها المسلمون مزارًا يعبد، ولذلك لم يؤثر عن أحد من التابعين إنكارا، ولم يحدث أن عارض عمر بن عبد العزيز الأمر إليه بالهدم وهو من هو؟ إنه عمر بن عبد العزيز، وكفى!! لقد رضي بالهدم، ولم ينكر.
وعن عبد الله بن زيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حين هدمها عمر بن عبد العزيز والي المدينة بأمر الوليد، كانت بيوتًا باللبن وبها حجر من جريد مطرورة بالطين، عددها تسعة بيوت، وهي ما بين بيت عائشة رضي الله عنها
1 سبل الهدى والرشاد ج3 ص507.
2 طبقات ابن سعد ج1 ص499.
3 سبل الهدى والرشاد ج3 ص507.
إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم.
ورأيت بيت أم سلمة وحجرتها من لبن فسألت ابن ابنها: من بناها؟
فقال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة دومة الجندل بنت أم سلمة حجرتها بلبن، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى اللبن فدخل عليها فقال: ما هذا البناء؟
فقالت: أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس.
فقال: "يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان"1.
وعن الحسن البصري قال: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في خلافة عثمان بن عفان، فأتناول سقفها بيدي2.
وقد كان الحسن صغيرًا آنذاك فإنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وليس له عند المحدثين سماع من عثمان مما يدل على انخفاض السقف3.
ثم إن هذا الارتفاع لحجراته صلى الله عليه وسلم وهو أن الواقف يتناول سقفها بيده، هو الذي تثبته النصوص، ولقد سبق أنه صلى الله عليه وسلم جعل ارتفاع مسجده على هذه الوتيرة، وما كان ليجعل حجراته أعلى من المسجد، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شأن البنيان:"النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه"4.
وقد بقيت أمهات المؤمنين، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل في حجرتها على هيئتها التي بنيت عليها ما عدا عائشة رضي الله عنها فإنها لما أذنت بدفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجوار أبيها أقامت جدارًا داخليًا قسم بيتها إلى قسمين هما:
القسم الأول: هو الفناء، ويضم القسم الجنوبي من البيت وفيه دفن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.
القسم الثاني: وهو الحجرة ويقع شمال القسم الأول، وهو الذي اتخذته عائشة رضي الله عنها بيتًا لها.
1 الطبقات الكبرى ج1 ص499.
2 طبقات ابن سعد 1/ 500.
3 التهذيب 2/ 263 رقم 488.
4 سنن الترمذي كتاب صفة القيامة باب 40 ج4 ص650 وقال حسن غريب.
واستمر الحال على هذا الوضع حتى هدمت البيوت جميعا في عهد الوليد بن عبد الملك.
صفحة إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟