الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
تحرك المسلمين نحو خيبر:
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الحديبية عشرين يومًا تحرك بعدها إلى خيبر، وقد وعده الله تعالى بمغانم خيبر فقال تعالى:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} 1.
والآية تشير إلى ما في صلح الحديبية من خير عجله الله تعالى لهم، كما تعدهم بمغانم كثيرة بعد ذلك هي مغانم خيبر، وقد شعر المنافقون وضعفاء الإيمان بما في خيبر من غنائم فعزموا على الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منها فأمره الله تعالى بمنعهم في قوله سبحانه وتعالى:{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} 2.
ولذلك قال النبي لأصحابه: "لا يخرج معنا إلا راغب في الجهاد".
فخرج معه الذين بايعوه تحت الشجرة وعددهم ألف وأربعمائة.
واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة رضي الله عنه.
وبعد أن صلى المسلمون صلاة الصبح تحرم الجيش الإسلامي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر جبل عصر "بالكسر وقيل بالتحريك" ثم الصهباء، ثم نزل على واد يقال له:"الرجيع" وكان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان، وتوجهوا إلى خيبر، لإمداد اليهود، فلما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حسًا ولغطًا فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا إلى ديارهم لحراسة الديار وحماية الذراري والنساء وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدليلين اللذين كانا يرشدان الجيش ليدلاه على الطريق الأحسن، حتى يدخل خيبر من جهة الشمال أي جهة الشام فيحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى الشام كما يحول بينهم وبين غطفان.
قال أحدهما: أنا أدلك يا رسول الله فسار الجيش حتى انتهى إلى مفرق طرق وقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه طرق يمكن الوصول من كل منها إلى المقصد، فأمره صلى الله عليه وسلم أن
1 سورة الفتح: 20.
2 سورة الفتح: 15.
يسميها له واحدًا واحدًا.
قال الرجل: اسم واحد منها حزن فأبى النبي صلى الله عليه وسلم سلوكه.
وقال: اسم الثاني شاش، فامتنع منه أيضًا.
وقال صلى الله عليه وسلم: اسم آخر حاطب، فامتنع منه أيضًا.
فقال حسيل، فما بقي إلا واحد منها.
قال عمر: ما اسمه؟
قال: مرحب، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم سلوكه تفاؤلا باسمه.
وقد حدث في الطريق إلى خيبر أن رجلا من القوم قال لعامر بن الأكوع: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟
وكان عامر رجلا شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم ويقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اتقينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا
…
إنا إذا صيح بنا أبينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا السائق".
قالوا: عامر بن الأكوع.
قال: "يرحمه الله".
قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به1.
وكانوا يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لإنسان يخصه إلا استشهد، وقد استشهد عامر في غزوة خيبر.
وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم". وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
1 صحيح البخاري باب غزوة خيبر ج6 ص374.
فقال لي: "يا عبد الله بن قيس".
قلت: لبيك رسول الله.
قال: "ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة".
قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي.
قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"1.
وعند الصهباء أدنى خيبر صلى رسول الله بالمسلمين العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري، فأكل وأكل الناس، ثم قام إلى المغرب، فمضمض ومضمض الناس، ثم صلى ولم يتوضأ، ثم صلى العشاء2.
بات المسلمون الليلة الأخيرة التي بدأ في صباحها القتال قريبًا من خيبر، واليهود لا يشعرون بهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى قوما بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما أصبح صلى الفجر بغلس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون فلما خرجوا لأرضهم، ورأوا الجيش قالوا: محمد، والله محمد والخميس3، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الله أكبر خربت خيبر، الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"4.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم اختار لمعسكره منزلا وسط الأشجار، تعلوه الحصون فأتاه الحباب بن المنذر فقال: يا رسول الله أرايت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هو الرأي في الحرب؟
قال: "بل هو الرأي".
فقال: يا رسول الله إن هذا المنزل قريب جدًا من حصن نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيه، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضا هذا بين النخلات، وفي مكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد، نتخذه معسكرًا.
1 صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر ج6 ص380، 381.
2 المغازي ج2 ص642، 643.
3 معنى قولهم والخميس أن الجيش أقبل في خمسة أركان مقدمة، ومؤخرة، وميمنة، وميسرة، وقلب.
4 صحيح البخاري باب غزوة خيبر ج6 ص376.