الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق
وابن أبي الحقيق هو سلام بن مشكم بن أبي الحقيق، ويكنى بـ"أبي رافع" ويعرف بـ "عبد الله بن أبي الحقيق" والذي سماه عبد الله هو قاتله عبد الله بن عتيك وهو أحد زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر بعد أحد، وكان من الأعداء الألداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام، وقد بدت عداوته بعدما علم بمقتل مقاتلة بني قريظة حيث قال: هذا كله عمل حيي بن أخطب، لا قامت يهودية بالحجاز أبدًا.
وصاح نساء بني قريظة وأقمن المآثم وفزعت اليهود إلى سلام ليروا رأيه، فأشار عليهم بأن يسيروا معه، ومعهم يهود تيماء، وفدك، ووادي القرى، ولا يجلبوا معهم أحدًا من العرب، حتى يغزوا محمدًا في عقر داره، فوافقوه على ما رأى، وأخذ يعد العدة لذلك يقول ابن إسحاق: لما قتلت الأوس كعب بن الأشرف رغب الخزرج في قتل ابن أبي الحقيق لينالوا ثواب قتله، وحتى لا يسبقهم الأوس في فضل، ولأنه أشد عداوة لرسول الله من كعب، وحتى لا تستمر مؤامرته على محاربة المسلمين، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لهم1.
يروي البخاري بسنده قصة مقتله فيقول: بعث رسول الله إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل.
فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب يقول عبد الله: فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على وتد فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب.
1 سيرة النبي ج2 ص273.
وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمرة صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقته على من دخل، فقلت إن القوم إذا نذروا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله.
فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: أبا رافع، حتى أعرف مكانه من صوته.
قال: من هذا؟
فأهويت نحو الصوت فضربته ضربة بالسيف، وأنا أدهش فما أغنيت شيئًا، وصاح، فخرجت من البيت ومكثت غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت بصوت آخر: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟
فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف، فعلمت أني ضربته ضربة أثخنته ولم تقتله، فوضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته.
فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا، حتى انتهيت إلى درجة السلم، فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة ثم انطلقت، حتى جلست على الباب فقلت لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا؟
فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء النجاء فقد قتل الله أبا رافع، فلما انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال لي:"ابسط رجلك، فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط"1.
وكان مقتل ابن أبي الحقيق في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة، وقد أدى مقتله إلى تفرق الجمع الذي كان يعده للهجوم على المدينة، وعلم اليهود في خيبر أن المسلمين لهم بالمرصاد، ولن يتركوهم في تآمرهم على الإسلام وعلى المسلمين.
1 صحيح البخاري، كتاب المغازي باب قتل أبي رافع ج6 ص281-282.