الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: قيامه صلى الله عليه وسلم بمهام الرسالة
بجانب أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهله وأولاده وأصحابه، نراه صلى الله عليه وسلم يعيش حياته كلها لدين الله تعالى، متوكلا على الله سبحانه وتعالى في كل أعماله.
فلقد عاش صلى الله عليه وسلم، قائدًا للجماعة، ومبلغًا للرسالة، ومجاهدًا في سبيل الله تعالى، ومصدر الفتوى والتعليم للأمة كلها، ولا غرابة في هذا فلقد أدى صلى الله عليه وسلم بذلك الأمانة وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق الجهاد، واستمر على ذلك حتى تمت النعمة، وكمل الدين، وأصبح الإسلام دين العالمين.
لقد كان صلى الله عليه وسلم حركة دائمة في كل حياته بعد الهجرة كما كان قبلها، ولقد أنجز في وقت قصير ما كان يحتاج لمدة طويلة، فهيأ للمهاجرين معيشتهم، وربط المسلمين جميعًا برباط الحب، والمودة، والتآلف.
ونظم الحياة الاجتماعية لمواطني المدينة مسلمين وغير مسلمين، وحدد لكل طائفة ما لها وما عليها، واستسلم الجميع لحكم الله تعالى، وارتضوا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم فيهم.
أقام النبي صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي ليجتمع المسلمون فيه للعبادة، ولأداء كافة الأنشطة التي لا بد منها للحركة بالدعوة إلى الله تعالى، من تعليم وتنظيم، وإعداد
…
إلخ.
وأخذ الوحي ينزل عليه بكافة التشريعات الدينية، ويوضح أمامه الأخلاق النبيلة وأصبح المسلمون بما تمتعوا به قوة وضاءة في أفق الحياة، تعمل الخير وتنشره بين الناس، وتواصل الدعوة إلى دين الله تعالى.
وتتابع نزول القرآن الكريم تبعًا للأحداث والوقائع والمناسبات، وتربية لأمة أراد الله لها أن تكون خير ما أخرج للناس.
وكان صلى الله عليه وسلم يتابع الناس بالتوجيه والإرشاد، ويبين لهم الوحي، ويوجههم به حتى كمل الدين، وتم نزول القرآن وتعاظمت السنة خلال المرحلة المدنية.
وكان من الواضح أن الإسلام أخذ يزداد أتباعه كل يوم، وصارت حقيقته بادية
أما غير المسلمين
…
الأمر الذي أدى إلى زيادة حقد القرشيين على المسلمين في المدينة.
ولم يكن عجبًا أن يبدأ العدوان القرشي على المسلمين بعد نجاح الهجرة، الأمر الذي أدى إلى بدء الجهاد القتالي ضد أعداء الإسلام واستمرت الحركة بالدعوة حتى تم الإسلام، وكمل الدين، ونزل قول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 1.
لم تكن مدة الرسالة المدنية طويلة لكنها رغم قصرها امتلأت بالحوادث العديدة، والمواقف الشاقة، والمواجهات المتنوعة، حتى أن العقل يندهش حين ينظر في المرحلة المدنية، ويرى ما حدث فيها.
لقد استمرت المرحلة المدنية عشر سنوات بدأت بالهجرة وانتهت بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلالها عاش المسلمون بالإسلام، وتحركوا به في العالمين.
لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال هذه السنوات العشر بكل ما كلف به على خير وجه أراده الله تعالى.
تلقى القرآن الكريم من جبريل عليه السلام ونقله كما تلقاه إلى أصحابه الذين اهتموا به حفظًا وفهمًا واتباعًا.
وبين لهم بسنته صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم حتى صار الإسلام معلومًا، مفصلا، كاملا، شاملا.
وربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة على منهج الله تعالى، وبطريقة تتلاءم مع الواقع، وتلتقي مع الخصائص البشرية للإنسان.
وحول صلى الله عليه وسلم معايب الجاهلية إلى محاسن دينية بعد أن تسامى بها، وهذب حركتها وطهر غايتها، وضبط حركتها ووجهتها بتعاليم الله حتى صارت عونًا للمحتاج، وانتصارًا للعدل، والحرية، والكرامة.
وعرف الناس حقوقهم وواجباتهم، فقاموا بما عليهم، ونالوا ما لهم حتى ظهرت أمة الإسلام بحضارتها تباهي الدنيا بحقيقتها الرائعة التي حافظت على حقوق الفقراء والضعفاء
1 سورة المائدة: 3.
قبل الأغنياء والأقوياء وأنصفت أصحاب الحقوق من المعتدين، وحررت مسارات الحياة من أي غلو، أو عدوان، أو إهمال، أو تفريط.
إن أمة الإسلام التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النموذج الأسوة فقد بلغت الأوج وتميزت بكرم الخلق، وحسن المعاملة ونبل الهدف، مع التخلص التام من عنصرية الجاهلية، وعدوانية الظلم والضلال، والبعد المطلق عن الأنانية، والأثرة، والكبرياء والتعالي.
لقد حققت أمة الإسلام في مدة وجيزة ما يعجز عن تحقيقه الآخرون في مئات السنين.
لقد أوجدت على أرض الواقع العدل العام، وأسست قوة الخير والسلام، وحققت عمليًا التوازن الدقيق بين المسئولية والجزاء، والتناغم الجميل بين الحقوق والواجبات، كل ذلك وغيره بتعاليم الله تعالى التي قدمت الإسلام هدية لإسعاد العالمين.
لقد شهد الواقع بما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دخل الناس في الإسلام، وزالت دولة الفرس والروم، ولم يتمكن أحد من الأعداء أن يتهم محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ظلم إنسانًا، أو ضيع حقوقًا، أو هان ضعيفًا، أو فرط في إصلاح.
لقد حرك صلى الله عليه وسلم أناسًا نائمين، ووضع في قلوبهم سر الحركة والنشاط، حتى صنع منهم الأمة الإسلامية العظيمة التي تصون حقوق رعاياها، وتحسن تعاملها مع غيرها.
والمسلمون اليوم عليهم أن يعودوا للسيرة الذاتية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتشبهوا بها، ويقتدوا بمسلكها لأن هذا الاقتداء واجب شرعًا، وبخاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه صناعة ربانية فقد نشأ وتربى، وعاش كسائر البشر.
رأيناه صلى الله عليه وسلم يتيمًا، فقيرًا، عالة
…
وشاهدناه يتاجر ويعمل للناس راعيًا. ووقفنا على حياته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وأبنائه، وإخوانه، وعلمنا كيف نومه وأكله وشربه، كل ذلك عشناه معه وتأكدنا من صدق روايته مما يؤكد أن الاتباع والاقتداء أمر سهل ممكن لمن أراد أن يكون إنسانًا كاملا يعمل للدنيا وللآخرة معًا، يقول الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} 1.
1 سورة الأحزاب: 21.