الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: غزوة الأحزاب
مدخل
…
المبحث الثامن: غزوة الأحزاب
أدت تحركات المسلمين قبل الأحزاب إلى إعادة الهيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وأخذ أهل مكة وأعراب البوادي وقبائل العرب المنتشرة في أرجاء الجزيرة العربية يميلون إلى السلام مع المسلمين، ويهربون من عدم مواجهتهم كما رأينا من أبي سفيان في بدر الآخرة.
ونظر يهود بني النضير إلى حالتهم فوجدوا أنهم أخرجوا من ديارهم، وفقدوا أموالهم وشق عليهم أن يستقر المسلمون في المدينة، وينتشر الإسلام بين الناس فعملوا على القضاء على المسلمين ليعودوا إلى المدينة مرة أخرى، ورأوا أنه لا قبل لهم بالمسلمين فأخذوا يؤلبون الناس، ويجمعون الأحزاب لمقاتلة المسلمين.
وتولى كبر هذا التحريض نفر من اليهود على رأسهم سلام بن مشكم بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب في نفر من بني النضير، وهوذة بن قيس الوائلي من الأوس في بضعة عشر رجلا حيث خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله، وقالوا لهم: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله.
فقالت لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بالدين الذي أصبحنا نختلف فيه، نحن ومحمد، أديننا خير أم دينه؟ فنحن عمار البيت، ننحر الإبل، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام؟!
فقالوا لهم: بل دينكم خير من دينه، وإنكم أولى بالحق منه.
فأنزل الله فيهم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} 1.
يقول المفسرون:
خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبًا من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشًا على غدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على أبي سفيان، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة:
1 سورة النساء الاية 51.
إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكر منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما فذلك قوله، يؤمنون بالجبت والطاغوت.
ثم قال كعب لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد، ففعلوا ذلك.
فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقًا وأقرب إلى الحق؟ أنحن أم محمد؟
فقال كعب: أعرضوا على دينكم.
فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقري الضيف، ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا ونطوف به، ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم ودين محمد الحديث.
فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه.
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما سمعوا، ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك، واتعدوا له، وقال لهم أبو سفيان: مرحبًا وأهلا، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد.
ثم خرج ذلك النفر حتى أتوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأنهم سيعطونهم ثمر خيبر سنة إن هم نصروهم، وأخبروهم أن قريشًا تابعوهم على ذلك.
ثم ذهبوا إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش1.
وأخذ المنافقون في المدينة يبتعدون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشاركون المسلمين في المحافظة على المدينة، ويتحايلون في عدم الالتزام بالعهود الموجودة وصاروا يعملون ضد الإسلام في لؤم وخفاء.
وتمكن يهود بني النضير من التأثير على بني قريظة كذلك وضموهم إلى معسكر المقاتليت لرسول الله وصحابته.
وظن الأحزاب بهذا التجمع أن الأمور دالت لهم، وأن انتصارهم بكثرتهم حق ثابت ولذلك تحركوا جماعات نحو المدينة، وتواعدوا اللقاء حولها، وقدموا من كل صوب بعددهم وعدتهم وعداوتهم، لينالوا من دين الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستأصلوا المسلمين من المدينة.
ولكن الله ناصر لدينه، ومظهر للحق، ومعين لجنده الذين يعملون في إخلاص وصدق فأيدهم ونصرهم وخذل عدوهم وهزمهم بقدرته سبحانه وتعالى.
ودراسة غزوة الأحزاب تحتاج إلى دراسة ما يلي:
1 المغازي ج2 ص443.