المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ موقف المسلمين: - السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني

[أحمد أحمد غلوش]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد: التعريف بالمدينة المنورة "دار الهجرة" وبيان أهميتها للدعوة

- ‌الفصل الأول: السيرة النبوية من الهجرة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌النقطة الأولى: تحديد موطن الهجرة

- ‌النقطة الثانية: أهمية الهجرة

- ‌النقطة الثالثة: تنظيم الهجرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌أولا: تآمر القرشيين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: التخطيط للهجرة

- ‌ثالثًا: عناية الله بنبيه في الهجرة

- ‌رابعًا: الوصول إلى المدينة

- ‌النقطة الرابعة: وقفات مع الهجرة

- ‌المبحث الثاني: الاستقرار في المدينة

- ‌مدخل

- ‌أولا: الترحيب بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: تأمين سكن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته

- ‌ثالثًا: هجرة آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: إقامة المسجد النبوي

- ‌المبحث الثالث: تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة

- ‌مدخل

- ‌ تنظيم الإخاء بين المسلمين:

- ‌ وضع الميثاق العام لسكان المدينة:

- ‌المبحث الرابع: الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة

- ‌أولا: التعريف بأمهات المؤمنين المتفق عليهن

- ‌ثانيًا: الزوجات المختلف فيهن

- ‌ثالثًا: من خطبها أو وهبت نفسها ولم يتزوجها صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: رد ما يقال عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السادس: الحكم العامة في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضوان الله عليهم

- ‌المبحث الثامن: أبناء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع: الحياة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌أولا: أكله

- ‌ثانيًا: شرابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثًا: نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة

- ‌الفصل الثاني: حركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة في المدينة المنورة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: بناء المجتمع الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دين كامل

- ‌ثانيًا: قيادة أمينة رائدة

- ‌ثالثًا: مؤمنون صادقون

- ‌رابعًا: التفاعل التام بين المسلمين والإسلام

- ‌المبحث الثاني: تشريع الجهاد وحركة الدعوة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تعريف الجهاد

- ‌ثانيا: مراحل تشريع الجهاد

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: مرحلة التحمل والصبر

- ‌المرحلة الثانية: مرحلة الإذن بالقتال

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة القتال المقيد

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الأمر بالقتال العام

- ‌المبحث الثالث: السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب وقوع السرايا والغزوات قبل بدر

- ‌ثانيًا: السرايا والغزوات قبل "بدر

- ‌ثالثًا: السرايا وحركة الدعوة

- ‌المبحث الرابع: غزوة بدر الكبرى

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

- ‌مدخل

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ موقف القرشيين:

- ‌ثالثًا: أحداث المعركة

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: قريش والهزيمة

- ‌سادسا: المسلمون في إطار انتصار بدر

- ‌الاختلاف في توزيع الغنائم

- ‌الاختلاف في مصير الأسرى

- ‌ الابتهاج بنصر الله تعالى:

- ‌ تشريع زكاة وعيد الفطر:

- ‌سابعا: بدر في رحاب القرآن الكريم

- ‌حديث ما قبل المعركة

- ‌ حديث القرآن الكريم عن المعركة:

- ‌ حديث ما بعد المعركة:

- ‌ توجيهات قرآنية تربوية:

- ‌المبحث الخامس: أحداث ما بين بدر وأحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: غزوة بني سليم

- ‌ثالثًا: غزوة السويق

- ‌رابعًا: غزوة غطفان

- ‌سادسًا: سرية زيد بن حارثة

- ‌سابعًا: غزوة بني قينقاع

- ‌ثامنًا: قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط

- ‌تاسعًا: قتل كعب بن الأشرف

- ‌عاشرًا: أهم أحداث المجتمع الإسلامي

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة بين بدر وأحد

- ‌المبحث السادس: غزوة أحد

- ‌مدخل

- ‌أولا: أسباب الغزوة

- ‌ثانيا: موقف أطراف معركة أحد قبل القتال

- ‌موقف المشركين

- ‌ موقف المسلمين:

- ‌ثالثا: أحداث المعركة

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى للقتال انتصار المسلمين:

- ‌المرحلة الثانية للقتال هزيمة المسلمين:

- ‌المرحلة الثالثة للقتال الصمود الإسلامي:

- ‌رابعًا: نتائج المعركة

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في "أحد

- ‌سادسًا: أحد في رحاب القرآن الكريم

- ‌سابعًا: أحد وحركة الدعوة

- ‌المبحث السابع: أحداث ما بين أحد والأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة حمراء الأسد

- ‌ثانيًا: سرية أبي سلمة رضي الله عنه

- ‌ثالثًا: بعث عبد الله بن أنيس

- ‌رابعًا: بعث الرجيع

- ‌خامسًا: سرية عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان

- ‌سادسًا: وقعة بئر معونة

- ‌سابعا: غزوة بني النضير

- ‌ثامنا: غزوة نجد

- ‌تاسعًا: غزوة بدر الثانية

- ‌عاشرًا: غزوة دومة الجندل

- ‌حادي عشر: أهم الأحداث الاجتماعية بين أحد والأحزاب

- ‌ثاني عشر: حركة الدعوة بين أحد والأحزاب

- ‌المبحث الثامن: غزوة الأحزاب

- ‌مدخل

- ‌أولا: وقت الغزوة

- ‌ثانيًا: تجمع الأحزاب

- ‌ثالثًا: استعداد المسلمين للأحزاب

- ‌رابعًا: سير القتال

- ‌خامسًا: الآيات الربانية الخارقة في يوم الخندق

- ‌سادسًا: حركة الدعوة خلال أيام الخندق

- ‌سابعًا: الأحزاب في رحاب القرآن الكريم

- ‌المبحث التاسع: أحداث ما بين الأحزاب والحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: غزوة بني قريظة

- ‌ثانيًا: قتل ابن أبي الحقيق

- ‌ثالثا: سيرة محمد بن مسلمة

- ‌رابعًا: غزوة بني لحيان

- ‌خامسًا: غزوة الغابة

- ‌سادسًا: سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

- ‌سابعًا: السرايا إلى ذي القصة

- ‌ثامنًا: سرايا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌تاسعًا: غزوة بني المصطلق

- ‌عاشرًا: السرايا بعد غزوة بني المصطلق

- ‌حادي عشر: حركة الدعوة خلال المرحلة ما بين الأحزاب، والحديبية

- ‌المبحث العاشر: غزوة الحديبية

- ‌مدخل

- ‌أولا: سبب الغزوة

- ‌ثانيًا: التحرك للعمرة

- ‌ثالثًا: المفاوضات مع قريش

- ‌رابعًا: الصلح

- ‌خامسًا: موقف المسلمين من الصلح

- ‌سادسًا: موقف المسلمين بعد توقيع الصلح

- ‌سابعًا: عدم رد المؤمنات المهاجرات

- ‌ثامنًا: فراق الكافرات

- ‌تاسعًا: أهم ما في الحديبية من حكم

- ‌المبحث الحادي عشر: الأحداث بين صلح الحديبية وفتح مكة

- ‌مدخل

- ‌أولا: هدوء جبهة قريش وظهور مفرزة أبي بصير رضي الله عنه

- ‌ثانيا: العمل في المحيط العام "إرسائل الرسائل

- ‌مدخل

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي وثمامة بن آثال صاحبي اليمامة:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر صاحب دمشق:

- ‌ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك عمان وأخيه:

- ‌ الدعاة حملة الرسائل:

- ‌ثالثا: القضاء على إرهاب اليهود في خيبر وما حولها

- ‌مدخل

- ‌ حصون خيبر:

- ‌ تحرك المسلمين نحو خيبر:

- ‌ اقتحام الحصون:

- ‌ نهاية غزوة خيبر:

- ‌ في أعقاب خيبر:

- ‌ تطهير الجبهة الشمالية من أتباع يهود خيبر:

- ‌رابعا: مواجهة القبائل المتمردة

- ‌مدخل

- ‌ غزوة ذات الرقاع:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني الملوح في قديد

- ‌ سرية عمر بن الخطاب إلى تربة

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى بني مرة:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة:

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر:

- ‌ سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار:

- ‌ سرية أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة:

- ‌ سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى بني هلال:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله إلى بني مرة:

- ‌خامسا: تطبيق بنود صلح الحديبية وأداء العمرة

- ‌عمرة القضاء

- ‌ سرية ابن أبي العوجاء:

- ‌ سرية غالب بن عبد الله:

- ‌سرية ذات الصلح

- ‌ سرية ذات عرق:

- ‌ سرية شجاع بن وهب إلى السي:

- ‌ سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة:

- ‌سادسا: بدء مواجهة الرومان والقبائل التابعة لها

- ‌مدخل

- ‌ سرية مؤتة

- ‌ غزوة ذات السلاسل

- ‌ سرية الخبط:

- ‌ سرية أبي قتادة إلى خضرة:

- ‌سابعًا: حركة الدعوة في مرحلة ما بين الحديبية وفتح مكة

- ‌المبحث الثاني عشر: وتطهير الجزيرة العربية كلها من الشرك

- ‌مدخل

- ‌أولا: فتح مكة

- ‌سبب فتح مكة

- ‌ محاولة أبي سفيان تجديد الصلح:

- ‌ استعداد المسلمين لفتح مكة:

- ‌ الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة:

- ‌ مكة تحت القيادة الإسلامية:

- ‌ثانيًا: تطهير مكة وما حولها من الأصنام

- ‌ثالثا: غزوة حنين

- ‌مدخل

- ‌ استعداد المشركين للحرب:

- ‌ القتال:

- ‌ تعقب الفارين:

- ‌ غزوة الطائف:

- ‌ توزيع الغنائم:

- ‌ العودة إلى المدينة:

- ‌المبحث الثالث عشر: الاستقرار العام في الجزيرة ومواجهة غير العرب

- ‌مدخل

- ‌أولا: بعث عمال الصدقات إلى القبائل

- ‌ثانيًا: إرسال الدعاة إلى القبائل

- ‌ثالثًا: تسيير السرايا للخارجين على النظام

- ‌رابعا: غزوة تبوك والتصدى لعدوانية الرومان

- ‌استعداد المسلمين للغزوة

- ‌ نتائج الغزوة:

- ‌ موقف المنافقين بعد الغزوة:

- ‌ الثلاثة الذين تخلفوا:

- ‌المبحث الرابع عشر: السرايا والجهاد في الميزان

- ‌الجهاد ضرورة عامة

- ‌ الجهاد يحمي حرية الإنسان:

- ‌ الجهاد يصون كرامة الإنسان:

- ‌ الجهاد يبرز إيجابية الإنسان المسلم:

- ‌ الواقعية في تشريع الجهاد:

- ‌ ظهور فقه الإسلام في الجهاد:

- ‌المبحث الخامس عشر: وجاء نصر الله

- ‌مدخل

- ‌أولا: تتابع مجئ الوفود إلى المدينة

- ‌ثانيًا: نظام استقبال الوفود

- ‌ثالثًا: حج أبي بكر رضي الله عنه وإعلان نهاية الوثنية في الجزيرة العربية:

- ‌رابعًا: حجة الوداع وتحديد المعالم الكبرى في الإسلام

- ‌خامسًا: آخر بعوث النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة

- ‌المبحث السادس عشر: انتقال الرسول إلى الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: ركائز الدعوة المستفادة من المرحلة المدنية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: ضرورة بناء الأمة الإسلامية [قاعدة الدعوة]

- ‌مدخل

- ‌أولا: إيجاد الأمة القوية

- ‌ثانيا: التزام الأمة بالإسلام

- ‌ثالثا: صيانة ثوابت الأمة

- ‌المبحث الثاني: الاهتمام بمعرفة الواقع العالمي

- ‌المبحث الثالث: أهمية التطابق بين المسلم والإسلام

- ‌مدخل

- ‌ نشر العدل:

- ‌ تحقيق القيم النبيلة:

- ‌ تعود الصبر والتحمل:

- ‌ تحقيق التكافل بين الناس:

- ‌المبحث الرابع: ضرورة الفصل التام بين الإسلام وغيره

- ‌الخاتمة:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ موقف المسلمين:

‌ثانيا: مواقف الفريقين قبل المعركة

‌مدخل

ثانيًا: مواقف الفريقين قبل المعركة

فهم القرشيون غاية المسلمين من محاولة التعرض لقوافلهم التجارية، فأخذوا حذرهم للإفلات والهرب، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، يؤكد ذلك ما أشار أبو جهل به لأبي سفيان قبل رحيله من مكة قائلا له:"يا معشر قريش إن محمدًا قد نزل بيثرب وأرسل طلائعه وإنما يريد أن ينال منكم شيئًا، فاحذروا أن تمروا طريقه أو أن تقاربوه1، وكانت آخر محاولات المسلمين خروجهم للاستيلاء على قافلة أبي سفيان بعد أن جاء خبر رجوعها من الشام وهي التي فرت منهم حين ذهابها إلى الشام، وأراد الله تعالى أن تقع غزوة "بدر" هذه المرة حيث نشب القتال، وكان ما كان من أحداث، وأحكام ويمكن توضيح موقف كل من المسلمين والقرشيين قبيل المعركة فيما يلي:

1 سيرة النبي ج1 ص602.

ص: 256

أ-‌

‌ موقف المسلمين:

بعدما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودة القافلة من الشام، وفيها ألف بعير محملة بتجارات قبائل مكة، تحت حراسة ثلاثين أو أربعين رجلا، أخبر رسول الله وأصحابه، وندبهم للخروج وهو يقول لهم:"هذه عير قريش فاخرجوا لعل الله أن ينفلكموها".

انتدب الرسول أصحابه للخروج ولم يأمرهم، وترك الأمر لاختيارهم فخف بعضهم، وقعد الأكثرون، ظنًا منهم أنها واحدة من الغزوات السابقة التي أفلتت فيها القوافل، وتمكنت من الهرب، وعادوا بعدها إلى المدينة المنورة.

ورأوا كذلك أن العدد الذي خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كاف في أداء المهمة، ولم يتأهب الذين خرجوا للحرب التي فيها صناديد مكة، فلم يصطحبوا معهم كامل أسلحتهم وخيلهم1.

وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ولما بلغ "الروحاء"2 رد أبا لبابة إلى المدينة وولاه أمرها3.

وقد بلغت قوات المسلمين ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا، معهم فرسان، وسبعون

1 سيرة النبي ج1 ص607.

2 الروحاء بفتح الراء مشددة وسكون الواو وآخرها ألف ممدودة تقع جنوب المدينة وهي تابعة لإقليم الفرع سميت بذلك لاتخاذها مكانًا للراحة والسكون. "معجم البلدان ج2 ص76".

3 سيرة النبي ج1 ص612.

ص: 256

بعيرًا، فأخذ الرجال يتعاقبون على الإبل "كل ثلاثة على جمل"1، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاقب معهم2 وساروا للقاء القافلة قرب "بدر" التي تبعد عن المدينة بمائة ميل تقريبًا في الجهة الجنوبية، في الطريق الذاهب إلى مكة.

وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهرًا من مهاجره، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم عسكره في بئر أبي عنبة3 وهي على ميل جنوب المدينة، فعرض أصحابه ورد الصغار منهم، وبعدها واصل السير نحو بدر4.

وعندما اقترب الركب الإسلامي من "الذفراء" وهي قرية قريبة من "بدر" أرسل المسلمون عيونهم لمعرفة أخبار القافلة فجاءهم الخبر بما لم يتوقعوه.

جاءهم الخبر بأن أبا سفيان بن حرب اكتشف خروج المسلمين لملاقاة القافلة، فغير طريقه إلى الساحل، تاركًا بدرًا إلى يساره، وأسرع في سيره حتى بعدت القافلة عن المسلمين، وفي نفس الوقت أرسل أبو سفيان لأهل مكة يستنجد بهم لإنقاذ تجارتهم من محاولة استيلاء المسلمين عليها.

وصل المسلمون إلى "بدر" وعسكروا فيها يومين ليستريحوا من وعثاء السفر، وليرى الأعراب وغيرهم من تواجدهم في بدر مدى شجاعتهم وقوتهم، ويعرفوا استعدادهم للقتال من أجل حماية الحقوق، وصيانة المبادئ والخلق الكريم.

ولما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنده في "بدر" علم أن أهل مكة خرجوا لملاقاة المسلمين في تحد سافر، واستعداد تام للقضاء على المسلمين والإسلام.

وبرغم علم القرشيين أن القافلة التجارية نجت إلا أنهم أصروا على الحرب آملين تلقين المسلمين درسًا يمنعهم من التصدي لقوافلهم بعد ذلك، وحتى يعلم أهل الجزيرة قوة أهل مكة وشدتهم في الحرب واللقاء، وكان رأس الداعين إلى ضرورة محاربة المسلمين أبو جهل لعنه الله.

1 صحيح البخاري كتاب المناقب باب عدة أصحاب بدر ج6 ص239.

2 الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص12 وقد رد رسول الله يوم بدر "إمتاع الأسماع ج1 ص62".

3 بئر في جنوب المدينة على بعد ميل واحد.

4 الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص12.

ص: 257

وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه والمسلمين معه أنهم أمام حرب فرضت عليهم بلا استعداد لها، ورأوا أن القتال أصبح ضرورة، وبخاصة أن الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين العير أو النفير، وما دامت العير قد فرت، فإن النفير أصبح قدر الله فيهم.

نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الموقف العام وتأمل في موقف أصحابه الذين خرجوا معه من المهاجرين والأنصار، ورأى أن المهاجرين أصحاب حق، ولذلك أذن الله لهم بالقتال

ورأى صلى الله عليه وسلم أن الأنصار لم يبايعوه يوم العقبة على القتال خارج المدينة، وإنما بايعوه على حمايته داخل المدينة وها هو القتال قد أتى وهم خارجها.

رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبدأ يستشير أصحابه، ويأخذ رأيهم، فأدى أبو بكر وعمر برأيهما، ثم قام المقداد بن عمر بن الأسود فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه1.

وسكت الناس بعد مقالة المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشيروا عليّ أيها الناس"، وكان صلى الله عليه وسلم يريد بكلمته هذه الأنصار.

فلما أحس الأنصار أن الرسول يريد سماع رأيهم، قام سعد بن معاذ وقال: كأنك تريدنا يا رسول الله؟

فقال صلى الله عليه وسلم: "أجل".

قال سعد: لقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا، على السمع، والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا: إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله2.

1 الدرر ج3 ص163 وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وبرك الغماد موضع في هجر يكنى به عن المكان البعيد.

2 بلوغ الأماني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ج21 ص29، 30 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم ج12 ص124.

ص: 258

وبعد أن اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي الأنصار أخذ في التأهب للقتال الذي أصرت عليه قريش، واستعد جميع من معه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار على قدر استطاعتهم لهذا اللقاء الذي فرض عليهم، وكان أملهم أن لا يقع قتال.

وقدر الله أن يتم اللقاء، وتقع هذه الحرب لتكون فارقة بين الحق والباطل، وقد سبق أن وعدهم سبحانه وتعالى بتحقيق أحد أمرين: الغنيمة بعد القتال، أو الظفر بما تحمله القافلة من مال ومتاع وفي ذلك يقول الله تعالى:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} 1 فلما نجت القافلة وسقط الخيار الأول لم يبق إلا القتال الذي وعدوا بالنصر فيه والغنيمة منه.

وقد رحب الجميع بالقتال، وساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بدر، وأخذوا يستعدون للقاء.

ومن أهم أعمال الاستعداد للقتال في المعسكر الإسلامي ما يلي:

1-

معرفة مكان القرشيين:

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في البحث عن المكان الذي نزل فيه جيش قريش وأخذا يتجولان في منطقة "بدر" فإذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكان جيش قريش، وعن مكان محمد وأصحابه "وإنما سأله عن مكان المسلمين حتى لا يعرف من هما".

قال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أخبرتنا أخبرناك".

قال: أو ذاك بذلك؟

قال صلى الله عليه وسلم: "نعم".

قال الشيخ: فإنه قد بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن

1 سورة الأنفال: 7.

ص: 259

كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي به جيش المدينة- وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي به جيش مكة.

ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن من ماء". ثم انصرفا عنه.

وبقي الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ أم ماذا؟ 1.

وبذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم مكان جيش قريش فنظم جيشه، وأخذ يعده للقاء.

2-

معرفة قوة العدو:

كلف النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من قادة المهاجرين على رأس نفر من أصحابه، لتحري عدد العدو، ومدى قوتهم، والأربعة هم: علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعيد بن العاص، وبسبس بن عمرو رضي الله عنهم، فذهبوا إلى ماء بدر، فوجدوا سقاة قريش عنده فلما اقتربوا منهم حاولوا الفرار، فقبض الصحابة على ثلاثة هم: أبو يسار غلام أبي العاص بن سعيد، وأسلم غلام منبه بن الحجاج، وأبو رافع غلام أمية بن خلف، وجاءوا بهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فاستخبرهم القوم فقالوا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم قولهم، ورجوا أن يكونوا لأبي سفيان، فضربوهم ضربًا موجعًا، حتى اضطر الغلمان أن يقولوا: نحن لأبي سفيان، فتركوهم.

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال لهم كالعاتب: "إذا صدقوكم ضربتموهم وإذا كذبوكم تركتموهم، صدقوا والله إنهم لقريش".

ثم خاطبهم قائلا: "أخبروني عن قريش".

قالوا: هم وراء الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم القوم"؟.

الوا: كثير.

قال صلى الله عليه وسلم: "ما عدتهم"؟.

1 سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ج1 ص616.

ص: 260

قالوا: لا ندري.

قال صلى الله عليه وسلم: "كم ينحرون كل يوم"؟.

قالوا: يومًا تسعًا ويومًا عشرًا.

قال صلى الله عليه وسلم: "القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف".

ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: "فمن فيهم من أشراف قريش"؟.

قالوا: عتبة، وشيبة، ابنا ربيعة، وأبو البحتري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل عمرو بن هشام، وأمية بن خلف في رجال سمياهم.

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال:"هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها"1.

3-

النزول في مكان حيوي:

تحرك النبي بجيشه نحو بدر، ونزل ليلا عند أدنى مياه في بدر مما يلي جهة المدينة، وهنا قال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت هذه المنزل، أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

قال صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة".

قال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فنزله ونغور -أي نخرب ما وراءه من القلب- ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أشرت بالرأي".

فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش، حتى وصل عند أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض، وغرروا ما عداها من القلب2.

4-

تحديد المهام القتالية:

جهز الرسول صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين للقتال وصف الصفوف، وعقد الألوية، وحدد لكل لواء شعاره.

1 بلوغ الأماني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني ج21 ص34 تاريخ الطبري ج1 ص436.

2 سيرة النبي ج1 ص620.

ص: 261

يقول ابن سعد: وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الألوية، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الأعظم، ولواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين، يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله، ويقال: بل كان شعار المسلمين جميعًا يومئذ: يا منصور أمت، ومن الممكن أن يكون هناك شعار خاص لكل فريق، وشعار واحد لهم جميعًا.

وبنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشًا، وقام سعد بن معاذ على بابه يحرسه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفوف، فلما رأى القرشيين يتجهون إلى وادي بدر قال:"اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها، وفخرها، تحاربك، وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة"1. أي أمتهم.

ولما قرب اللقاء وقف النبي صلى الله عليه وسلم وخطب في أصحابه وقال لهم بعد حمد الله والثناء عليه: "أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإن الله عظيم شأنه، يأمر بالحق، ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يذكرون، وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق، لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغى به وجهه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم، وينجي به من الغم، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي الله يحذركم، ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع الله عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله يقول: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} انظروا الذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزكم به بعد ذلة، فاستمسكوا به يرضى به ربكم عنكم، وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمرًا تستوجبون الذي وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنما أنا وأنتم نستعين بالله الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر الله لي وللمسلمين"2.

1 زاد المعاد ج3 ص176.

2 إمتاع الأسماع ج1 ص81.

ص: 262

وقد بلغ عدد الذين خرجوا مع رسول الله ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا، أغلبهم من الأنصار مع أنهم كانوا يعلمون أن الإذن بالقتال لم يكن لهم1.

وجملة من خرج من المهاجرين أربع وثمانون صحابيًا، ومن الأوس واحد وستون ومن الخزرج مائة وسبعون.

5-

الجيش الإسلامي في رعاية الله:

أرض وادي بدر رملية ناعمة، تؤذي من يسير عليها، ويتحرك فوقها، وقد شعر المسلمون بالتعب لطول السفر، وعدم النوم، وسيطر عليهم قلق الانتظار والترقب. وهنا تحوطهم رعاية الله تعالى فينزل عليهم المطر، وتتلبد الأرض، ويسهل عليهم السير ويغشاهم نعاس ألقاه الله عليهم لتهدأ خواطرهم، ويذهب تعبهم وذلك من فضل الله عليهم يقول الله تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} 2.

وقد احتلم عدد من الصحابة فلما أصبحوا وجدوا الماء فاغتسلوا وتطهروا، وبذلك دخلوا المعركة أطهارًا، ناجين من رجس الشيطان، ثابتي الأقدام، مطمئني القلوب.

ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الليلة في صلواته، ودعائه ليصبح على يوم اللقاء والمعركة وهو يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة حيث كان نصر الله تعالى.

وفي صباح يوم الجمعة تراءى الجمعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك، وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة"3.

وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، قد كان في يده قدح يعدل به، وكان "سواد بن غزية" خارجًا عن الصف فدفع النبي صلى الله عليه وسلم

1 صحيح البخاري كتاب المناقب باب عدة أصحاب بدر ج6 ص239.

2 سورة الأنفال: 11.

3 سيرة النبي ج1 ص621، زاد المعاد ج3 ص176.

ص: 263

القدح في بطنه ليتساوى مع الصف، فاشتكى سواد وجع القدح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال له صلى الله عليه وسلم: "استقد مني".

وهنا اعتنق سواد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بطنه.

فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا سواد"؟.

قال سواد: يا رسول الله قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير1.

ولما أتم صلى الله عليه وسلم تعديل الصفوف، أصدر أوامره إلى جيشه، بأن لا يبدءوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب فقال:"إذا أكثبوكم، يعني كثروكم فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم"2، ثم رجع إلى العريش ومعه أبو بكر، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش.

وبعد أن سوى صلى الله عليه وسلم الصفوف، وتهيأ الجميع للقتال أرسل إلى القرشيين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فرصة أخيرة يقول لهم:"ارجعوا فإنه إن يل هذا الأمر مني غيركم أحب إليّ من أن تلوه مني، وأن آليه من غيركم أحب إليّ من أن آليه منكم".

فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصحًا فاقبلوه، فوالله لا تنتصرون عليه بعدما عرض من النصح، فأبوا النصيحة، وأصروا على القتال3.

وهكذا يبدو الخلق الإسلامي من توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم البدء في القتال، وعدم استعمال سلاح إلا إذا استعمله الأعداء أولا، فإن كان الرمي بالنبال يكون الرد بالنبال، وإن سلوا السيوف فلا مانع من الرد بها، وفي إرسال عمر لهم بيان تام لرغبة المسلمين في السلام الكريم الذي لا يضيع الحقوق.

1 سيرة النبي ج1 ص626.

2 صحيح البخاري. كتاب المناقب. باب غزوة بدر ج6 ص205.

3 سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ج4 ص53.

ص: 264